هارتس : نتنياهو تنازل عن إسرائيل الديمقراطية لصالح دولة ظلامية

يوسي فرتر.jpeg
حجم الخط

بقلم: يوسي فيرتر



انقطع بنيامين نتنياهو، أول من أمس، نهائياً، "يمكن القول بالقراءة الثالثة"، عن إسرائيل الديمقراطية والليبرالية والتقدمية والمتنورة والغربية التي تفاخر بها كثيراً في خطاباته في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. في الوقت ذاته قام بعقد تحالف دموي، بالمعنى الحرفي، مع دولة "يهودا" العنصرية، المسيحانية، الحريدية، والقومية المتطرفة.
ستلحق هذه الزمرة به دماراً مؤكداً، لكن الأغلبية العقلانية لا يمكن أن تفرح بذلك؛ لأن مصيراً مشابهاً ينتظر الدولة. من المحتمل أن التغيير الذي جرى، أول من أمس، على القانون سينقذه بصورة معينة من المحاكمة؛ لأنه الآن يمكن التغاضي عن المحكمة العليا وإقالة المستشارة القانونية للحكومة وتعيين "مدعٍ عام"، سيسحب "ملفات الآلاف". هذا مفرح له. لقد نجا. ولكن لن تقوم له قائمة. بالنسبة له لم يعد أمامه أي طريق للتراجع. في منتصف تشرين الأول، بعد انتهاء العطلة، سيقوم بسن قانون تهرب الحريديين من الخدمة، وفيما بعد قانون الأساس: تعلم التوراة. ما الذي جعل إسرائيل على ما هي عليه الآن؟ طلاب يتعلمون التوراة بصورة دائمة أو قطاع منتج ومساهم؟ وعندما سيتم استكمال سن هذا القانون، فإنه سيتفرغ لسن تغيير لجنة اختيار القضاة. لن يتفاجأ أي أحد إذا ظهرت بنود أخرى من بنود الانقلاب بعد ذلك. شركاؤه متعطشون للمزيد.
سيحدث هذا، سواء أراد ذلك أم لا. نتنياهو في نهاية المطاف ليس صاحب البيت في حكومته أو في ائتلافه. أول من أمس، شاهدنا ببث حي ومباشر من الذي يدير الأمور: إيتمار بن غفير وياريف ليفين وسمحا روتمان. كان رئيس الحكومة سلبياً تماماً. لم نشاهد في أي يوم مشهد ضعف واستخذاء مهين كهذا. ربما هكذا فسر توصية الأطباء له بعدم بذل الجهد.
في هذا الصمت الجبان كان يوجد اختيار: بين وزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس الأركان (الذي رفض نتنياهو الالتقاء معه قبل التصويت) وبين مجموعة ليفين الفاشية. وقد اتخذ قراره أين سيقف. بالمناسبة، لم يجد نتنياهو الوقت لهليفي. أما ليعقوب بردوغو فقد وجد الوقت. بعد اللقاء غرد هذا الشوفيني وقال: "ستتم إقالة غالي".
جسدت الفوضى، التي سادت في الكنيست، الطريقة التي تدار فيها حكومة الدمار والإهمال. نقاش صعب جرى بين غالانت الذي يتفكك الجيش بين أصابعه، وبين وزير العدل ليفين الذي وضع خطة الانقلاب النظامي التي تمزق الدولة إلى أشلاء. توسل الأول من أجل شيء من التخفيف وتمسك الثاني برفضه. أُهين غالانت، أول من أمس. فقد صوت تحت التهديد بالإقالة. أنهى الدورة الصيفية بطلاً، أما ليفين فأنهاها سياسياً مقصوص الأجنحة. أول من أمس، تبدلت الأدوار. ففي الوسط جلس الزعيم ظاهرياً، مقطوعاً ومتجاهلاً. هكذا ظهر مناحيم بيغن (مع الفرق) في أواخر فترة ولايته عندما كان غارقاً في الاكتئاب.
ذكرنا هذا بالأفلام المتحركة التي يجلس فيها الشيطان على أحد أكتاف البطل والملاك على الكتف الثاني. وذكرنا أيضاً بفشل معين في اتخاذ القرارات. دائماً في اللحظة الأخيرة، وأحياناً بعدها. دائماً يكون مشروطاً بقوة التهديد عليه، في الخارج يحدث انهيار بنيوي كبير: في الجيش الإسرائيلي وفي الاقتصاد وفي الهايتك وفي العلاقات الخارجية والاقتصاد والمجتمع، وهو لا يحرك أي ساكن.
نتنياهو بطل في استغلال النجاح وفي الاستيلاء على الإنجازات. عندما تتم إجازة أي قانون مهم بالنسبة له، (قانون القومية مثلاً) فإنه لا يفوت الفرصة من أجل الصعود على المنصة والاحتفال بذلك. أول من أمس، بعد دقيقة على مصادقة الكنيست على قانون إلغاء ذريعة المعقولية بتصويت الائتلاف فقط، بصيغته المتطرفة جداً، قام بالهرب مثل الأرنب من القاعة. بيبي هرب.
وراءه بقي المستوطنون والليكوديون من أجل الاحتفال المثير للغضب ولالتقاط صور السيلفي. بعد ذلك صعد ليفين على المنصة، وأعلن أن "هذه كانت خطوة أولية في عملية تاريخية من أجل إصلاح جهاز القضاء". إصلاح. هذا يعني أن الشخص الذي دفع نحو إلغاء ذريعة المعقولية لا تستطيع المحكمة العليا أن تفرض عليه عقد لجنة اختيار القضاة، ليس من أجل تعيين قضاة المحكمة العليا - لا سمح الله - بل من أجل تعيين عشرات قضاة محاكم الصلح والمحاكم المركزية التي فيها العبء على القضاة غير إنساني.
في اليمين يحبون جداً ذكر الانفصال كنوع من صورة مرآة "مشوهة جداً" لما يحدث الآن. بعد ذلك، بعد المصادقة على القانون في الكنيست، فإن من يؤيدون الإخلاء من قطاع غزة لم يطلقوا صرخات الفرح في القاعة. فقد حاولوا أن يكونوا إنسانيين لا أشخاصاً قساة قلوب ومنغلقين مثل أعضاء الكنيست الذين رأيناهم، أول من أمس.
في نهاية اليوم، قام رئيس الحكومة بإصدار تصريح ببث حي ومباشر. فجأة شاهدنا زعيم دولة مسؤولاً. وكأنه لم يتم زرع منظم قلب له، بل قرص عسل. كالعادة كذب وشوّه وخلط الأمور مع بعضها. "إصلاح ذريعة المعقولية قمنا بتمريره"، قال. "من أجل أن تتمكن حكومات إسرائيل من قيادة سياسية". 16 سنة وهو رئيس للحكومة. هل حتى الآن لم يمرر سياسة؟ إذاً، كيف وصلت إسرائيل إلى هذه القمم؟
"لم يتم قبول أي صيغة مصالحة قمنا بتقديمها"، كذب. "أيضاً الآن، حتى اللحظة الأخيرة، حاولنا... لكن الطرف الثاني واصل الرفض". "المحاولة" كما يبدو كانت مناورة خداع وبائسة. وإذا كان يتوق جداً للمصالحة، فلماذا قام بإجبار المعارضة؟ يجب عليه التصالح أولاً مع ليفين وبن غفير وأن يمرر صيغة المصالحة في الكنيست.
كما هو متوقع فقد وعد بأنه في الأيام القريبة القادمة سيتوجه الائتلاف للمعارضة وسيقترح عليها الحوار، حتى لو استمر إلى نهاية تشرين الثاني. السخي المعروف. حيث أنه في تشرين الثاني الكنيست سينشغل بقانون التجنيد الفاسد والذي يعطي الامتيازات. لم تكن هناك أي جملة في خطابه خالية من الخداع والتحايل والتشويه.
في الوقت الذي كان يتحدث فيه، دهست سيارة مواطنين هادئين قرب كفار سابا. جاءت السيارة من خلفهم وضربتهم. ما بدأ بـ "بوفيه سلطات مفتوح" والمطالبة بـإدخال الطيارين الذين توقفوا عن التطوع إلى السجن وبـ"احتفال الانتصار في الكنيست" ينتهي الآن بمواطنين مصابين على الشارع.

عن "هآرتس"