هآرتس: فجأة تذكّرت إسرائيل "غيتو" غزة !

حصار
حجم الخط

كتب جدعون ليفي في هآرتس أن الأنباء الأخيرة من الغيتو تأتي، كالمعتاد، من خارجه.

فادمان الخوف والغرق الدائم في الرعب في اسرائيل يذكرانا فجأة بوجود الغيتو المجاور.

هكذا فقط نتذكر هنا غزة: عندما تطلق النار، او عندما تحفر على الأقل.

سكان «غلاف غزة» يسمعون أصواتا، ربما أصوات حفر، فينال الغيتو نصيبه من الاهتمام: نتذكر وجوده.

شُطبت إيران عن جدول الأعمال، السويد ليست مخيفة بما يكفي، «حزب الله» منشغل – وبالتالي نعود الى غزة. اذا ما انطفأت قضية آييلت زورير- لا سمح الله- ولم تقلع قضية موشيه ايبجي – وهي الامور التي تهم حقا – فمن شأن بعض المحللين والمحررين السئمين والسياسيين والجنرالات المتعطشين للدماء ان يجروا اسرائيل الى «حرب» اخرى في غزة.

و «الحرب» في غزة هي دوما مذبحة مضبوطة اخرى، تقاس إنجازاتها بعدد الجثث وكمية الخرائب التي تخلفها وراءها. وقد سبق لاسحق هرتسوغ أن وعد بتولي الأمر. ولكن الأنباء الحقيقية من غزة لا تأتي الى علم الاسرائيليين.

فمن سمع هنا أن طائرات سلاح الجو الاكثر أخلاقية في العالم رشت في الاسابيع الاخيرة بالسم الحقول في «المنطقة الفاصلة»، التي اعلنت اسرائيل عنها بشكل احادي الجانب، بمسافة 300 متر عن الجدار؟ فالمزارعون في غزة يبلغون بأن طائرات رش السموم توسع احيانا اهدافها بمسافة 500 متر. 1.187 دونم تضررت بالرش السابق في كانون الاول. ويبلغ الطيارون عن اصابات جيدة للهدف، وهم مقتنعون بانهم يقومون بعمل طيب.

يجدر الانتباه الى الصيغة النظيفة للناطق بلسان الجيش الاسرائيلي: «جرى رش جو لمواد مبيدة للاعشاب ومانعة لنمو النبات في مساحة محاذية للجدار الفاصل، وذلك من اجل السماح بمواصلة تنفيذ مهام الامن الجاري في المنطقة على أفضل شكل ممكن».

من المحظور على الصيادين الخروج الى البحر لمسافة اكثر من 6 أميال بحرية، وبين الحين والاخر يختطف صياد او تطلق النار عليه؛ ومن المحظور على الفلاحين ان يقتربوا اكثر من 300 متر، وكل ذلك من اجل خدمة ملاك الامن الاسرائيلي وهو وحده، وقد انتهى الاحتلال في القطاع منذ زمن بعيد. على مسافة ساعة سفر من تل ابيب – غيتو. حتى بلا توريد «مواد مانعة لنمو النبات»، يكاد لا ينمو فيه شيء.

وتقول آخر معطيات جمعية «غيشا»: 43 في المئة بطالة، 70 في المئة يحتاجون لمساعدة انسانية، 57 في المئة يعانون من نقص الأمن الغذائي.

والتقرير الذي نشرته الأمم المتحدة في آب تحت عنوان «هل ستكون غزة مكانا قابلا للعيش في العام 2020» – تقشعر له الابدان، فعندها سيكون الضرر لشبكات المياه لا مرد له؛ فالمياه منذ اليوم غير صالحة للشرب.

الناتج القومي المحلي الخام للفرد – 1.273 دولار، اقل مما قبل 25 سنة، ولعله الوحيد في العالم الذي يهبط. ستكون هناك حاجة الى الف طبيب والفي ممرضة لجهاز الصحة المحاصر والمنهار؛ من أين سيأتون؟ من كلية الطب في النصيرات؟ من الطلاب الذين خرجوا لتعلم الطلب في هارفرد؟ لقد شددت مصر حصارها، وتنكر العالم لالتزاماته، وتستغل إسرائيل هذا كي تواصل الحصار. ثلاث ساعات كهرباء. احيانا ستة. في البرد وفي المطر. وبعد ذلك 12 ساعة بدون، ومرة اخرى ثلاث أو ست ساعات. كل يوم. نحو مليوني نسمة. مليون منهم لاجئون وابناء لاجئين، من فعل يد اسرائيل المباشر او غير المباشر.

نحو مليون منهم اطفال. لا يوجد اسرائيلي يمكنه أن يتصور هذا. لا يوجد الكثير من الاسرائيليين ممن يشعرون بالذنب لقاء ذلك. ثمة القليل من الاسرائيليين ممن يهمهم الامر. «حماس»، كما تعرفون. في الكارثة التالية في العالم، الهزة الارضية او الطوفان، سنكون هناك، مع بعثة من الجيش الاسرائيلي. الجيش الاسرائيلي ذاته، في بزاته التي يرش بها الحقول في غزة، الاوائل دوماً. وفي هذه الاثناء في الغيتو نحو مليوني نسمة، بعضهم عملوا هنا لسنوات، لبعضهم يوجد اصدقاء هنا، يعيشون في فقر مدقع ويأس دائم، ولا سيما بسبب الحصار الاسرائيلي. لقد اكتمل «خرجنا من غزة». والان لا حاجة إلا لانتظار الانفاق كي نعود لنقصف.