الـسـنـة الـجـاي ؟!

88
حجم الخط

«هل تقصد.. ؟» قد يسألك السيد «غوغل» إن طرحتَ عليه سؤالاً مبهماً بعض الشيء، وأنا سألته عن الشاعر القديم القائل «وأهلكني تأميل عام بعد ذاك فعام».

هذا شباط (فبراير) الشهر الثاني من العام الحالي، ولسان الناس اعتاد القول «السنة الجاي» فهل يحمل العام المقبل 2017 شيئاً مفصلياً، غير انصرام ولاية ثانية للرئيس اوباما، وغير قول جنرال إسرائيلي إن الانتفاضة الجارية سترافقنا إلى «السنة الجاي» وغير معادلة لوران فابيوس واختصارها «إما مؤتمر دولي وإما الدولة»؟ منذ طرح بوش الثاني خريطة الطريق ثم «حل الدولتين» تحدثوا عن عام مفصلي (وأعوام!) لكنه «مرّ مرّ السحابة لا ريث ولا عجل» بما فيه العام المفصلي في مهمة كيري 2014، الذي فيه توقفت المفاوضات المباشرة الإسرائيلية ـ الفلسطينية.

في إسرائيل ينظّمون مؤتمر هرتسليا السنوي للأمن والمناعة القومية، وكذا مؤتمرا لبحوث الأمن، وفي مؤتمر هرتسليا 2004 نطق شارون إياه «هذا احتلال.. نعم احتلال» وفي مؤتمر بحوث استراتيجية الأمن هذا العام، كانت وجهات النظر متفاوتة في المسألة الفلسطينية ـ الإسرائيلية، حتى بين قادة الائتلاف الحكومي اليميني، كما بين قادة الأحزاب المعارضة، وبين قادة الأمن (رئيس الأركان غادي أيزنكوت مثلاً) ورئيس الحكومة نتنياهو.

اعتاد المسؤولون الإسرائيليون على القول منذ سنوات، إن فلسطين لم تعد القضية المركزية العربية، خاصة منذ تداعيات الربيع العربي، لكن نقاشات بحوث الأمن القومي الإسرائيلي، في ضوء الانتفاضة الحالية، والجمود السياسي، ومشاريع تحريك عملية السلام، تؤكد أن المسألة الفلسطينية هي المركزية لإسرائيل.

هذا هو المهم. «السنة الجاي» قد لا تكون مفصلية في تحريك الحلول السياسية، وقد لا ينعقد فيها مؤتمر دولي، لكنها مفصلية في الزمن التاريخي لسنوات الصراع.

هناك في إسرائيل من يقول إنه صراع المائة عام، انطلاقاً من «وعد بلفور» 1917، وليس من كتاب هرتسل «الدولة اليهودية» بعد مؤتمر بازل الصهيوني الأول. بما أن «الحل بدولتين» المطروح منذ العام 2005 يتعلق بمفاوضات لإنهاء الاحتلال، الذي بدأ في العام 1967، فإن «السنة الجاي» ستكون، في الحساب التاريخي، انصرام نصف قرن عليه.

بين وعد بلفور وإعلان بن ـ غوريون استقلال دولة إسرائيل، أي بين «الييشوف» اليهودي ـ الصهيوني في فلسطين وإعلانه دولة مرّت ثلاثون سنة (بالتحديد 31 سنة) وبين إعلان استقلال فلسطين 1988 و»السنة الجاي» تمرّ تقريباً، ثلاثون سنة، دون أن ينزاح نير الاحتلال.

مع انصرام العام 2016 ينهي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، مهام منصبه مع شعور أخلاقي بـ «الذنب» و»العيب» لغياب تقدم في حلّ النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وسيبدأ العام 2017 مع أمين عام جديد للأمم المتحدة، كما مع الرئيس الأميركي الـ45 خلفاً للرئيس اوباما، الذي يتردّد في إنهاء ولايتيه بخطاب «تاريخي» يفصّل فيه خطوط وأفكار كلينتون لحل النزاع، وخاصة في مسألتي القدس وحق العودة، وهي أفكار اعتبرتها القيادة الفلسطينية قاعدة للتفاوض.

الإدارة الأميركية تقول إنها أخذت علماً بمشروع فابيوس (مؤتمر دولي موسّع.. أو تعترف باريس بالدولة الفلسطينية) لكنها لم تتعهد بتأييد المشروع أمام مجلس الأمن، بل تفضّل «دق الماء وهو ماء» أي مفاوضات مباشرة للوصول إلى حلّ ثنائي، برعاية دولية، مع أن المؤتمر الدولي هو الرعاية الدولية، وإسرائيل صدّت الرعاية الأميركية في مشروع كيري الأخير! بان كي مون قال في مداولات مجلس الأمن الأخيرة حول الاستيطان إن غياب الأمل هو ما يدفع الفلسطينيين للتمرُّد على الاحتلال، ما أغضب إسرائيل، لكنه أوضح رأيه وأصرّ عليه في مقالة خاصة في صحيفة «نيويورك تايمز».

حكومة نتنياهو تدمج بين أمن إسرائيل والاستيطان اليهودي، وبين هذا الاخير ودعاوى الحق التوراتي، لكن رئيس الأركان غادي أيزنكوت في مؤتمر البحوث الاستراتيجية للأمن القومي قال بمعادلة «أمن» الإسرائيليين و»أمل» الفلسطينيين.

«حل الدولتين» يبدو في حالة موت سريري أو حالة إنعاش في الأقلّ، ورئيس المعارضة (المعسكر الصهيوني) اسحاق هيرتسوغ، لا يرى أفقاً قريباً لحل الدولتين، ويقترح شيئاً يذكرنا بـ «الانطواء» الشاروني؛ وشيئاً بشعار ايهود باراك نحن هنا وهم هناك» أي الانفصال ما أمكن عن الفلسطينيين بواسطة جدران، وإخراج 28 قرية فلسطينية و200 ألف من نطاق «القدس الموحدة» وإلحاقها بنفوذ السلطة الفلسطينية.

ليس في أفق «العام الجاي» بشارة حلّ، وسنجتاز مع الإسرائيليين عاماً صعباً آخر.

حـسـن الـبـطـل