هارتس : "رقصة الدماء" ستستمر بعد انسحاب الجيش من جنين

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

 

 



وصلت الحملة العسكرية في جنين، أول من أمس، نهايتها، حيث بدأت قوات الجيش في الساعة التاسعة مساء في الخروج من المدينة. سجل الجيش الإسرائيلي في الحملة نجاحاً عملياتياً معيناً، المس بالنشطاء الفلسطينيين المسلحين وتدمير مختبرات المتفجرات والعبوات الناسفة في المخيم. بشكل استثنائي نجح الجيش أيضا، حسب قوله، في تجنب قتل المدنيين غير المشاركين. مع ذلك، أثبتت أيام العملية أيضا قدرة الفلسطينيين على إخراج عمليات انتقام إلى حيز التنفيذ، منها عملية الطعن في بني براك وعملية الدهس والطعن في تل أبيب. رقصة الدماء هذه بعيدة عن الانتهاء، وهذه حقيقة لن تغيرها أي عملية عسكرية في القريب. كجزء من العملية دخل أكثر من ألف جندي إسرائيلي من لواء الكوماندو ومن وحدات أخرى إلى منطقة مأهولة ومكتظة في مخيم جنين. تنازل الجيش تقريبا مسبقا عن عامل المفاجأة. نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن خطة العمل في جنين في الأسابيع الأخيرة، وفي الأصل أثار التجمع الكبير نسبيا من القوات شكوك الفلسطينيين، لا سيما عندما كشف في الشبكات الاجتماعية. المفاجأة، لو أنها حصلت، تم تحقيقها بطريقة تفعيل القوات. أولا، تم استخدام الطائرات المسيرة لمهاجمة غرفة عمليات التنظيمات الفلسطينية، وهكذا تمت إصابة منظومة الدفاع في المخيم. ثانيا، انتشرت القوات في أرجاء المخيم بشكل لا يسمح بتحصن المسلحين في نقطة معينة.
أصيب مدنيون فلسطينيون أثناء تبادل إطلاق النار، ولكن حذر الجيش الإسرائيلي من سقوط عدد كبير من القتلى، وركز إطلاق النار على الخلايا المسلحة. الطلبات التي وصلت حتى الآن للاستيضاح من دول ومن مؤسسات أجنبية تتعلق بالأساس بالدمار الذي خلفته الجرافات الإسرائيلية في شوارع المخيم، والذي أضر بالبنى التحتية للكهرباء والمياه. قرار التدمير تم اتخاذه في المستوى الأعلى في الجيش الإسرائيلي، ولم يكن ارتجاليا. قبل أسبوعين، أثناء عملية اعتقالات سابقة في المخيم، تم تفجير عبوة ناسفة ضد سيارة عسكرية مدرعة لوحدة المستعربين في حرس الحدود. بسبب الانفجار تضررت السيارة بشكل كبير، وأصيب الجنود السبعة الذين كانوا فيها. وقد تبين بأن هذه العبوة تم زرعها عميقا تحت الشارع.
من قاموا بتشغيل العبوة كمنوا لقافلة السيارات المدرعة في الطريق إلى المخيم. وقد انتظروا في الطابق السفلي في مسجد قريب، ومن هناك شغلوا العبوة بوساطة سلك طوله 70 متر. وعندما تعطلت السيارة العسكرية على المفترق وجاءت قوات أخرى لمساعدتها تم إطلاق النار عليهم وتم تفجير عبوات ناسفة أخرى، وتضرر عدد من السيارات في هذه الحادثة.
كمين العبوات والقناصة قبل أسبوعين رجح الكفة لصالح قرار إجراء حملة واسعة نسبيا في جنين. فرقة "يهودا" و"السامرة" طرحت الفكرة في نيسان 2022 بعد فترة قصيرة على موجة العمليات في الضفة والتي تستمر حتى الآن. هذه الحملة لم يتم تنفيذها. ولكن الأحداث أملت في النهاية تغيير السياسة. في البداية، الكمين الذي كشف تحسنا مقلقا في قدرة التنظيمات في جنين على إنتاج وتشغيل العبوات الناسفة الثقيلة والفتاكة، وفي اليوم التالي عملية قتل اربعة مدنيين إسرائيليين في مستوطنة "عيلي"، التي زادت الضغط على الحكومة والجيش.
كانت في حوزة الجيش الإسرائيلي تحذيرات استخبارية من أن الفلسطينيين يخططون للمزيد من الكمائن بالعبوات الناسفة ضد القوات التي ستدخل إلى المخيم. لذلك فقد تقرر أن تقوم الجرافات بحفر مقاطع عميقة في الشوارع للكشف عن العبوات الناسفة وحماية حياة الجنود. النتيجة كانت تدميرا كبيرا للبنى التحتية. وربما ستضطر إسرائيل فيما بعد للمشاركة في إصلاح الأضرار. تأمل إسرائيل بأن يتم الترميم من قبل السلطة الفلسطينية، وبذلك تمكين السلطة من موطئ قدم في جنين.
في الحملة تم الكشف عن خمسة مختبرات للمتفجرات وتدميرها وتم تدمير مئات العبوات التي في معظمها هي عبوات صغيرة معدة للإلقاء. ولكن أيضا تم العثور على عبوات كبيرة.

هدوء بارز
سمح الجيش الإسرائيلي، ظهر أول من أمس، بدخول المراسلين إلى جنين بمرافقة الجيش. الأمر البارز في السفر الذي استغرق ساعتين في المدينة وعلى مدخل المخيم كان الهدوء. خلافا لعمليات سابقة في جنين على مر السنين لم نسمع أبدا صوت إطلاق النار باستثناء إطلاق النار من قبل جنود الجيش الإسرائيلي، ولم تتم مشاهدة أي أحد في الشوارع. تبين أن معظم أحداث إطلاق النار كانت في اليوم الأول للعملية. وحتى انتهائها استنتج المسلحون كما يبدو بأنه لا توجد لديهم أي إمكانية فعلية لمواجهة القوات الإسرائيلية التي احتلت مواقع داخل بيوت الفلسطينيين حول المخيم وداخله. الكتلة المحاطة بغلاف مساعد من التكنولوجيا والنيران والاستخبارات قلبت الموازين. تصرف المسلحون حسب قواعد حرب العصابات، وفي المكان الذي كان فيه ضعفهم واضحا فقد اختاروا عدم الاشتباك.
في اليوم الأول من القتال، قتل عشرة مسلحين. وقبل انتهاء اليوم، قام كثيرون آخرون بدفن البنادق في أماكن سرية وخرجوا من المخيم. قام الجيش باعتقال 30 مطلوبا، وقام بتوقيف العشرات من اجل التحقيق. ولكن في اليوم الثاني تقريبا لم تكن أي عمليات إطلاق للنار. وعندما بدأت القوات في الاستعداد للخروج كانت حادثة لتبادل إطلاق النار قتل فيها جندي إسرائيلي وهو الشاويش دافيد يهودا اسحق (23 سنة) من "بيت إيل". ظروف إطلاق النار لا تزال غير واضحة، ويتم فحص إمكانية أن الجندي من وحدة "اغوز" تم إطلاق النار عليه بالخطأ من قبل قوة أخرى أثناء تحركه للخروج من المخيم.
طوال فترة القتال فإن تفعيل النار الإسرائيلية كان محسوبا نسبيا. تحرك الجنود بالسيارات العسكرية المدرعة وسيرا على الأقدام. لم تدخل الدبابات وحاملات الجنود المدرعة إلى المخيم. في الأصل، بعد المعركة المشهورة التي سميت "الدرع الواقي" في 2002، عندما قام الفلسطينيون من جديد ببناء مركز المخيم الذي تم تدميره في المعارك بمساعدة دولية، فقد حرصوا على أن تكون الأزقة ضيقة نسبيا من اجل ألا يكون بالإمكان مرور ناقلات الجنود المدرعة فيها.
خلال المعارك في هذا الأسبوع، سمح الجيش الإسرائيلي بخروج آلاف المدنيين من المخيم نحو المدينة بشكل استثنائي مقارنة مع السابق. لم تثقل إسرائيل تقريبا على السكان المدنيين في هذه المرة. لم يتم فرض حصار على المدينة، وأول من أمس، خرج إلى العمل داخل الخط الأخضر آلاف العمال الفلسطينيين من سكان جنين. أيضا خروج العمال من قطاع غزة للعمل في إسرائيل استمر كالعادة. بعد منتصف الليل وقريبا من استكمال خروج الجيش من جنين تم إطلاق خمسة صواريخ من القطاع نحو غلاف غزة، جميعها تم اعتراضها. في سديروت تضرر بيت بسبب الشظايا، ولكن لم تقع إصابات.

لا يوجد أفق
في الأيام القريبة القادمة، ستكثر وسائل الإعلام من التحدث عن "عاصمة الإرهاب" جنين، التي كما يبدو تعرضت لضربة شديدة في الحملة الإسرائيلية. الوزراء وأعضاء الكنيست في الائتلاف يبالغون في الثناء على حكمة رئيس الحكومة نتنياهو الذي أمر بتنفيذ الحملة التي وصفها بأنها عملية غير مسبوقة تقريبا. أيضا سيفضل أعضاء المعارضة التساوق والسير في الخط ذاته وسيمطرون المديح على الجيش الإسرائيلي و"الشاباك".
كالعادة من الأفضل أخذ الأمور بشكل متناسب. بالنسبة لجهاز الأمن فإن الحديث يدور حتى الآن عن عملية ناجحة، لكنها لا تحمل في طياتها أي احتمالية حقيقية لتغيير جذري في الوضع في الضفة الغربية. في افضل الحالات توجد هنا إمكانية كامنة لتقليص مؤقت لـ"الإرهاب"، الذي مصدره جنين، وربما من خلال تحسين معين للردع الإسرائيلي في أماكن أخرى.
ما يمكن للجيش الإسرائيلي أن ينسبه لنفسه من نجاح هو المس الكبير نسبيا بالمواقع المرتبطة بالبنى التحتية المسلحة المحلية. في جنين يوجد وضع خاص جدا – عندما يبادر الفلسطينيون إلى الهجمات فإن كل منظمة (الجهاد الإسلامي، حماس، الجبهة الشعبية والذراع العسكرية في فتح) تعمل بشكل عام بشكل مستقل. الدفاع مشترك، وفي إطاره هناك جهود لتركيز قيادة وسيطرة مركزية، من خلال غرف عمليات مشتركة تابعة لكل التنظيمات. في هذه الغرف يتم استخدام أجهزة اتصال ووثائق، مربوطة بكاميرات موجودة على مداخل مخيم اللاجئين. ألحق الجيش الإسرائيلي الضرر بعدد من غرف العمليات هذه من خلال الهجوم من الجو. في الوقت ذاته تم تدمير مخازن للمواد المتفجرة وتم العثور على سلاح ووسائل قتالية.
احد الأهداف التي تريد الحملة في جنين تحقيقها هو إضعاف مكانتها كمدينة لجوء، يذهب إليها المطلوبون واحيانا زعران جنائيون من أرجاء الضفة، على فرض أنه يمكنهم الاختباء هناك من إسرائيل، وأن يكونوا بمأمن من اعتقالهم من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية. في السنتين الأخيرتين، استمرت التنظيمات في تحصين الدفاع في المخيم، حيث إن كل عملية إسرائيلية فيه تمت مواجهتها بالمقاومة المسلحة ومؤخرا أيضا بتفجير العبوات الناسفة.
تحول أي اعتقال في جنين إلى قصة على صيغة "بلاك هوك داون"، كما قال ضابط رفيع في الجيش. وبذلك أراد الإشارة إلى الشرك الذي سقطت فيه القوات الأميركية في مقديشو أثناء عملية تعقدت في التسعينيات وتم توثيقها في حينه في كتاب وفي فيلم. في نهاية الحملة الحالية، يريد الجيش الحفاظ على مستوى منخفض من المقاومة. وللمفارقة، حسب رأي الضباط فإن الطريقة الصحيحة لفعل ذلك هي التصميم على الاستمرار في عمليات الاعتقال بين حين وآخر، بشكل يوضح أنه لا يوجد مكان يخاف فيه الجيش من العمل.
في الجيش وفي "الشاباك" يأملون في أن تؤدي نهاية واضحة للعملية إلى خفض معين في "الإرهاب" من منطقة جنين وتقليل المقاومة أثناء عمليات دخول قادمة للجيش الإسرائيلي إلى المدينة والى مخيم اللاجئين. إضافة إلى ذلك فإن التفكير هو أن تآكل القدرة في جنين سيكون له تأثير رادع على القيام بعمليات تنظيم مشابهة، بدأت تظهر في مدن أخرى في الضفة الغربية، في البداية في نابلس وبعد ذلك في طولكرم وأريحا.
لكن الحقيقة البسيطة هي أن العملية السياسية مع الفلسطينيين توجد في حالة موت سريري منذ ولاية الحكومة السابقة. الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية فاقمت الوضع. لأنه إضافة إلى القطيعة المطلقة مع قيادة السلطة الفلسطينية، فإن لديها شهوة للاستيطان في أرجاء الضفة. مع مرور الوقت لن تكون تحركات الجيش الإسرائيلي كافية لتحقيق الهدوء. وفي ظل غياب أي أفق سياسي للفلسطينيين فإن العنف سيستمر.
وسيساهم عدم الاستقرار الداخلي في السلطة الفلسطينية في استمرار المواجهة العنيفة مع إسرائيل، وهكذا أيضا أعمال الشغب العنيفة للمستوطنين التي ازدادت بشكل كبير بعد العملية في "عيلي" قبل أسبوعين. من هذه الجهة فإن كل المواد القابلة للاشتعال ستبقى في الصورة حتى بعد انتهاء العملية في جنين.

عن "هآرتس"