يديعوت : “أؤمن بالتوراة وبخطة الحسم”.. سموتريتش يعلن دولة المستوطنين في الضفة من الطابق الـ15

ناحوم-برنياع.jpeg
حجم الخط

بقلم  ناحوم برنياع

الأربعاء الماضي، يوم جنازات قتلى مستوطنة “عيلي”، ويوم الاعتداءات على القرى الفلسطينية في الضفة، جاء رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان إلى قيادة المنطقة الوسطى في القدس، وتركز النقاش على مظاهر الإرهاب في المنطقة، من جانب الفلسطينيين ومن جانب اليهود. لم يدعَ لهذا الاجتماع سموتريتش، الوزير في وزارة الدفاع ووزير المالية. وعلى الرغم من كونه هو وبن غفير عضوي “كابينت” مركزيين، يحرص نتنياهو على عدم دعوتهما إلى مداولات أمنية: مهم له أن يحافظ على مظهر من الرسمية، مكبوح الجماح.

 

على الرغم من ذلك، (كان سموتريتش شريكاً كاملاً في المداولات، عبر الهاتف) فقد جاء القرار منه لتسويغ بناء ألف وحدة سكن أخرى في المستوطنات وبؤرة “أفيتار” إضافة إلى 4.700 أعلن عنها قبل ذلك على سبيل الرد. وظاهراً، أنه جاء بقرار من نتنياهو بالتشاور مع غالنت، أما عملياً فسموتريتش هو الذي فحص وأعد وسينفذ.

 

في شباط، ضجت البلاد بسبب مطالبة سموتريتش الحصول على الصلاحيات التي وعد بها في وزارة الدفاع. يريف لفين، الذي أدار عن الليكود المفاوضات الائتلافية، كان سخياً جداً، أو مهملاً جداً، بالهدايا التي منحها للحزبين المتطرفين. وزير الدفاع غالنت ثار: لم يتكبد أحد عناء التشاور معه قبل تقسيم وزارته. بعد بضعة أيام، تحققت تفاهمات. ظن غالنت أنه انتصر، لكنه أخطأ.

 

مرت أربعة أشهر منذئذ، والثورة لبست سموتريتش. في الطابق الـ 15 في برج وزارة الدفاع في تل أبيب، طابق فوق مكتب وزير الدفاع، قامت وزارة دفاع ثانية، وللدقة – حكومة ثانية، حكومة “يهودا”. سموتريتش يفعل بهدوء، بعقل، بدهاء: وكما أفاد عوديد شالوم في تقريره المتميز الذي نشره في ملحق السبت في “يديعوت أحرونوت”، فإن مديرية الاستيطان التي أقامها تتحكم بحياة نصف مليون يهودي يسكنون في “المناطق” وتهيئ التربة لنصف المليون التالين. رسمياً، الجيش الإسرائيلي هو صاحب السيادة، هذا ما نسوقه للعالم؛ أما عملياً فقد انتقلت السيادة إلى الطابق الـ 15.

 

المقارنة الواجبة هي مع أرئيل شارون الذي لعب دوراً مركزياً في نجاح مشروع الاستيطان. الدهاء إياه، الذكاء إياه، والتمسك بالمهمة إياه، والشراكة السرية إياها مع محافل خارقي القانون. يهودا إلياهو، المدير العام كلي القدرة الذي جلبه سموتريتش إلى الطابق الـ 15 هو صورة عن زمبيش، وزئيف حفير الذي كان يعرف كيف يترجم قوة شارون السياسية إلى حقائق على الأرض. الاثنان يعملان معاً اليوم: زمبيش هو الوسيط ورجل الاتصال بين غالنت والسموتريتشيين.

 

ومع ذلك، ثمة فارق بين حينه واليوم: الرب لدى سموتريتش جزء لا يتجزأ من الرؤيا، كل شيء يتم باسمه ومن أجله. أما لدى شارون فالأرقام كانت مغروسة في الأرض وليس في العوالم المسيحانية. كان يمكن أن يخلي شارون المستوطنات حين اعتقد أن المصلحة السياسية تبرر الإخلاء، أما سموتريتش فلن يخلي إلا العرب.    

 

في 2007 نشر سموتريتش رؤياه في مقال طويل في مجلس “هشيلوح” اليمينية. “خطة الحسم”، هكذا عنوانه. جديرة العودة لمراجعة هذه الوثيقة: بعد سنوات سيجد مكانه على الحائط في المدارس، بدلاً من وثيقة الاستقلال. هو يبدأ بكلمات “أنا رجل مؤمن، أؤمن بالرب تبارك اسمه، أؤمن بالتوراة”.

 

في الجانب العملي، يقترح أن يوضح للعرب في الضفة أن ليس أمامهم سوى خيارين: إما التنازل عن التطلعات الوطنية ومن يفعل لك سيبقى بدون حقوق مواطن وحقوق مقيم؛ وإما الهجرة. لا توجد في الوثيقة كلمة عن مصير اليهود والعرب مواطني إسرائيل ممن لن يستطيبوا هذا الحسم: لعل هؤلاء أيضاً سيفقدون حقوقهم المدنية، ولعلهم سيجبرون على الهجرة.

 

سموتريتش ليس بن غفير: حتى لو كان يحلم أنه المسيح، فهو في النهار رجل جدي، ذو قدرات. في فترة ولايته القصيرة كوزير للمواصلات، أثبت أنه يعرف كيف يتخذ القرارات ويدفعها قدماً، يعرف كيف يقف عند رأيه في المفاوضات ويتلقى أكثر بكثير مما أعطاه الناخبون، وأكثر بكثير مما يستحقه حزبه. كوزير للمالية، يضخ الأموال إلى الحزب ومؤسساته، دون أن يتأثر برد الفعل الجماهيري. والأساس أن روتمان، ذراعه القضائي والقانوني، يحرره ويحرر الدولة من مشكلة الديمقراطية. بالفعل، وصل بعيداً.

 

نقطة الضعف لدى نتنياهو أنه يعرف كيف يعثر على الشيء ويستغله، فلنتنياهو حساب مرير مع غالنت منذ ليل التنحية. هو يتذكر الجماهير الذين تدفقوا إلى “كابلن”، وموجة الاحتجاج المتصاعدة وحرقة الفشل، أما دعمه لسموتريتش فهي طريقته لكي يري غالنت من هو السيد، وإلى الجحيم بكل ما تبقى.

 

لقد وعدت حكومة إسرائيل في مؤتمر العقبة بالامتناع عن إقامة مستوطنات جديدة، وتعزيز السلطة الفلسطينية. وقد قطع التعهد للسلطة الفلسطينية ولمصر وللأردن وأساساً للإدارة الأمريكية. لكنه انتهك وعده من اليوم الأول. عندما نشرت الإدارة الأمريكية التنديدات، كان الجواب: تعهدنا لأربعة أشهر فقط، وانتهت في 26 حزيران. ذريعة كهذه ربما تقبلها محكمة إسرائيلية في تل أبيب لا في البيت الأبيض.

 

عندما خرج المشاغبون اليهود لإشعال النار ونشر الإرهاب في القرى، نشر رئيس الأركان ورئيس “الشاباك” والمفتش العام بياناً مشتركاً، قلقاً وصعباً. تطلع الجيش و”الشاباك” لبيانات شجب من الحاخامات ومن رؤساء المستوطنين وأساساً من سموتريتش وبن غفير.

 

حصل العكس؛ نزل بن غفير إلى الميدان لتشجيع “فتيان التلال” [مستوطنون متطرفون من الشباب] بالهرولة إلى الأمام. وبخ سموتريتش المنتقدين وكتب قائلاً: التشبيه بين الإرهاب العربي والأعمال المضادة المدنية مرفوض وخطير.

 

البحر هو ذات البحر، وسموتريتش هو ذات سموتريتش باستثناء أنه يعمل الآن لدى رئيس وزراء.