بقلم م. زهير الشاعر
لاشك بأن هناك حراكاً جدياً يتم بخصوص كيفية الوصول إلى نقطة التوافق حول تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية وذلك على عدة محاور بدأتها العاصمة القطرية الدوحة ومن ثم العاصمة التركية أنقرة والأن دخلت على الخط بعد أن كانت تراقب بإهتمام بالغ، العاصمة المصرية القاهرة ، وهذا يدل على أنه أصبح هناك ضرورة ملحة إقليمياً لمواجهة التحديات التي تعصف بالمنطقة من خلال الصراعات التي بدأت تنهكها وتؤثر بشكل كبير على إستقرارها، وخوفاُ من أن يحصل أي طارئ في المشهد الفلسطيني قد يؤدي إلى إشتعال أخر غير محسوب، لذلك كان لابد من حراكٍ إقليميٍ سريع تصاحبه ضغوطات للدفع بإتجاه الوصول إلى حل لهذه المعضلة في ظل وجود ضوء أخضر من جميع الأطرف المؤثرة للوصول إلى نقطة الإلتقاء ضمن متطلبات الإقليم وحاجته لإحتواء شرارات الصراع التي بدأت تظهر والتي قد تؤدي إلى المزيد من المواجهات وذلك قبل أن تكثر وتخرج عن السيطرة!.
لذلك في تقديري، أن حرص الرئيس محمود عباس على إرسال وفد حركة فتح المكون من عضوي اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد وصخر بسيسو إلى القاهرة قبل ذهابهم إلى الدوحة هو بمثابة التأكيد على نيل الضوء الأخضر من القاهرة للمضي قدماً في هذا السياق للوصول إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية من جهة وللتأكيد أيضاً على ثقل القاهرة ودورها الأساسي في الملف الفلسطيني.
كما أن ذهاب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح دكتور ناصر القدوة إلى غزة للمرة الأولى منذ الإنقسام بصحبة الرئيس السابق للسلطة الفلسطينية روحي فتوح، في تقديري أنه ليس من باب النزهة على شاطئ بحر غزة الجميل أو من باب الزيارة فقط ، ولكنه يصب في سياق حراكٍ موازٍ لتذليل أي عقبات قد تواجه ما يتأمله الجميع من أن يصدر عن حوارات الدوحة والإستعداد لإحتوائها وتطويقها وذلك لضمان نجاح هذه الحوارات.
من الواضح أيضاً أن الجميع بات يدرك جيداً أن توقف المفاوضات وزيادة البناء في المستوطنات في الضفة الغربية والتحديات الناجمة عن الهبة الجماهيرة هي عوامل خلقت مأزقاً سياسياً في الساحة أضعف موقف القيادة الفسطينية التي أصبحت تواجه غضباً شعبياً علنياً ومتزايداً نتيجة الفساد والقمع ومصادرة حرية الرأي، كما أنه لا يمكن إغفال حقيقة أنها بدأت تواجه تحديات الصراع حول وراثة الرئيس محمود عباس الذي يتجاوز الثمانين من عمره في حال حصول أي طارئ قد يؤدي إلى غيابه.
أيضاً لا يمكن إغفال تعالي الأصوات الدولية التي بدأت تتحدث بصراحة ووضوح وجرأة أكثر من الماضي عن ضرورة وضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني في سياق التحديات التي تواجه المنطقة وإستشعاراً بالمخاطر التي تحيق بها ورغبة بإحتواء أي غضب متزايد قد تتسع رقعته ويخرج عن السيطرة ويزيد الأمور تعقيداً، مما يجعل هناك ضرورة لوحدة بين أصحاب الشأن لإستغلال هذا التطور في الموقف الدولي والإقليمي حتى يجلبوا المزيد من التعاطف لصالح قضيتهم بعد فقدان الزخم الذي كانت تتمتع به.
هذا يعني أن الحراك القائم ليس حراكاً فلسطينياً فحسب بل هو حراك إقليمي بموافقة دولية لمواجهة تحديات مأزق سياسي يعصف بالمنطقة ووضع إقليمي معقد يتم رسم تحالفاته من جديد في سياق متطلبات المصالح القائمة والتهديدات التي تواجهها، ولكي ينجح ذلك ، أصبح هناك حاجة إلى تهدئة بؤر مركزية متوترة في المنطقة خاصة فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي له تأثيراته الإيجابية والسلبية حسب المد والجزر في حال الإستقرار والهدوء والتوتر على صعيد هذا الملف المأزوم بشكل مستمر.
أخيراً، في تقديري أنه من المعطيات السابقة، لابد من التفاؤل حول إمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية إقترب موعد ولادتها ولكنها هي بحاجة إلى تحديد أليات عملها وإختيار أدواتها التي من المفترض أن تكون خالية من أي أسماء تعيق فتح أبواب المجتمع الدولي أمامها ، خاصة في ظل المعلومات التي باتت تتحدث بوضوح عن قناعة الرئيس محمود عباس والأطراف الأخرى، مع الإشارات الإقليمية المتوافقة مع هذا التوجه وعدم ممانعة القاهرة للوصول إلى حل هذه المعضلة ، بأنه قد حان الوقت لتحمل المسؤولية الوطنية والأخلاقية والإنطلاق نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية للتحضير لإنتخابات عامة تفرز قيادة وطنية جديدة مؤهلة وتؤمن بالبناء والحوار والمنطق السياسي وتتجاوز سياسة الإقصاء في وطن هو للجميع ومن أجل الجميع.
يبقى السؤال المهم مطروحاً ومفتوحاً، وهو ماذا يريد الفلسطينين من أنفهسم ومن الأخرين لتحقيق ذلك، غير وحدتهم والتعالي على جراحهم وخلافاتهم والقبول بأن يكونوا جزءاً من المعادلة الدولية حتى يستطيعوا أن يثبتوا للعالم بأنهم يستحقوا دولة لشعب عظيم لا زال يملك مفاتيح الإستقرار في المنطقة ويتطلع لحقه بأن يعيش بأمن وأمان وسلام كباقي الأمم ويستحق قيادة تجلب له الأمل وتبني له مستقبل لا أن تتقاسم الأدوار في استغلال مقدراته ومستقبل أبنائه!
zalsh043@gmail.com