الشعب الفلسطينيّ: لم يتحرّر ولن ينكسر!

حجم الخط

بقلم عماد الدين اديب

قال لي الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في آخر حوار له وهو محاصَر في المقاطعة قبيل وفاته بأسابيع: "إسرائيل قد تكون واحدة من أقوى عشر قوى عسكرية في العالم، وقد تمتلك أكثر من 40 رأساً نووياً تكتيكياً، وقد تكون من يدير بالريموت كونترول البيت الأبيض في كلّ العهود، لكنّها لا تستطيع أبداً أن تدمّر إرادة الشعب الفلسطيني".
كان الأخ الحبيب مروان البرغوتي، فكّ الله أسره الطويل، يقول لي: "بالقوة المادّية لسنا الأقوى، لكن بإرادة الدفاع عن البقاء نحن لا ننكسر".
وأذكر في آخر لقاء لي معه في محلّ شعبي لصناعة الفطائر والبيتزا ذات المذاق الفلسطيني أنّه قال لي: "الشعب الفلسطيني لا ينكسر، وأمّا السلطة والفصائل فلا أمل فيهم".
ما حدث في معسكر "جنين" أعاد إلى ذاكرتي هذا الشريط من الذكريات عن حال السلطة، الشعب والفصائل.
هذا المثلّث الفلسطيني شديد الإيلام لأنّه يعكس "ثلاثية العدميّة الفلسطينية".
أرادت إسرائيل أن تكسر مقاومة الفصائل بعدما قامت بتجميد أيّ إمكانية لأيّ حوار يؤدّي إلى مفاوضات تفضي إلى تسوية سياسية على أساس مشروع الدولتين.
وبدلاً من أن يكون مشروع السلام هو مشروع فوز أيّ ائتلاف حاكم (إسحق رابين – إيهود باراك وحتى إيهود أولمرت)، أصبح مشروع "قتل ما بقي من مشروع السلام" هو مشروعية بقاء تحالف "بنيامين نتانياهو – إيتمار بن غفير " أو تحالف الليكود مع اليمين الديني المتطرّف.

"إبادة" الفلسطينيين سياسياً وجسدياً
حتى يتمّ تنفيذ مشروع إسرائيل التوراتية القائم على نقاء "الجنس" اليهودي الذي يسعى إلى التخلّص من مواطني الحزام الأخضر غير اليهود، أي الفلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية، كان لا بدّ من فعل 3 أشياء:
1- إحداث شلل في السلطة الفلسطينية بالحصار الاقتصادي، وتجميد دفع الضرائب المستحقّة، وقتل مشروع الدولتين.
2- تسويق فكرة عدم وجود شريك فلسطيني قادر على التسوية.
3- التوسّع المجنون في سياسة الاستيطان وضمّ الأراضي.
الغباء الإسرائيلي، على الرغم من اختراقات الشين بيت والموساد والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، هو الفهم المغلوط لطبيعة قانون "الفعل وردّ الفعل" الفلسطيني.
كان الزعيم الفلسطيني التاريخي جورج حبش يقول لزائريه، وكنت أحدهم، أثناء إقامته في دمشق: "كلّ مواطن فلسطيني، كلّ أمّ فلسطينية، كلّ طفل فلسطيني، هو حزب مستقلّ بذاته، وإن لم يقتنع بأنّ وطنه سيعود إليه فسوف يكون بحدّ ذاته قنبلة موقوتة".
وكما أنّ الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد الباقي الذي يعاني من احتلال استيطاني، فهو أيضاً شعب لا يقبل بالتسوية، أيّ تسوية، عبر محاولة كسر العظام بهدف كسر الإرادة.
هذا ليس شعراً أو محسّنات بلاغية أو عبارات عنترية تتجاهل موازين القوى المادّية الملموسة والرقمية المتعارف عليها.

ثلاثية يستحيل كسرها
ثلاثيّة المأساة الفلسطينية هي أنّ السلطة تواجه إسرائيل بالبيانات، والفصائل تواجه إسرائيل بعمليات هي جزء من الصراع الإقليمي، وأمّا الشعب الذي فقد الثقة بالسلطة والفصائل على حدّ سواء فإنّه يواجه إسرائيل بالرفض والعصيان والإضراب والطعن بالسكاكين والدهس بالسيارات.
يمثّل معسكر جنين نموذجاً لاستحالة كسر المواطن الفلسطيني البسيط الذي تساوت عنده قيمة الحياة مع احتمال الموت وخطره.
قالت لي امرأة مقدسيّة طاعنة في السنّ تبيع الخضراوات في أزقّة القدس: "ليس عندي شيء أخسره، فالموت والحياة عندي سيّان".
حينما يصبح خيارك هو المفاضلة بين موت تحت الذلّ وموت بكرامة يرفض الذلّ، فالخيار واضح.
ثقافة الموت التي نحاربها ليل نهار اشتركت إسرائيل والسلطة والفصائل في جعلها الخيار الوحيد المتاح أمام المواطن الفلسطيني.
معركة "جنين" هي نموذج مصغّر لهذه المأساة.
أُسّس هذا المعسكر عام 1953 على مساحة 42 كلم على أطراف بلدة جنين.
يعيش في المعسكر 16 ألفاً من النازحين واللاجئين.
تعرّض هذا المعسكر عام 2002 لمجزرة وقتال ضارٍ تأثّرت به 425 عائلة.
وكما في 2002 حدث الشيء نفسه ووقف العالم يندّد ويشجب العمليات الإسرائيلية القذرة.
التأمّل الدقيق للتركيبة الديمغرافية لسكّان هذا المعسكر يشي بدلالات مهمّة للغاية.
40% من سكّان المعسكر تحت سنّ الـ14 سنة، و30% من 15 سنة حتى 34 سنة، والبقيّة من 25 سنة حتى 80 سنة.
على الرغم من القتل والاعتقال وتدمير المنازل فإنّ كلّ محاولات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لم تنجح في رصد أو إيقاف ردّ فعل هؤلاء الشبّان أو كسر إرادة هؤلاء السكّان.
باختصار نحن أمام معادلة مذهلة لا مثيل لها في الصراعات العالمية المعاصرة:
1- استحالة أن يقبل الائتلاف الحاكم في إسرائيل مبدأَ التعايش مع الفلسطينيين في دولة واحدة أو دولتين.
2- استحالة نجاح السلطة الفلسطينية التي شاخت وقتلتها المكاسب الشخصية ونخر في جسدها الفساد.