هارتس : وكأنه كان في إسرائيل "ديمقراطية حقيقية" قبل إلغاء "المعقولية" !

جاكي-خوري.jpeg
حجم الخط

بقلم: جاكي خوري

 

 




في الاسبوع الماضي، عندما دخل قانون إلغاء ذريعة المعقولية المرحلة الأخيرة فان كل نقاش آخر، باستثناء جوهر إسرائيل كدولة يهودية في المقام الاول، وفقط بعد ذلك ديمقراطية، أقصي الى الهامش. المنصة احتلتها القيادة العليا الامنية وقيادة جهاز الامن في الماضي والحاضر، ورؤساء الاقتصاد والقانونيون السابقون في جهاز القضاء، افضل الادمغة في كليات الحقوق، لكن بدون عرب.
تركز النقاش العام على مستقبل الدولة والى أين يمكن أن تتدهور. لو صادف وجود مواطن اجنبي في الاحتجاج في الاسبوعين الاخيرين لكان سيخرج بافتراض أن الديمقراطية في إسرائيل، حتى أول من أمس (الاثنين) هي في ذروة التألق، وفقط عند المصادقة على القانون تشوشت وأصبحت تعاني خطر التآكل.
لكن إسرائيل كانت ديمقراطية لليهود، وتميّز ضد العرب، وتقمع الفلسطينيين، حتى قبل الغاء ذريعة المعقولية. يشكل سن القانون المزيد من التقليص، ليس فقط لذريعة المعقولية بل للفضاء الصغير المحتفظ به في الديمقراطية الإسرائيلية للاقليات وللفلسطينيين. ويشكل اغلاق نافذة الفرص النظرية للتوجه الى جهاز القضاء الإسرائيلي على أمل إنقاذهم في بعض الاحيان.
يرى الفلسطينيون تمرير القانون في الكنيست في الضفة الغربية وفي قطاع غزة من وجهة نظر شعب محتل ومضطهد يفحص التداعيات لدى من يقوم بالاضطهاد. العرب في إسرائيل يرونه كمن يشاهد من المدرجات أو مثل اللاعبين على مقاعد البدلاء. فقد عرفوا أن ارنب التجارب لتطبيق قوانين غير مساواتية وقرارات غير معقولة هو الطبقات الضعيفة، وعلى رأسها مواطنو الدولة العرب والفلسطينيون في الضفة الغربية وفي قطاع غزة.
الكثير من رجال القانون ومن ممثلي الجمهور في المجتمع العربي حذروا على مدى السنين من أن العنصرية والفاشية لن تتوقف فقط عند اقلية قومية. إن اعطاء الشرعية لقوانين عنصرية مثل قانون القومية وقانون لجان القبول أو قانون كامنتس فقط سيزيد الشهية لمواصلة سحق كل من لا يتساوق مع الحاكم وزمرته. لم يستمع أحد لهذا التحذير. طالما أن العرب عانوا فان الامر كان على ما يرام. الآن الكثيرون يخافون على مستقبل الدولة؛ لأن النار لم تعد تشتغل فقط في الطيبة والطيرة وكفر قاسم، بل ايضا في هرتسليا وفي رمات افيف.
التشويه الذي حدث، أول من أمس، ليس وليد الانتخابات أو وليد الحكومة اليمينية الخالصة، بل نتيجة عملية اختارت فيها إسرائيل المتنورة والديمقراطية على مر الاجيال تجاهل الفيل الضخم الذي يوجد في الغرفة، وأن ترى في العرب والفلسطينيين مشكلة أمنية وديمغرافية. في إسرائيل معالجة مثل هذه المسألة تتم بقمع كل طموح قومي، وتحطيم كل امكانية من اجل التوصل الى اتفاق سياسي يقوم على تقرير المصير، وتقييد هامش العمل السياسي وتقليص التطلع الى المساواة. يبرز بشكل خاص اسكات المطالبة الاساسية بالامن الشخصي، ازاء الاهمال وسفك الدماء الذي يحدث كل يوم في المجتمع العربي، بما في ذلك، أول من أمس، حيث وصلت قائمة حالات القتل الى 130 ضحية.
صحيح أنه خلال الاحتجاج حاولت عدة منظمات في المجتمع المدني جلب قضية الاحتلال وتداعياته الى مقدمة المنصة وطرح موضوع غياب الأمن الشخصي والعنف المتصاعد في الوسط العربي الى مركز الاحتجاج. ولكن هذه المحاولة تخفت كلما طال الاحتجاج.
من هنا فصاعدا الوضع فقط يمكن أن يتفاقم ويصبح اكثر خطرا، ليس فقط بالنسبة للعرب. اذا كانوا في إسرائيل يريدون الحفاظ على البيت عشية التاسع من آب (العبري) يجب فهم أنه من الآن يوجد رعايا داخله هم ليسوا يهودا، لكنهم يريدون العيش في مساواة وأمن وسلام حقيقي. ومن اجل ضمان ذلك هم ايضا يجب عليهم أن يكونوا شركاء في القرارات وليس فقط قوة مساعدة للاحتجاج. يجب الاستماع اليهم وفهم رسائلهم والتحدث بشجاعة عن المشكلات العميقة لديهم، وليس كنسها تحت البساط. حتى لو نجح الاحتجاج في النهاية وتراجع نتنياهو وحكومته فنحن سنعود الى النقطة ذاتها. انقاذ البيت لا يمكن أن يقف عند اليهود فقط: اذا اردنا انقاذ البيت فيجب علينا انقاذه كله وليس فقط البيت اليهودي.

عن "هآرتس"