يهاجم الجيش، الذي عتاده مأخوذ من فيلم خيال علمي، قبيلة للهنود الحمر.
بقدر معين هذه هي علاقات القوة، وهذا هو أحد الجوانب التي تحول الفلسطينيين الموجودين في مخيم جنين إلى أبطال.
المواطنون كالعادة هم أبطال رغم أنفهم. في حين أن من اختاروا التسلح ومحاولة المس بالغزاة فإن بطولتهم وشجاعتهم (وعدم اكتراثهم بالموت لأنهم منذ الولادة لا يوجد أي أفق لحياتهم)، لم يوقفوا في الـ 23 سنة الأخيرة الخطة الكبرى الإسرائيلية وهي ضمان أن يتم ضم معظم الضفة الغربية فعلياً لإسرائيل وأن يتم تطهيرها من الفلسطينيين، من خلال زجهم في محميات محددة.
دفعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة قدماً بهذه الخطة الرئيس؛ فكل يوم يمر يكشف إلى أي درجة يدور الحديث عن استراتيجية محسوبة قام بصياغتها الكثير من المفكرين، وهي متعددة أذرع التنفيذ.
المؤيدون للكفاح المسلح يقولون وبحق إن تكتيك الدبلوماسية والمفاوضات الذي تمسك به رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، لم يوقف شهية توسع إسرائيل، التي استخفت منذ اليوم الأول باتفاق أوسلو حول التفاهمات الدولية بأن المستوطنات مناقضة للعملية السلمية وأنه يجب وقف البناء فيها. ولكن حتى ما يسمى "الكفاح المسلح" لم يوقف في العقود الثلاثة الأخيرة جشع إسرائيل للأراضي الفلسطينية وإحباط الطموحات الوطنية الفلسطينية.
بالعكس، في أكثر من مرة تم استخدامه لهذا الجشع، مثل إقامة جدار الفصل ومنطقة التماس الواسعة التي يُحظر تواجد الفلسطينيين حولها.
إخلاء المستوطنات في قطاع غزة، الذي تعرضه "حماس" كإنجاز وكدليل على نجاح الكفاح المسلح، خدم هدفاً سامياً لإسرائيل وهو الاستمرار في تقسيم السكان الفلسطينيين، وإدخالهم إلى فئات منفصلة في جيوب معزولة عن بعضها في الوقت الذي يتعمق فيه الاستيطان في الضفة الغربية، بما في ذلك في شرق القدس.
إخلاء المستوطنات الأربع في شمال الضفة في 2005 لم يغير الكثير. فإسرائيل استمرت في تصنيف المنطقة التي بنيت فيها كمناطق ج، ومنعت الفلسطينيين من استخدامها وتطويرها حسب احتياجاتهم، حتى عندما تم إخلاؤها من المستوطنين. هذه المواقع التي تم إخلاؤها بقيت هناك في حالة انتظار، إلى أن تعيد الظروف السياسية الصحيحة عقارب الساعة إلى الوراء.
على هذه الخلفية يجب تفهم الهجوم على قبيلة اللاجئين في جنين، وليس فقط على خلفية محاكمة نتنياهو واعتماده على أحزاب المستوطنين والتظاهرات ضد الانقلاب النظامي. حكومة نتنياهو – سموتريتش – بن غفير – لفين ألغت قانون الانفصال في شمال "السامرة". في أراضي برقة وسيلة الظهر تزدهر وتتوسع بحماية من الجيش المدرسة الدينية / المستوطنة في حومش. لأنه بحماية ومساعدة الجيش ذاته فرضت الرعب على أصحاب الأراضي حتى قبل فترة طويلة من إلغاء هذا القانون.
بقيت أيضاً ثلاثة مواقع، وهي ما كانت تسمى مستوطنة صانور وكديم وغانيم.
جميعها توجد في محيط محافظة جنين. تسمح التجربة المتراكمة بالتقدير بأن القيادة العليا، أي حركات الاستيطان على أنواعها وممثليها الكثيرين في الحكومة، تخطط لتوطين هذه المواقع من جديد. وحتى قبل ذلك يجب أن تظهر هنا وهناك مزارع الأفراد التي تظهر وكأنها عفوية مع قطعان الأغنام والأبقار السمينة، والمليشيات الخاصة وتمويل الجمهور الذي يسمح للمزيد من العائلات بتطبيق وصية سرقة أراضي الفلسطينيين.
مع هذه الطبخة المعروفة فإن قطع واقتلاع الأشجار وإشعال الحرائق وسرقة المحاصيل وإغلاق الطرق وإطلاق النار في كل مكان وتنفيذ المذابح المباشرة، لا تكتفي بتخويف أحد الرعاة أو الفلاحين بل هي موجهة لقرية بأكملها.
الألف جندي والطائرات المروحية والطائرات المسيرة والقذائف وغرف العمليات والجرافات ومئات السيارات المدرعة وأحدث منتجات الهايتيك الأخرى التي يصعب تخيلها، كل ذلك استهدف إخضاعهم واستسلامهم، وقتل واعتقال وإصابة وردع وتخويف الذين سيحاولون التشويش على تطبيق الجزء المتمثل بإلغاء قانون الانفصال.
تنعكس الفجوة الكبيرة في علاقات القوة أيضاً في توفر المعلومات. فالمتحدثون بلسان الجيش والشرطة و"الشاباك" يعطون في الوقت الحقيقي معلوماتهم المصفاة: إذا أرادوا يزيدون التفاصيل أو يقلصونها، الأساس هو أن الجمهور في إسرائيل يعتبرهم الجهة التي تعرف كل شيء والتي تبدو موضوعية.
وعندما ينشرون صوراً لبراميل مليئة بالوقود ويكررون للمرة المليون "بنى إرهابية" و"مختبرات المتفجرات" في منطقة مدنية مأهولة، يجب على كل إسرائيلي تجاهل أن قواعد الجيش و"الشاباك" ومكاتب وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة تعمل في أوساط السكان المدنيين بشكل واضح.
يجب عليهم أيضاً نسيان أن وحدة واحدة من الجنود أو حرس الحدود مسلحة أكثر من كل مخيم اللاجئين.
هم لا يتذكرون، ولذلك لا يمكنهم أيضاً النسيان بأن إسرائيل هي القوة المحتلة التي فرضت نفسها على الفلسطينيين.
المعلومات الأخرى التي تأتي من الميدان جزئية وضئيلة؛ لأن الجيش الإسرائيلي قام بتدمير شبكة الكهرباء في المخيم، وفرغت بطاريات الهواتف المحمولة؛ لأن الأشخاص ينشغلون بإنقاذ أنفسهم والآخرين، ولأن المواطنين لا يرون أكثر من مقطع الشارع الذي قامت بتدميره الآن، جرافة الجيش الإسرائيلي.
يجب علينا جمع المعلومات من أشخاص جربوا على جلودهم التدمير والرعب، وهذا ممكن فقط بعد أن تغادر القوات الإسرائيلية الضخمة التي تم إرسالها لتدمير مخيم جنين للاجئين مرة أخرى.
أصبحنا نعرف أن آلاف السكان في المخيم اضطروا لمغادرة بيوتهم في مساء الاثنين (هناك من خرجوا بعد أن أمرهم الجيش بالمغادرة وآخرون "اختاروا" الخروج لأنه لم يعد بالإمكان العيش دون مياه).
الآن عندما أصبحوا خارج المخيم، يهيمون بين المدارس أو الأصدقاء في القرى المجاورة، فهم لا يعرفون في أي وضع سيجدون بيوتهم عندما سيتمكنون من العودة إليها: مدمرة، الأبواب والجدران تم تفجيرها، القليل من الأغراض الثمينة التي توجد فيها سرقت، صورة الجد وهو يرتدي الكوفية تم تمزيقها، التلفزيون الذي استثمروا فيه توفيرات سنة أصبح مثقوباً بسبب الرصاص، أكياس الأرز والسكر مثقبة، ومحتواها مسكوب على الأرض.
عندما سنتمكن من الالتقاء مع سكان المخيم سيتبين على الأقل جزء من التفاصيل: هل أبناء 16 و17 كانوا وبحق مسلحين عندما قتلهم الجنود، أم أنهم قاموا برشق الحجارة على سيارة عسكرية مدرعة. وسنعرف عدد المعتقلين ومكان اعتقالهم. وسنحصل على مصطلح أكثر دقة حول حجم الدمار الذي خلفه الجيش. ولكن عندها كل ذلك سيعتبر "أخبار الأمس" التي لا تعني الجمهور الإسرائيلي.
عن "هآرتس"
سموتريتش يدعو لتعزيز الاستيطان بالضفة عبر مشاريع الزراعة
29 ديسمبر 2024