يديعوت : المستوطنات والانقلاب النظامي وراء كراهية بايدن لحكومة نتنياهو

ناحوم-برنياع.jpeg
حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع

 

 


يميل الرئيس الأميركي، جو بايدن، ليفقد التركيز في بعض من مقابلاته الصحافية. يصعب على الناس أحياناً أن يقرروا هل قصد ما قال أم أفلت الكلام منه. في مقابلة منحها، أول من أمس، للصحافي الكبير من الـ "سي إن إن"، فريد زكريا، كان مركزاًَ تماماً. ما قاله عن حكومة إسرائيل كان قاسياً. في بعض جمل ثاقبة أشار إلى مكان الحكومة الحالية في التاريخ، كما دفن حلم التطبيع مع السعودية، وزيارة نتنياهو إلى البيت الأبيض.
لشدة الأسف، كان دقيقاً، حين قال: إن هذه هي الحكومة الأكثر تطرفاً منذ حكومة غولدا مائير، كان يقصد موقف الحكومة من "المناطق" وسكانها الفلسطينيين. فقد وعد نتنياهو الأميركيين في مؤتمر العقبة بالامتناع عن إقامة مستوطنات جديدة، والمساعدة في ترميم السلطة الفلسطينية. أما عملياً فقد فعل العكس. وهذا ما يغيظ بايدن.
لا يتوقف النفور من المستوطنات فقط. فقوانين الانقلاب النظامي وضعت حكومة نتنياهو في المكان الأكثر كرهاً عند بايدن والحزب الديمقراطي: في الحلف بين الديمقراطيات الجدد في وسط أوروبا، ميليشيات التفوق الأبيض في أميركا، ودونالد ترامب. فالجراح لم تعد جراح حب؛ فهي تنزف.
أصبح نتنياهو شخصية غير مرغوب فيها في واشنطن. ما بدأ كحساب من الماضي على ما فعله قبل سنين بأوباما وبايدن نفسه على سجوده للجناح الأكثر تطرفاً في الحزب الجمهوري، تحول ضغينة على الحاضر، نتيجة قرار السماح لسموتريتش بأن يقيم مستوطنات في كل مكان، ونتيجة التصريحات غير المسؤولة لوزراء الحكومة، بينهم وزير الخارجية، إيلي كوهين.
أقوال بايدن ينبغي أن ترى ليس طلقة وحيدة، وتعبيراً عن إحباط لحظي، بل هي جزء من مسيرة. الحزب الديمقراطي يتحرر من التزاماته التاريخية تجاه إسرائيل. بايدن، الذي قاتل في الماضي ضد هذه المسيرة، يرفع يديه. قصة القيم المشتركة لم تعد ذات صلة. توجد مصالح أمنية، وبهذا، إلى هذا الحد أو ذاك، تتلخص قصة الحب.
اشتكى هنري كيسنجر ذات مرة من أن ليس لإسرائيل سياسة خارجية – فقط سياسة داخلية تندفع إلى الخارج. تؤكد حكومة نتنياهو الحالية شكوى كيسنجر على الملأ: فهي تستوطن وتشرّع وتركل وكأنه لا يوجد عالم. يحتمل أن يكون نتنياهو ضم السموتريتشيين والبن غفيريين إلى حكومته لأنه لم يكن له مفر، لكن لماذا ينمي ويرفع أيضاً الفينيين والأمسلّميين، الديستليين، القرعيين، المايغولانيين؟ لماذا ينجر وراءهم؟
قبل بضعة أيام التقى نتنياهو مع ضيف خارجي، معرفة قديمة له. سأله الضيف عن بن غفير، انتقل نتنياهو إلى نبرة اعتذارية، النبرة المحفوظة لديه للمعارف القدماء. "اعتقدت أنه بعد أن يتلقى مسؤولية وزير في الحكومة سيتغيّر"، قال. "أخطأت". لكن الخطأ في تقدير السلوك الوزاري لبن غفير وسموتريتش بالتأكيد كان خطأه. فالقوة الهائلة التي أعطاها لهما، واحد كوزير مالية زائد ثلث وزير دفاع والآخر كوزير أمن قومي، لم تنقلهما من الهوامش إلى الوسط، بل نقلت الوسط إلى الهوامش.
جسدت جلسة الحكومة، أول من أمس، للجميع حجوم التدهور. تبدأ بما هو شرعي، في نظري على الأقل. القرار بدعوة بحث في الحكومة تظاهرات حركة الاحتجاج شرعي. الادعاء بأن الحديث يدور عن تضارب مصالح – الوزراء لا يمكنهم أن يبحثوا في تظاهرات موجهة ضدهم – مصاب بالازدواجية. فالأزمة الحالية واسعة جداً، وشاملة جداً، حيث إن كل من يعنى بها مشبوه بتضارب المصالح. مشبوهة المحكمة العليا التي تكافح في سبيل قوتها. مشبوهة قيادة وزارة العدل، التي تكافح في سبيل وجودها، مشبوهون مستحدثو التكنولوجيا العليا الذين يكافحون في سبيل أعمالهم التجارية، ومشبوهون الوزراء، كل وزير ومصالحه.
من الشرعي عقد بحث ودعوة المستشارة القانونية للحكومة والنائب العام للدولة إليه؛ ومن المشروع دعوة المفتش العام ورؤساء الأقسام في الشرطة. من المشروع أن تعرض عليهم أسئلة حول خروقات النظام في الحاضر وفي الماضي ومطالبتهم بأجوبة. ومن غير المشروع سبّهم وشتمهم وتهديدهم بالتنحية. الحكومة يمكنها أن تنحي مستشاراً قانونياً للحكومة: هكذا تصرفت مع إسحق زمير في قضية خط 300، ويمكنها أن تنحي مفتشاً عاماً: هكذا تصرفت مع هرتسل شبير في قضية ملف أفرسيك. لكنها لا يمكنها أن تجعل جلسة حكومة محكمة استعراضية على نمط محاكم ستالين. لم نصل بعد إلى هناك.
ليس فقط قسم كبير من الجمهور الإسرائيلي ينظر إلى تدهور الحكم في إسرائيل بخوف. في عواصم العالم أيضاً يرون المشاهد ويسمعون الأصوات. انظروا، فقد حُذّرنا.

عن "يديعوت"