اجتماع الأمناء العامين أمام الإمتحان

image_processing20220918-3459076-v0xtvh.jpeg
حجم الخط

بقلم تيسير خالد


 أيام معدودة تفصلنا عن اجتماع الأمناء العامين في القاهرة ، الذي دعا له الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحدد له الثلاثين من الشهر الجاري موعدا . التوقعات والرهانات في أوساط الرأي العام الفلسطيني ليست مرتفعة ، فهو لم يكن الأول وفي ظني أنه لن يكون الأخير ، لسبب جوهري وهي ان مثل هذه الاجتماعات تستدعى في الدرجة الرئيسية في ظروف استثنائية للبحث عن مخارج من أزمات وليس من أجل البحث في سياسات .

رغم ذلك ، ينتابني شعور بالمسؤولية بأهمية لفت الانتباه الى لظروف الاستثنائية ، التي يمر بها النضال الوطني الفلسطيني وتمر به القضية الوطنية الفلسطينية ، والى الاعتبارات السياسية المحلية والاسرائيلية والعربية والدولية ، التي تضغط بمجملها على المشهد لترسم صورته على نحو يثير القلق على المستقبل .

فالنظام السياسي الفلسطيني في مأزق ، وهو بصرف النظر عن كل ادعاء منقسم على نفسه . فالسلطة الفلسطينية ، المعترف بها عربيا ودوليا في وضع صعب بفعل عوامل عدة يقف في مقدمتها الضغوط الاسرائيلية المتواصلة ، التي تسهم في إضعافها ووضعها أمام أحد خيارات صعبة ، ليس اقلها العمل كوكيل ثانوي للمصالح الاسرائيلية وخاصة الأمنية ، على اعتبار ان جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية الأخرى العاملة في الضفة الغربية تتعهد بدور الوكيل الرئيسي . يترتب على ذلك سلسلة من الأزمات لا مخرج منها سوى التحرر ولو بخطوات متدرجة من قيود مسبباتها ، وهو امر ممكن وغير مستحيل لاعتبارات لا اعتقد ان القائمين على السلطة يجهلونها .  وكذا هو الحال بالنسبة لسلطة الأمر الواقع في قطاع غزة ، فهي سلطة مأزومة ومحكوم عليها أن تظل كذلك ، لأن القائمين عليها ضلوا الطريق منذ البداية . فوزهم في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 دفعهم للسير في مسار لا افق سياسي له . نشوة النصر في الانتخابات قادت لمقاربات خاطئة عنوانها التداول السلمي للسلطة دون الأخذ بالاعتبار ان تلك السلطة ، هي سلطة تحت سلطة أعلى هي سلطة الاحتلال . تداول السلطة انتهى بانقلاب على السلطة ذاتها ، فضاعت فرصة ثمينة بتحويل المجلس التشريعي المنتخب الى أداة رقابة ومساءلة وتوجيه وتشريع ، تستكمل ما بدا واعدا ولو بحدود في دور المجلس التشريعي السابق .

كانت المنطقة قد غادرت سياسة الانقلابات ، التي كان آخرها انقلاب موريتانيا في العام 2005 ( تلاه انقلاب آخر عام 2008 ) . وعلى كل حال كانت جميع الانقلابات في المنطقة فاشلة ، لأنها لم تكن تحمل مشروعا سياسيا قابلا للحياة ، باستثناء انقلابين ، الأول انقلاب عبد الناصر في مصر عام 1952 ، الذي حمل مشروعا سياسيا وطنيا وقوميا ، انتهى بصاحبه الى البقاء في ذاكرة شعوب المنطقة كمشروع تحرري ، والثاني انقلاب عبد الكريم قاسم في العراق عام 1958 ، الذي حمل مشروعا اجتماعيا تحرريا ، انتهى بصاحبه الى مصير مأساوي فرحل ولم يجدوا في جيبه سوى عشرة دنانير عراقية . أما انقلاب حماس ، فلم يحمل مشروعا سياسيا بالمعنى الوطني الجامع ، بقدر ما حمل مشروعا فئويا ، كان عنوانه الأبرز ، الاسلام هو الحل ، لينتهي بالبحث عن مواصلة العيش في خيمة اوكسجين ، تتحكم بها دولة الاحتلال . ذلك لا يعني التقليل من أهمية القوة ، التي راكمتها حماس ودورها في بناء معادلة مختلفة في حدود معينة عن السلطة الوطنية الفلسطينية في علاقتها مع الاحتلال .

أزمة النظام السياسي الفلسطيني ، المنقسم على نفسه ، لا يخفف من حدتها وجود حافظة للمشروع السياسي الوطني هي منظمة التحرير الفلسطينية ، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، فهذا يدخل في باب الادعاء بعد ان تحررت السلطة من مرجعيتها وأخذت تمارس دورها بمعزل عنها . ولهذه الأزمة تداعيات جد خطيرة على النضال الوطني الفلسطيني ومستقبل القضية الفلسطينية . فدولة الاحتلال تبني سياستها اكثر من اي وقت مضى ، وخاصة بعد صعود اليمين المتطرف والفاشي الى السلطة في اسرائيل وتشكيل حكومة نتنياهو – سموتريتش – بن غفير ، على استغلال الأزمة لتطرح مشروعها للتسوية السياسية بالاعلان الواضح والصريح بأن ما يسمى حل الدولتين قد انتهى وبأن الضم قد أصبح في عداد السياسة الرسمية الاسرائيلية ، وأن الفلسطينيين باتوا امام أحد خيارين ، حكم اداري ذاتي بصلاحيات موسعة على نحو 60 بالمئة من الضفة الغربية ( بعد ضم 30 بالمئة من الضفة و 10 بالمئة في القدس ومحيطها ) للفلسطينيين ان يسموا ذلك دولة ، وهو الخيار الذي توافق عليه بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في صفقة القرن وكان يعتزم البدء به في الثالث من تموز عام 2020 ، او حكم في إطار بلديات تجري انتخاباتها كما يحلو لها ويعيش سكانها كأغيار ، حسب المصطلحات التلمودية ، في دولة يهودية تمتد من النهر الى البحر ومن رأس الناقورة الى أم الرشراش – إيلات ، وهو الخيار الذي يدعو له بتسلئيل سموتريتش في خطته ، التي حملت عنوانا مثيرا ( خطة اسرائيل الحاسمة – الأمل الوحيد ) .

وإذا كان هذا هو موقف حكومة الاحتلال ، التي تستغل أزمة النظام السياسي الفلسطيني للمضي قدما في مشروع تصفية حقوق الشعب الفلسطيني ، فإن تداعيات هذه الازمة وانعكاساتها على سياسة الدول العربية والدول الخارجية وخاصة الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الاوروبي بشكل خاص يعمق هذه الأزمة ويزيدها تعقيدا . فالدول العربية منشغلة عن الشأن الفلسطيني وتكتفي كما يبدو بسياسة هي جوهرها ان هذه الدول تقبل بما يقبل به الفلسطينيون ، وهي سياسة قديمة ولكنها تأتي في سياق سياسي مختلف . أما الولايات المتحدة الأميركية فهي تكتفي بالتأكيد على تمسكها بما يسمى حل الدولتين ومعارضة الاجراءات أحادية الجانب ، دون أن تتخذ مواقف تضع قيودا حقيقية على تلك التي تقوم بها دولة الاحتلال ، ما يعني أنها وسط انشغالها بملفات دولية ساخنة كالأزمة الاوكرانية والعلاقات مع الصين ، تكتفي بأقل من سياسة إدارة الازمة في العلاقة مع الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي . فوعود الادارة الحالية ، التي اطلقتها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ، تبخرت ولم تعد على جدول أعمالها . أما دول الاتحاد الاوروبي ، فإن سياستها هي ذاتها ، سياسة معايير مزدوجة تراجع تأثيرها وسط انشغال هذه الدول كذلك بملف الأزمة الأوكرانية وملفات انشغال عدد منها بقضاياها الداخلية .

وعليه ، فإن اجتماع الأمناء العامين أمام الامتحان ، وخياراته محدودة للغاية . إما مواصلة البحث عن مخرج من أزمات النظام السياسي بنفس الادوات والأساليب المعروفة للجميع ، أو الانتقال الى البحث في السياسات ، التي تمهد الطريق للخروج من هذه الأزمات . هذا امر لا تحسم فيه النوايا ولا بلاغة الخطابات بقدر ما تحسم فيه  الإرادة السياسية ، التي عليها ان تدرك أننا أمام ما يشبه الفرصة الأخيرة .

طبعا من المفيد ومن الضروري التذكير هنا بقرارات المجلس الوطني الفلسطيني ، الذي انعقد في نيسان من العام 2018 وبقرارات اجتماع الأمناء العامين ، الذي انعقد في ايلول من العام 2020 وبقرارات دورات المجاس المركزي المتعاقبة وقرارات اللجنة التنفيذية كذلك ، غير ان كل تلك القرارات لم تعد كافية في ظل انشغال العالم بقضايا ساخنة على صلة بالنظام الدولي الجديد وبعد ان اوغلت دولة الاحتلال في سياستها وقررت وضع الجانب الفلسطيني ، دونما اعتبار للقانون الدولي او قرارات الشرعية الدولية ، أمام خيارات الحد الأدنى ( نتنياهو ) والحد الأعلى ( سموتريتش ) للتسوية السياسية ، وهي تسوية تصفوية لحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية .

غير ان التذكير بكل تلك القرارات وضرورة احترامها لم يعد كافيا ، فسياقاتها السياسية كانت مختلفة عن السياقات السياسية الراهنة . لقد بات من الضروري ونحن ندعو الى أهمية البحث في السياسات ، التذكير باستعادة الثقة مع المواطن الفلسطيني ، ولا مجال لذلك غير احترام حق هذا المواطن في الممارسة الديمقراطية . احترام حق المواطن في الممارسة الديمقراطية هو المدخل لإخراج النظام السياسي الفلسطيني من مأزقه وأزماته سواء في منظمة التحرير الفلسطينية ام في السلطة الوطنية الفلسطينية ام في سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة . ذلك هو مدخل سياسة تقوم على إرادة سياسية متحررة من كثير من القيود ، هو مدخل لسياسة الاعتماد على الذات بدل الرهان على غير ذلك ، وهو مدخل استنهاض القوى في مواجهة سياسة فرض مزيد من الوقائع على الارض من الجانب الاسرائيلي ، التي تجهز كما هو واضح على حلم ما يسمى حل الدولتين ، بسياسات جديدة تضع في بؤرة تركيز اهتمامها بأن الوقت قد حان لخطوات سياسية فلسطينية لها بعد سيادي تغطيها تشريعات لجسم ديمقراطي منتخب .

فك الارتباط بخطوات متدرجة مع الاحتلال ، مقاطعة منتجات دولة الاحتلال ، تحرير سجل السكان وسجل الاراضي من قيود الادارة المدنية ووزير الاستيطان فيها ومد ولاية المحاكم الفلسطينية على جميع المتواجدين على الارض الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967 وإعلان بسط سيادة دولة فلسطين على جميع اراضيها المحتلة استنادا لقرار المعية العامة رقم 19/67 لعام 2012 وبدء التحضير لعصيان وطني شامل ، هي خطوات لا بد منها في الانتقال من البحث عن مخارج من أزمات للبحث في سياسات في هذه الظروف الاستثنائية . وتبقى نقطة الانطلاق هنا هي العودة للمواطن واحترام حقه في الممارسة الديمقراطية . هذه هي الرسالة ، التي اوجهها في هذه الظروف الاستثنائية لاجتماع الأمناء في القاهرة .