تحت وطأة ضغوطات اقتصادية ناجمة عن عدم كفاية الدخل لتغطية النفقات، أو في ضوء رغبة في الاستثمار أو افتتاح مشروع جديد وخلافه، إضافة إلى عوامل أخرى مختلفة، يلجأ الكثيرون إلى الاستدانة، سواء من خلال بعضهم البعض وعبر البنوك ومؤسسات التمويل المختلفة، وبما يتطلب وجود خطة مبنية على أسس واضحة لإدارة الديون، لا سيما حال تعدد تلك الديون.
خطة إدارة الدين عادة لا يتعين أن تبدأ من لحظة ما بعد الحصول على القرض أو الدين، إنما يُنصح أن تبدأ مبكراً قبل اتخاذ القرار نفسه، من خلال تحديد الأولويات والبدائل المتاحة، وما إن كان مصارف ذلك القرض تتم على أوجه أولوية أو كماليات يُمكن الاستغناء عنها وبالتالي التراجع عن خطوة الاقتراض، وكذا وضع تصور للميزانية الشخصية ومدى القدرة على الالتزام والوفاء بأقساط وفوائد القرض، وغيرها من الأمور التي يُمكن إيجازها فيما يلي:
دراسة جيدة للوضع المالي قبل اللجوء للاستدانة أو الاقتراض.
إنشاء ميزانية شخصية لتتبع الدخل والمصروفات.
إعداد خطة سداد ملائمة والاختيار بين الأنظمة المتاحة للسداد.
تفادي الديون الجديدة بعد ذلك.
تفعيل خيارات إعادة جدولة الديون.
الاقتصاد في نفقات الفرد والأسرة للتمكن من السداد.
السعي نحو تحسين الدخل.
استشارة خبير مالي في حالة وجود صعوبات.
من جانبه، يشرح المحلل الاقتصادي الأردني، حسام عايش، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" تلك النصائح، بالإشارة إلى أن "الديون -سواء كانت للجهات الرسمية أو فيما بين الناس وبعضهم البعض أو حتى في إطار شركات وصناديق خارج النظام المصرفي- لا شك أنها تمثل مشكلة كبيرة في الوضع الاقتصادي للأفراد والأسر وعبئاً مالياً واسعاً، موضحاً أن اللجوء للديون يأتي في الغالب مع وجود عجز بين دخل الناس وإنفاقهم الذي يتزايد، والحاجات التي تتغير باستمرار.
ويضيف: "عندما يكون الدخل المتأتي من العمل أو أي نشاط اقتصادي لا يكفي لمواجهة أعباء وتكاليف الحياة اليومية يتم اللجوء للاقتراض، سواء كان ذلك لشراء متطلبات أساسية وضرورية وتغطية تكاليف الحياة اليومية الضرورية، أو أحياناً من أجل الاستثمار في أوجه الاستثمار المختلفة، وغيرها من الأسباب ذات الصلة".
ما الذي يتعين التفكير فيه قبل اللجوء للاقتراض؟
قبل اتخاذ قرار الاقتراض أو الاستدانة، ثمة مجموعة من الأمور التي يتعين على الأفراد التفكير فيها بشكل مناسب، ومن أبرزها:
الضرورة الحقيقية للاقتراض
القدرة على سداد القرض
تقييم التكلفة الإجمالية (الأقساط الشهرية والفوائد)
تقييم الجهة المقرضة، وتأثير القرض على التاريخ الائتماني
البدائل الممكنة
خطة سداد مستدامة
ينصح عايش في هذا السياق، بأنه "قبل أن تلجأ إلى الاقتراض، قم بتقييم ما إذا كان الاقتراض ضرورياً لأسباب وجيهة ومعتبرة أم لأسباب عابرة؟ هل تحتاج إلى القرض لسداد ديون مستحقة، أم لشراء شيء حاسم مثل منزل أو سيارة، أم لتمويل مشروع أعمال؟".
كما أنه عليك أن تسأل نفسك ما إن كان دخلك يسمح بسداد القرض وتحمل أعباءه من عدمه، مع مراعاة الظروف المستقبلية (ما إن كان الدخل سيظل ثابتاً أم ربما يتراجع لأسباب مختلفة؟ وهل هناك زيادات مرتقبة في الإنفاق مثل زواج الأبناء أو تعليمهم أو التزامات مستقبلية؟ إلخ).
قد يكون الدخل الحالي والمستقبلي، والمصروفات الأخرى، والالتزامات المالية الأخرى لديك عوامل حاسمة. تأكد من أن لديك دخل كافٍ لسداد أقساط القرض وتلبية الالتزامات المالية الأخرى.
ويشار هنا كذلك إلى أهمية تقييم التكلفة الإجمالية للقرض، مع التيقن من أمد السداد، بين القروض قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد، والالتزامات الناجمة عن ذلك، وتقييم الفائدة (بين الثابتة والمتغيرة)، بحسب عايش، والذي يشير إلى ضرورة التأكد من حجم الأقساط والفوائد المدفوعة شهرياً، مع الحرص على ألا يزيد القسط مع الفوائد عن 50 بالمئة من صافي دخل الفرد.
ويضيف: "في جميع الأحوال عليك أن تنتبه لنوع الفائدة، وأن تسأل عن التفاصيل المرتبطة بها، لجهة الآليات المتبعة في اقتطاع الفائدة وكيفية التحصيل ومختلف الرسوم وغير ذلك". كما أنه على المقترض أن يتعرف إلى أسعار الفائدة المتاحة ومقارنتها، لتحديد الجهة المقرضة التي سوف يتعامل معها والتي تتلاءم مه إمكاناته.
على المقترض في البداية أن يتعرف إلى أولاً أسعار الفائدة السائدة على هذا القرض وأن يقارن هذا السعر مع أكثر من بنك لكي يحصل على الفائدة الأقل إذا أمكن ذلك.
وفيما يتعلق بالنصائح المرتبطة بـ "دراسة البدائل المتاحة"، يشير المحلل الاقتصادي في الوقت نفسه إلى أنه يُمكن على سبيل المثال أن يجد الموظف ميزة داخل المؤسسة التي يعمل بها تتيح له الحصول على قرض (سُلفة) بفوائد أو التزامات أقل من تلك التي قد يدفعها للبنك، وفي هذه الحالة تكون المؤسسة بديلاً جيداً يمكن اللجوء إليه عوضاً عن الالتزام بفوائد أعلى في البنوك.
ويشدد على أهمية وضوح خطة السداد، مشيراً إلى أنه "كلما كان السداد مبكراً وفي وقت أقصر كلما كانت كلفة الفوائد والالتزامات المرتبطة بها أقل".
وفي السياق، يشدد عايش على ضرورة ألا الفرد ينساق وراء إغراءات البنوك للحصول على قرض إضافي أو أزيد مما يحتاج أو خدمات زائدة.
إدارة الدين.. ماذا بعد الاقتراض؟
وتعد إدارة الديون مهمة صعبة للغاية للفرد، وتتطلب التخطيط والانضباط المالي. وبالتالي فإن أول نصيحة يمكن تقديمها للأفراد في هذا الصدد تتعلق بضرورة إنشاء ميزانية شهرية لتتبع الدخل والمصروفات، مع تحديد الأولويات وتخصيص مبالغ محددة لسداد الديون. يساعد ذلك على التحكم في النفقات والمساعدة في تجنب الديون الجديدة.
يعلق عايش في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، بقوله: "الأمر له علاقة بكيفية تنظيم الأسرة لنفقاتها، لجهة التركيز على الأساسيات الضرورية، من أجل سداد التزامات القرض.. عندما تحصل على قرض استراتيجي ربما عليك أن تضحي ببعض المزايا، فعلى سبيل المثال لو كنت معتاداً على رحلة سياحية سنوية يُمكن إلغاؤها أو إجراؤها كل عامين، وإن كانت الأسرة لديها أكثر من سيارة يُمكن الاستعانة بسيارة واحدة فقط، علاوة على أوجه تقليص النفقات قدر الإمكان والسيطرة على النفقات العشوائية التي ترفع من الأعباء المالية".
حاول تقليص المصروفات الزائدة والترفيهيات غير الضرورية
قم بمراجعة أنماط الإنفاق الخاصة بك
ابحث عن فرص للتوفير
يمكنك تقليل تكاليف الترفيه عن طريق البحث عن بدائل أرخص أو تقليل المطاعم والسفر والتسوق الزائد
كما أنه "لابد وأن يكون لديك تخطيط للالتزامات المستقبلية المتوقعة ووضعها بعين الاعتبار، مثل مصروفات التعليم أو حال التخطيط لإنجاب طفل جديد، أو زواج الأبناء.. إلخ".
تعدد الديون
وفي حالة تعدد الديون، عادة ما ينصح المستشارون الماليون بضرورة وضع خطة واضحة لسداد الديون القائمة. يمكنك أن تبدأ بالديون ذات الفائدة العالية أولاً، أو تستخدم نهج "الثلج المتدحرج" الذي ينص على سداد الديون الصغيرة أولاً، ثم استخدام المبلغ الذي كنت تدفعه للدين الأولى لسداد الديون الأكبر تدريجياً.
ويضيف المحلل الاقتصادي الأردني إلى تلك النصائح، ضرورة المتابعة مع الجهة المقرضة، وفي حالة البنوك متابعة التغير في أسعار الفائدة بين البنوك، موضحاً أنه يمكن في بعض الأحيان استبدال القروض أو تحويلها لبنوك أخرى، من أجل تقليل التكلفة. كما أنه "عليك باستمرار التواصل مع البنك بخصوص الفوائد، لا سيما حال تم خفض الفائدة المتغيرة ولم يرسل لك البنك إشعاراً بذلك".
ويشدد على أهمية وجود استراتيجيات خاصة لسداد القروض، من بينها التفكير في "السداد السريع" للتخلص من كلفة الفوائد، لا سيما على القروض طويلة الأجل (خاصة المتعلقة بالقروض السكنية)، ويتعين في ذلك الصدد معرفة ضوابط وإجراءات السداد المبكر وما يترتب عليه، حال الحصول على إيرادات تكفي للسداد.
ويختتم عايش حديثه بالإشارة إلى ضرورة الانتباه إلى البطاقات الائتمانية بشكل خاص، فيما يتعلق بكل تفاصيلها، بداية من نسب الفائدة المختلفة، واستخداماتها بشكل متوازن مع ضمان السداد في المواعيد المستحقة، لا سيما وأنها تشكل إغراءات واسعة بالنسبة لحاملها من أجل الشراء بشكل مبالغ فيه أحياناً.
المصدر: سكاي نيوزعربية