اسرائيل اليوم : الأبعاد الأساسية للعملية العسكرية في جنين

جرشون هكوهين.jpg
حجم الخط

بقلم: غرشون هكوهين

 

 



يمكن لنا أن نجمل الحملة الناجحة في جنين بثلاثة أبعاد: البعد المادي – التكتيكي، والبعد المنظوماتي، والبعد الاستراتيجي.
في البعد التكتيكي، كما تعرض المعطيات الكمية، يتلخص إنجاز التصفية الناجعة لعناصر من البنية التحتية، التي جعلت مخيم اللاجئين جنين قلعة" إرهاب" منظمة للقتال. بين العناصر المركزية – غرفة حربية في قلب المخيم بنيت للتحكم المركزي في تفعيل مئات "المخربين" من عموم المنظمات، وتعطيل العبوات الناسفة في المحاور، ومخازن السلاح المخفية، وتصفية مختبرات المتفجرات، واقتلاع شبكة الكاميرات، وقتل "مخربين".
في كل نقاط اللقاء في القتال مع "المخربين" أظهر مقاتلو الجيش تفوقاً عملياتياً أتاح لهم حركة آمنة بين بيوت مخيم اللاجئين للعثور على شقق "المخربين" ومخازن السلاح وتعطيلها. معنى هذا الإنجاز واضح للغاية أيضا لباقي تنظيمات "المخربين" مثلما في نابلس.
في البعد المنظوماتي نجحت قيادة المنطقة الوسطى وفرقة "المناطق" بمشاركة هيئة الأركان، في بلورة وتنفيذ طريقة عمل ذات صلة برد خاص على تعقيدات الاضطرارات والقيود في المنطقة. في المنطق الذي وجه بلورة شكل العمل في هذه الحملة كان المخططون مطالبين بخلق نقطة توازن بين ضرورة التواجد القوي والفتاك بقوة كبيرة، مسنودة بمساعدة جوية، وبين التطلع إلى الامتناع قدر الإمكان عن المس بالمواطنين غير المشاركين وعن التدمير الزائد للبنى التحتية.
في نظرة مهنية شاملة يمكن مثلا تشبيه نتائج الحملة بنتائج قتال الجيش الأميركي في مدينة الفالوجة في العراق في نيسان 2004. هناك قاتلت على مدى أشهر فرقة مارينز بمساعدة جوية واسعة، وخلفت مدينة مدمرة وكمية كبيرة من المواطنين المصابين من غير المشاركين.
في البعد الاستراتيجي منح سير الحملة من بدايتها حتى نهايتها حكومة إسرائيل الثقة بأن لديها قدرة مناسبة ومتوازنة على عملية عسكرية واسعة لمنع انتظام "المخربين" على الشكل الغزي، في عمق المدن ومخيمات اللاجئين في "المناطق".
هكذا عملت أيضا التجربة الإيجابية للمظليين في عمليات الرد – بثقة منحت بن غوريون الجرأة على الشروع في حملة سيناء. من هذا الجانب، فإن حملة "بيت وحديقة" يمكنها أن ترسم لحكومة إسرائيل مسار قدرات عملياتية يمكن أن يخفف عنها اتخاذ القرارات في حملات مشابهة لاحقا.
لا يخطئ أحد في القيادة الإسرائيلية متوهما بأن هذه الحملة بحد ذاتها ستؤدي إلى هزيمة "الإرهاب". لكن يوجد فيها اختراق للطريق نحو انعطافة منظوماتية في مسار تصدي جهاز الأمن لتعاظم قوة "الإرهاب".
في الحديث عن الحملة كرر محللون كثيرون الإشارة إلى أنه في هذه الأثناء، مع كل إنجازاتها، لا يدور الحديث إلا عن إنجاز تكتيكي ينتظر أفقا سياسيا. هذه الأحاديث تتنكر بقدر كبير للمعنى السياسي لـ "الإرهاب" المتجدد في السنة الأخيرة في أرجاء "المناطق". فتعاظم "الإرهاب"، مع وفرة السلاح المهرب من الأردن، هو الذي يدل على القيود الأساس التي يفترض بدولة إسرائيل أن تفرضها على كل مسار ممكن لأفق سياسي يملى عليها من الأسرة الدولية.
أصر على هذه القيود رئيس الوزراء إسحق رابين بمطالبته بشروط أمنية لحماية الدولة، بينها تواجد إسرائيلي دائم في غور الأردن "بمعناه الواسع". إمكانية "الإرهاب" المتشكلة من جديد في التجمعات الفلسطينية في "المناطق" تملي على إسرائيل مسار الأفق السياسي المحتمل لها وفيه مطالبة لا هوادة فيها بحيازة دائمة لمناطق ج حيث توجد كل منشآت الجيش الإسرائيلي وكل الاستيطان الإسرائيلي.
في هذا الجانب، ثمة في منطق الحملة الأخيرة ما يحدد لدولة إسرائيل الشروط الإقليمية اللازمة الأساس لمواصلة وجودها في المنطقة.

عن "إسرائيل اليوم"