يشكل الحظر الأميركي الذي طال 14 مصرفاً عراقياً تم إدراجهم بالقائمة السوداء أخيراً، ضغطاً واسعاً على الدينار العراقي الذي سجل تراجعاً كبيراً أمام الدولار وصولاً إلى 1570 ديناراً مقابل الدولار الواحد، وسط مطالب بتحرك رسمي من جانب السلطات المختصة لوقف هذا الارتفاع الحاد، والذي يشكل تهديداً خطيراً على اقتصاد البلاد.
وفيما تبذل الحكومة العراقية جهوداً للسيطرة على أزمة الدولار، إلا أن تلك الجهود تصطدم بعدة عراقيل، في ظل تنامي عمليات تهريب الدولار الأميركي ووصوله إلى بلدان خاضعة للعقوبات الأميركية، وبما يلقي بمزيد من الضغوطات على حكومة محمد شياع السوداني، الذي اجتمع الأحد الماضي مع رئيس البنك المركزي، علي العلاق، وبحثا إجراءات دعم استقرار سعر الدينار أمام الدولار.
تدهور الدينار العراقي بعد عقوبات أميركية على 14 مصرفا
العلاق حدد عدداً من العوامل الرئيسية التي تتسبب في أزمة العملة بالبلاد، طبقاً لما نقلته عنه وكالة الأنباء العراقية الرسمية، على النحو التالي:
- قيمة الدينار العراقي تراجعت أمام الدولار بسبب محاولات بعض التجار الحصول على العملة الصعبة من السوق السوداء بدلاً من الدخول إلى المنصة الإلكترونية الرسمية للبنك.
- بعض التجار لا يستطيعون الدخول إلى المنصة بسبب ممارستهم لنشاطات مالية غير مشروع.
- الارتفاع في سعر الصرف بالسوق "وقتي" في ظل دخول المزيد من الأفراد والشركات إلى المنصة.
-المضاربون في السوق يقومون ببث الشائعات وخلق أزمة تؤدي إلى رفع السعر.
ويستمر المركزي العراقي في تقديم الدولار بالسعر الرسمي البالغ 1320 ديناراً للدولار لجميع المعاملات المشروعة بما في ذلك التحويلات والاعتمادات لمختلف الواردات، بحسب العلاق.
ظاهرة خطيرة
من جانبه، يصف مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، الدكتور غازي فيصل حسين، عدم تمكن البنك المركزي من السيطرة والتحكم في العملة بـ "الظاهرة الخطيرة"، موضحاً أن المركزي لا يستطيع التحكم في حركة واتجاهات العملة الأميركية بالأسواق العراقية أو التصدي لعمليات التهريب وتبييض الأموال، وهي إشكاليات كارثية لا تزال تشكل تهديداً مستمراً للاقتصاد العراقي.
ويشرح فيصل أبعاد الأزمة والموقف الأميركي تبعاً لذلك في نقاط مُحددة، كالتالي:
- يتم تهريب الدولار عبر وسائل غير مشروعة إلى دول خاضعة للعقوبات الأميركية (مثل إيران ولبنان وسوريا وحتى روسيا التي حاولت الحصول على الدولار من بغداد).
- عمليات تبييض الأموال المذكورة وحالة الفوضى تلك تتسبب في مشكلة بالنسبة للاقتصاد الأميركي.
- في سياق العلاقات الدولية تعتبر عمليات غسيل الأموال من الجرائم المنظمة.
- بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يحرص على أهمية ذهاب الدولار لمصارف واتفاقات وعقود مشروعة، وألا يوجه إلى الدول الخاضعة للعقوبات الاقتصادية الأميركية.
- المنصة (المرتبطة بتحويلات الدولار) والتي وضعت بالتنسيق مع المركزي العراقي تؤكد حرص الولايات المتحدة على المحافظة على عملاتها (من خلال ضمان سلامة تحويلات العملة) لا سيما أن الدولار يشكل قلب الاقتصاد الأميركي، ولا يُمكن لواشنطن أن تكون متساهلة في فوضى تهريب الدولار.
- لكن هناك بنوك وشركة وعقود وهمية يُمارس من خلالها دور خطير في تهريب الدولار، وبالتالي تحقيق أرباح خيالية من خلال تلك الممارسات غير القانونية.
حظر أميركي
وفي سياق تلك المعطيات، وضمن مساعي واشنطن للحفاظ على عملتها وضمان عدم اتجاهها للبلدان الخاضعة للعقوبات، أدرجت الولايات المتحدة، قبيل أيام، 14 مصرفاً عراقياً خاصاً ضمن البنوك المحظور عليها التعامل بالدولار الأميركي للاشتباه في غسيل الأموال وتحويل الأموال إلى إيران.
تم فرض الحظر من قبل وزارة الخزانة الأميركية وبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وتم الإبلاغ عنه لأول مرة من قبل صحيفة وول ستريت جورنال في 19 يوليو.
من جهتها، أصدرت البنوك الـ 14 التي تواجه الحظر بياناً مشتركاً حثت فيه الحكومة العراقية على معالجة المشكلة وحذرت من أن منع ثلث البنوك العراقية الخاصة من التداول بالدولار لن يؤثر فقط على سعر الدولار بل يعيق الاستثمار الأجنبي، بحسب ما نشرته بلومبرغ.
ونقل التقرير عن مالك بنك خاص في بغداد، حيدر الشماع، قوله في مؤتمر صحافي: "إن إدراج ما يقرب من ثلث البنوك الخاصة في قائمة الممنوعين من التعامل بالدولار الأميركي ستكون له عواقب وخيمة من عدة زوايا". كما دعا الحكومة إلى العمل على "درء الضرر الذي لحق بنا تحديداً، وبالمصارف العراقية عموماً".
ونظم العشرات وقفةاحتجاجية أمام البنك المركزي، الأربعاء، طالبوا فيها بإجراءات للسيطرة على تراجع قيمة العملة وارتفاع معدلات التضخم.
وكان رئيس البنك المركزي العراقي، قد كشف هذا الأسبوع عن أن معدل المبيعات اليومية المنفذة فعلاً بالبنك المركزي يصل إلى 155 مليون دولار، مضيفاً أنه يكفي لتغطية جميع الطلبات. وذكر أن حجم احتياطي العراق من العملات الأجنبية أكثر من 113 مليار دولار.
رئيس مركز الأمصار للدراسات، الدكتور رائد العزاوي،يوضح أن حكومة محمد شياع السوداني، منذ توليها السلطة، تبذل جهوداً واسعة للسيطرة على سوق الصرف وإنهاء الأزمة، في وقت يشهد فيه الدولار ارتفاعاً غير مسبوقاً أمام الدينار العراقي، وهي الأزمة المرتبطة بقرارات أميركية تجاه بعض البنوك العراقية المتهمة بتهريب الدولار إلى الخارج.
ويتحدث العزاوي عن مجموعة من المعطيات المرتبطة بتفاقم أزمة الدينار العراقي، رغم الجهود الحكومية لإنهائها والسيطرة على الأسواق، على النحو التالي:
- لقد حاولت الحكومة اتباع عدة إجراءات، في سياق السيطرة على عمليات البيع، لكن بعض تلك الجهود لم تؤت ثمارها، لا سيما أن بعض المصارف لديها ميلشيات وقوى مسلحة منعت إجراء الإصلاحات.
- جزء كبير من حاجة العراقي يلبى عن طريق إيران، لا سيما الغاز، وبما أدى لهذه العمليات.. وجميعها عوامل أسهمت في الضغط على حكومة السوداني بشكل كبير.
-هناك مضاربات من قبل التجار والمصارف.. وبما خلق حالة من عدم الاتزان في سوق الصرف، لا سيما وأن هناك نحو 80 مصرفاً في العراق، غالبيتها مصارف أهلية صغيرة كانت في وقت سابق مجموعة من محال الصيرفة.
وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قد قال الثلاثاء، إن العراق سيتبادل النفط الخام مقابل الغاز الإيراني، لإنهاء مشكلة الموافقة الأمريكية على المدفوعات لطهران.
ويشير إلى أن تلك العوامل مجتمعة ومع ظاهرة تهريب الدولار، أدت إلى هذا التراجع الحاد في الدينار العراقي أمام الدولار الأميركي، موضحاً أن "المنصة الإلكترونية" التي تم إطلاقها سابقا نجحت في معالجة بعض القضايا، لكن المشكلة المرتبطة بعملية تهريب الدولار تضغط بشكل واسع على الاقتصاد.
ويضيف: "الدولار يُباع عن طريق مزاد عملية، ويتم توجيهه بعد ذلك للتجار وغير ذلك، فيما لا يوجد نظام استيراد صحيح، كما أن الفواتير المقدمة من بعض البنوك غير صحيح، وبما أثر على المنصة وأدائها".
- بموجب قواعد تنظيمية أميركية أكثر صرامة دخلت حيز التنفيذ العام الماضي لضبط آلية حصول العراق على الدولار، يتعين أن تمر جميع طلبات التحويلات المالية عبر نظام إلكتروني يتضمن معلومات تفصيلية عن المستقبل النهائي للدولارات.
- تهدف الإجراءات الأميركية إلى وضع حد للتحويلات غير المشروعة للدولار إلى إيران وممارسة ضغوط إضافية على طهران مع العقوبات المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي وقضايا أخرى محل خلاف.
- لكن مسؤولي المركزي العراقي يقولون إن النظام تسبب في إبطاء الحصول على الدولار مع وجود فترات انتظار تتجاوز الشهر في بعض الأحيان، مما يؤدي إلى توجه كثير من التجار إلى السوق السوداء للحصول على الدولار، وهو أمر يؤدي بدوره إلى رفع سعر الصرف.
العراق وإيران يوقّعان اتفاقاً لمقايضة النفط بالغاز
مخاوف واسعة
من جانبه، يقول أستاذ الاقتصاد، الدكتور جعفر الحسيناوي، إن العراق يعيش تداعيات صراع الغير ويدفع ثمنها غالياً؛ فالصراع القائم بين إيران والولايات المتحدة الأميركية يلقي بظلاله على الاقتصاد العراقي، وكما هو معروف فإن إيران واقعة تحت طائلة العقوبات الاقتصادية الدولية.
ويضيف: "تسعى الولايات المتحدة إلى تحطيم الاقتصاد الإيراني، إلا أن طهران ومن خلال تغلغلها بالواقع العراقي اعتمدت وبشكل كبير في الحصول على العملة الصعبة من خلال العراق عبر تصدير كل شيء له تقريباً، حتى أصبح حجم التبادل التجاري بين البلدين ما يقدر بحوالي 15 مليار دولار.. ولما كان تزويد إيران محظور من قبل الولايات المتحدة فقد لجأت بعض المصارف الأهلية بالتحايل على القرارات الدولية وتهريب الدولار إلى إيران بمختلف الطرق، ما أغضب الولايات المتحدة التي وضعت أخيراً 14 مصرفاً أهلياً بالقائمة السوداء ومنعها من التعامل بالدولار، وبذلك أصبح عدد المصارف المحظورة 20 مصرفاً، إذ سبق وأن حظرت أربعة مصارف قبلها".
ويستطرد: "ولما كانت هذه المصارف كبيرة ومتنفذة وتعود إلى مسؤولين فقد تركت خللاً كبيراً في سوق العملات الأجنبية ترتب على ذلك زيادة كبيرة في الطلب على الدولار، ما دفع التجار للحصول عليه من الأسواق الموازية، وق دارتفع سعره من جراء ذلك إلى حدود 25 بالمئة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات تبعاً لذلك".
ويردف قائلاً: "نحن هنا نخشى من فرض عقوبات على البنك المركزي العراقي، وبما قد يعود بالعراق إلى عدم حصوله على أمواله ويتم تخصيص مبالغ تؤمن مرتبات الموظفين ومبالغ للدواء والغذاء من خلال بنك الفيدرالي الأميركي كما كان معمول به في فترة الحصار الاقتصادي الذي عانى منه الشعب العراقي على مستوى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة مع زيادة كبيرة في معدلات التضخم".
المصدر: سكاي نيوز عربية