قبيل انتهاء العملية العسكرية، التي استغرقت يومين في جنين، جاء الشخص الذي صادق عليها من أجل جني المكاسب السياسية الضئيلة التي ظهرت من العملية. في ظهيرة الثلاثاء الماضي، ذهب بنيامين نتنياهو إلى الميدان، أي حاجز سالم في شمال جنين. كان الهدف التقاط الصور. وصل رئيس الحكومة إلى الحاجز بمرافقة وزير الدفاع، يوآف غالنت، وطاقم تحدث بلسان مكتبه كالعادة في الفترة الأخيرة – مراسل القناة التلفزيونية الداخلية، والقناة "14".
التقط نتنياهو صورة على خلفية الموقع العسكري القريب، وأطلق وابلاً من الشعارات المعهودة عن الجنود الشجعان وعن البنى "الإرهابية" الكثيرة التي تم تدميرها في العملية، وعن الأعداء الذين سيتعلمون بالتأكيد كيفية الحذر أكثر بأضعاف من الآن فصاعداً. بعد فترة قصيرة كانت الحاشية في طريق العودة إلى القدس لاستقبال رئيس ليبيريا، لاعب كرة القدم السابق، جورج واها. بعد مرور ثلاث ساعات، عندما بدأت القوات تنسحب من جنين قتل جندي في وحدة أغوز، الشاويش دافيد يهودا إسحق، من مستوطنة "بيت إيل". وقد تم فحص الشك بأن الجندي أطلقت عليه النار بالخطأ من قوة أخرى في الوحدة. تفسير ذلك يجب أن يقدمه الضباط الكبار في الجيش الإسرائيلي. بالنسبة للسياسيين انتهت القصة.
هذا في الحقيقة ما يحدث في العالم. لا يوجد أي قرار عن عملية عسكرية منفصل كلياً عما يحدث على الصعيد السياسي. أرئيل شارون كرئيس للحكومة انتظر سنة تقريباً إلى أن قام بتجنيد الدعم الكافي من الجمهور، حسب شعوره، وانطلق في ربيع 2002 إلى عملية "الدرع الواقي" في الضفة الغربية. بعد أربع سنوات انطلقت حكومة أولمرت لشن العملية الأخيرة والبائسة، حرب لبنان الثانية، في محاولة للسيطرة على كل المنطقة التي تقع جنوب نهر الليطاني، حيث كانت في الخلفية استطلاعات تظهر التدهور الشديد في تقدير الجمهور لأداء الحكومة. في إسرائيل قُتل الجنود أكثر من مرة في عمليات لاعتبارات غير رسمية تماماً. أيضا الجيش ليس دائماً موضوعياً في اعتباراته. أي قرار مركزي يتم اتخاذه في المستويات العليا في هيئة الأركان يأخذ في الحسبان أيضاً مسألة الصورة والمكانة الجماهيرية.
حتى الآن فإن الاستخدام السياسي للجيش الإسرائيلي يبدو في هذه المرة بارزاً، حتى مقارنة مع ما حدث في السابق. "الشاباك" وبعد ذلك قيادة الجيش قاموا بتغيير مواقفهم، مؤخراً، وأيدوا اقتحاماً عسكرياً أوسع في جنين بدلاً من عمليات الاعتقال المتواترة، لكن المحدودة في حجمها. ولكن يبدو أن الدافع الأساسي لقرار نتنياهو وغالنت، الذي لم يمر أيضاً في هذه المرة عبر الكابينيت، كان الضغط الذي استخدمه المستوطنون على الحكومة في الفترة الأخيرة، على خلفية تدهور الوضع الأمني في شوارع الضفة. بالمناسبة، لا يوجد أي يقين بأن العملية في جنين ستحل هذه المشكلة. تحدث معظم عمليات إطلاق النار على الشوارع التي تخدم الإسرائيليين بشكل أكبر في منطقة نابلس ورام الله. بعد ظهر أول من أمس، كانت عملية إطلاق نار أخرى عندما قام فلسطيني بإطلاق النار وقتل الشاويش شيلا يوسف أمير، وهو مقاتل في "جفعاتي" قرب مستوطنة "كدوميم" في غرب نابلس. من أطلق النار هو أحد أعضاء "حماس"، وقد تم إطلاق النار عليه، وقُتل بعد مطاردته من قبل قوة تابعة للجيش الإسرائيلي ومركز المستوطنة.
التمثيل الواسع للمستوطنين ومصالحهم على طاولة الحكومة ساهمت في تأثيرهم. نتنياهو أيضاً لم يكن باستطاعته السماح لنفسه بمواصلة إظهار الضعف أمام "الإرهاب" على خلفية انتقاداته للحكومة السابقة. في مشاعر الاستخفاف هذه ساهم أيضاً النقاش الغبي إلى درجة الرعب في الشبكات الاجتماعية حول العملية، ليس لأن وسائل الإعلام الممأسسة تميزت بذلك. فقد كان هناك مذيعون ومؤثرون توسلوا للجيش الإسرائيلي كي ينتصر. أي أن يستمر في ضرب جنين دون أن يكلفوا أنفسهم عناء زيارة المكان. آخرون بالتحديد ذهبوا إلى المخيم برعاية الجيش، لكنهم قاموا ببث تقارير هجومية ومضللة.
أثناء العملية قام أعضاء كنيست من قائمة "شاس"، التي لم يحمل معظم الأعضاء فيها السلاح يوماً، بتنظيم قراءة فصل في التوراة من أجل نجاح الجنود. وفي الكنيست لم تتوقف جهود سن قوانين الانقلاب النظامي للائتلاف لحظة. في حين أن جهات رفيعة في قيادة المستوطنين دفعت نحو العملية، وكان هناك كما يبدو من نشروا الشائعات بشكل كبير عن قرار تنفيذ العملية. حدث هذا، مساء الأحد الماضي، قبل بضع ساعات على تحرك القوات نحو المخيم. في الجيش الإسرائيلي غضبوا، بل إنهم فحصوا تأجيل العملية، لكن في نهاية المطاف تقرر عدم التنازل رغم فقدان أفضلية المفاجأة.
الثلاثاء الماضي، أثناء السفر في جنين مررنا في الميدان القريب من الموقع الذي بجانبه بعد ساعتين التقط نتنياهو وغالنت الصور، بعيداً عن الأسئلة المحرجة للمراسلين. استغرق الأمر دقيقة أو دقيقتين لتذكر لماذا هذا المكان منقوش في الذاكرة، رغم أنه مرت أكثر من عشرين سنة. هنا، في إحدى الأمسيات في منتصف نيسان 2002، وقف قائد المنطقة الوسطى في حينه، إسحق إيتان، وأجاب بصبر عن أسئلة صعبة أمطرها عليه مراسلون من إسرائيل ومن الخارج. كان هذا في نهاية اليوم الأقسى لعملية "السور الواقي". في ذاك الصباح قتل 13 جندي احتياط بسبب كمين قاتل من العبوات الناسفة وإطلاق النار في المكان الذي سمي فيما بعد "حوض الاستحمام"، نوع من الساحة الداخلية التي تمت السيطرة عليها بنار المسلحين الفلسطينيين. طوال اليوم انتشرت في أرجاء البلاد شائعات عبثية وهستيرية عن موت شخصيات رفيعة إسرائيلية وعن خسائر فادحة، حتى أكثر مما تبين في نهاية المطاف أنه حدث.
في المساء عندما تمت معرفة التفاصيل وقف إيتان هناك وحده. لم يتطوع أي سياسي، من الذين استولوا على الأضواء عندما سجل الجيش نجاحه العملياتي، لمرافقته في زمن الفشل. في نهاية المطاف ربما لم يتغير الكثير منذ ذلك الحين.
عن "هآرتس"