لقاء أمناء السر والاعتقال السياسي

تنزيل (16).jpg
حجم الخط

بقلم المحامي زياد أبو زياد

 

بعد  فترة من وقوع الانقلاب الحمساوي بقطاع غزة في حزيران عام 2007 وتعرض كوادر وقيادات حركة فتح للاغتيال والاعتقال، خرجت أصوات تطالب حركة حماس بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين أي الفتحاويين، فجاء رد حماس على لسان عدد من قادتها من بينهم إسماعيل هنية ومحمود الزهار بأن ليس هناك معتقلين سياسيين وأن جميع من اعتقلوا عليهم تهم جنائية. وقد تذكرت هذا وأنا أسمع مصادر رسمية في الضفة هذه الأيام تقول بأن ليس هناك معتقلين سياسيين بالضفة.


فالمعتقل السياسي هو معتقل رأي وله حقوق وامتيازات ولذلك فإن الأنظمة الحاكمة في أقطار العالم الثالث، ونحن من بينها، وحتى في بعض البلدان التي تعتبر نفسها من الدول المتمدنة ترفض اطلاق هذه الصفة على المعارضين لها وتنتحل لهم شتى الألقاب وفي مقدمتها تهمة الإرهاب! وما أقصد أن أقول هو أن إنكار صفة المعتقل السياسي لا يقتصر على الحالة الفلسطينية بل يتعداها الى الكثير من البلدان لأن أجهزة الأمن في كل البلدان "قارئة على شيخ واحد".


وقبل أن أتطرق الى موضوع الاعتقال السياسي على الساحة الفلسطينية أود أن أشير الى الدعوة التي وجهها الرئيس محمود عباس لأمناء سر الفصائل الفلسطينية لعقد اجتماع عاجل والى أن هذه الدعوة جاءت في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على مخيم جنين وقتل اثني عشر مواطنا وجرح العشرات وتدمير البيوت وتخريب البنية التحتية للمخيم بما في ذلك شبكة الكهرباء والماء والطرق، وأن الأجواء التي تمت فيها الدعوة تجعل المراقب يفترض بأن الهدف من اجتماع أمناء سر الفصائل هو تحميل مسؤولية مواجهة جنون الاحتلال وجرائمه للجميع من خلال التوافق على وضع خطة استراتيجية وطنية يلتف حولها الجميع ويقف الجميع معا ً في خندق واحد، وأن هذا هو الهدف من لقاء القاهرة.


هذا من الناحية النظرية وبناء على الاستنتاج المنطقي الذي يجب أن يتوقعه المرء اذا افترض بأن الدعوة ذاتها جاءت في سياق المنطق والواقع.


لا أريد أن أناقش مدى فعالية ومدى الحضور الميداني لبعض أعضاء هذا الإطار الذي يسمى أمناء سر الفصائل، ولا أريد مناقشة مدى صلاحية أو سريان مفعول هذا المسمى مع أن البعض، وبحق، سيقول بأن العديد ممن يحملون هذا اللقب أصبحوا اليوم خارج السياق الزماني والمكاني والنضالي مع كل الاحترام لتاريخهم الذي لا ننكره عليهم ولكننا لا نعتقد بأنه يبرر استمرار استحواذهم على صلاحية اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بالقضية. وأعود وأكرر ما قلته وهو أن هذا الحديث هو عن البعض وليس الكل.


الهجوم على مخيم جنين وما نتج عنه هو جريمة حرب بكل المقاييس، والرد عليه يجب أن يكون ردا ً كبيرا ً مدويا ً وفي نفس مستوى الهجوم، لكي يؤكد لشعبنا بأننا لسنا فريسة سهلة لمجانين الاحتلال الذين يطيب لهم الرقص على أشلاء القتلى الفلسطينيين أو شلالات دمائهم أمثال سموترتش وبن جفير. فهل هذا الرد هو ما أراده الرئيس؟ وهل اطار أمناء سر الفصائل هو الإطار والعنوان الحقيقي لمثل ذلك الرد؟ وأترك الجواب هنا للقارئ.


واذا افترضنا جدلا ً بأن الرئيس كان فعلا ً يريد أن يتحمل الجميع مسؤولياتهم الوطنية المصيرية، فإن ذلك يقتضي أن نفترض بأن يقوم الجميع، حكومة ومعاضة، كل من طرفه، ببذل كل الجهود لتنقية الأجواء وتهيئة الظروف الصحية التي توفر الفرصة لنجاح هذا اللقاء.


يستطيع المرء أن يتخيل الضغوط السياسية والمالية التي تمارس على القيادة الفلسطينية بالضفة الغربية والابتزاز الذي تتعرض له تحت طائلة ما يسمى "دعم الإرهاب"، ولكني أعتقد بأن بعض التصرفات التي صدرت عن أجهزة السلطة بالضفة لم تكن لازمة ولا تساهم في تهيئة الظروف لنجاح اجتماع أمناء السر. ولا أعتقد بأن هناك من يستطيع أن يدافع عن اعتقال أعضاء مجلس طلبة أو داعية في العقد السابع من العمر، أو عن رفض بعض الأجهزة الأمنية تنفيذ قرارات المحاكم القاضية بأطلاق سراح معتقلين، أو استمرار اعتقال مقاتلين كانوا يحملون السلاح في أوج الهجوم على مخيم جنين وكانت هناك وعود بالإفراج عنهم فور انتهاء زيارة الرئيس للمخيم.


ومن هذا المنبر أدعو الى عدم ترداد مقولة أن ليس هناك معتقلين سياسيين والى اطلاق سراح الشيخ مصطفى أبو عره وكافة النشطاء الموجودين رهن الاعتقال في سجون السلطة مع التزامهم بالتوقف عن أية أعمال تتعارض مع السياسة الرسمية للسلطة في هذه المرحلة.


وأدعو في نفس الوقت جميع الفصائل التي تختلف مع نهج السلطة الى تجميد كافة الأنشطة التي لا تنسجم مع هذا النهج لتوفير الأجواء الصحية اللازمة لإنجاح اجتماع أمناء السر في الثلاثين من الشهر الحالي.


وبالرغم من كل ما سبق فإنني أؤكد بأنني أنتمي الى الذين لا يخدعون أنفسهم ولا يتوقعون أن يخرج اجتماع القاهرة بشيء جديد، فتكرار نفس العمل وبنفس الأدوات والأساليب وتوقع نتائج مختلفة هو أمر غبي في حد ذاته. فقد شاهدنا مرارا ً هذا الفيلم وشاهدنا اللقاءات والمجاملات والولائم والخطب الرنانة والتي أسفرت في النهاية عن لا شيء. ولقد أصبح مصطلح السياحة السياسية عملة دارجة، وأصبح أمر هذه اللقاءات البروتوكولية الموسمية فرصة لرحلات النقاهة للبعض، ومهرجانا ً يشبع رغبة البعض الآخر بأن يحس بأنه ما زال موجود.


آمل أن يخرج لقاء القاهرة بمعطيات ايجابية جديدة تخيب ظن كل المتشائمين أمثالي وتثبت بأننا هذه المرة مختلفين عما كنا عليه دائما في الماضي، وأننا آثرنا مصلحة الوطن والشعب على المصالح الفئوية والفردية الضيقة.