عندما قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، إن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مجرم حرب فقد قصد ذلك. وعندما قال بايدن، إن رئيس الصين، شي جين بينغ، ديكتاتور فقد قصد ذلك. وعندما سئل عند نزوله من الطائرة قبل شهرين إذا كان ينوي دعوة رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، للزيارة وأجاب على الفور وبشكل قاطع "لا"، فقد كان يقصد ذلك. وحقيقة أن عددا من المتحدثين والمستشارين الذين يعملون في البيت الأبيض قد حاولوا تخفيف أقواله، وأوضحوا ما الذي قصده الرئيس بالضبط، هي حقيقة عديمة الجدوى. جو بايدن عضو في مجلس الشيوخ منذ العام 1973، وهي السنة التي كان فيها معظم المتمرسين في الصياغة أطفالا أو لم يولدوا بعد. بايدن، بجلاله منذ 1973، يقول بالضبط ما يفكر به. وهكذا أيضا كانت أقواله عن إسرائيل وعن نتنياهو في المقابلة مع "سي.ان.ان". عندما يقول بايدن، "حكومة متطرفة" فهو يقصد ذلك بالضبط. وعندما يوضح بأن الرئيس هرتسوغ بالتحديد سيزور واشنطن فهو يقصد ذلك بالضبط.
قبل تحليل كل جملة وكل كلمة للرئيس الأميركي بايدن عن إسرائيل إلى عناصرها الأولية، وقبل تحليل النوايا واستخلاص الدروس، من الحيوي تذكر شيء واحد أساسي وهو أنه في هذه المرحلة من رئاسته وعلى خلفية الحرب في أوكرانيا وعشية ذهابه إلى قمة "الناتو" والدخول إلى سنة انتخابات في 2024، فإن إسرائيل لا تعنيه، ونتنياهو يعنيه بدرجة اقل. ما تريده الإدارة الأميركية اكثر من أي شيء آخر هو عدم ظهور إسرائيل على الإطلاق، والاختفاء عن شاشة "الإحاطة اليومية للرئيس" (بي.دي.بي)، وهي الإحاطة الاستخبارية – الاستراتيجية التي يحصل عليها الرئيس في كل صباح من ممثل هيئة الاستخبارات القومية والتي تشمل معلومات وتقديرات لـ 16 وكالة مخابرات في الولايات المتحدة.
منذ شباط 2022 فإن الإحاطة اليومية تنشغل بالكامل بأوكرانيا وروسيا والصين. وقد مرت اكثر من سنة، ومنذ كانون الثاني 2023 فإن إسرائيل ظهرت مرة أخرى في الإحاطة. وفي موازاة ذلك أيضا على الصفحات الأولى لـ"واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" و"فورين بوليسي" و"الإيكونوميست" و"اتلانتيك" و"بوليتيكو" وجميع قنوات التلفزة وكل القراءات الإلزامية في البيت الأبيض في كل صباح. بالنسبة لبايدن هذا سخط سياسي، وحرف غير مرغوب فيه للأنظار، وتحويل موارد السياسة الخارجية إلى ما بعد المدى القصير، أي أوكرانيا وروسيا، والى ما بعد المدى المتوسط والبعيد، أي الصين وحوض المحيط الهندي والمحيط الهادئ.
يعتبر جو بايدن نتنياهو مكرهة وإزعاجاً. ورئيس الحكومة لديه عجز ثقة متراكم في واشنطن الديمقراطية، وفي الإدارة الأميركية وفي الكونغرس. بايدن، الذي كان نائب الرئيس الأسبق باراك أوباما في الأعوام 2009 – 2017، لم ينس لنتنياهو زيارته في إسرائيل في 2010، التي رافقها الإعلان عن توسيع المستوطنات وليس الخطاب الذي قام بإلقائه في الكونغرس – عرض عديم الجدوى قام به نتنياهو من وراء ظهر البيت الأبيض في 2015 من اجل المس بالاتفاق النووي مع ايران وبسياسة الرئيس.
سنة 1973 ليست السنة الأولى التي بدأ فيها جو بايدن عمله كسناتور، بعد الانتخابات في تشرين الثاني 1972، التي يتم تذكرها بالأساس بسبب قضية ووترغيت. هذه هي "سنة الصفر" في علاقته وصداقته الحميمة مع إسرائيل، وهو يهتم بأن يذكرها في كل مناسبة لأنه التقى فيها كل رؤساء حكومات إسرائيل منذ غولدا مئير. هذا ليس إرثا عسكريا أو مسودة لسيرته الذاتية، بل منظور سياسي – تاريخي. عندما يقول بايدن لفريد زكريا، من "سي.ان.ان"، إن بعض الوزراء في حكومة نتنياهو هم متطرفون جدا ولم يكن مثلهم في أي يوم فهو يقصد ذلك وهذا يؤثر على نتنياهو.
في إسرائيل في الستة أشهر الأخيرة، يوجد تضخم واستخدام كبير لمفهوم "غير مسبوق". يبدو أن بايدن لم يقل أمورا غير مسبوقة، لأنه قال أمورا تشبه ما نشرته "نيويورك تايمز" وفي المقال الذي كتبه هو نفسه. أقوال اكثر خطورة منها قالها الرئيس جورج بوش والرئيس بيل كلينتون والرئيس باراك أوباما. ولكن أقوالهم قيلت في غرف مغلقة وتم تسريبها. يتحدث بايدن بشكل مباشر وبصراحة، وبتهذيب نسبي يعبر عن موقفه من نتنياهو ومن الائتلاف الذي شكله. والأكثر خطورة هو أن بايدن قد امتنع عن دعوة نتنياهو لزيارة البيت الأبيض منذ تشكيل حكومته قبل ستة اشهر. هذا وبحق أمر غير مسبوق، على الأقل منذ كان ليفي أشكول رئيسا لحكومة إسرائيل.
هناك قانون الأواني المستطرقة بين الانقلاب النظامي والهجوم على الديمقراطية وبين سياسة حكومة نتنياهو في "المناطق". لا يوجد لبايدن أوهام حول الإمكانية الآنية لـ"نموذج الدولتين"، هو لا يريد التوسط ولا يبشر بخطة سلام ولا يبالغ في أهمية أو إلحاحية تحسين العلاقات بين إسرائيل والسعودية. يريد بايدن التركيز على روسيا. فهناك سيكون ارثه التاريخي. وإقامة بنية تحتية سياسية، اقتصادية وعسكرية، وبنية تحتية من التحالفات كرد على التحدي الذي تضعه الصين. هو لا يهتم ولا يريد الانشغال بـ"حومش" أو ذريعة المعقولية. هو يريد من إسرائيل التصرف كحليفة تعتمد على منظومة "قيم مشتركة". ويفعل نتنياهو كل ما في استطاعته لإقناعه بأن هذا ليس هو الوضع.
عن "هآرتس"