توماس فريدمان.. ناطق غير رسمي ولكن جدي.

08131783070030779318284182254500.jpg
حجم الخط

بقلم نبيل عمرو

ما لا يستطيع الناطق باسم البيت الأبيض قوله، ولا حتى الناطقين باسم سائر المؤسسات الرسمية، يقوله توماس فريدمان الكاتب الصحفي الأشهر في الولايات المتحدة.

توماس فريدمان.. ليس صانع سياسة في الدولة العظمى، إلا أنه أحد أهم صناع الرأي العام فيها، ذلك أن عاموده الثابت في النيويورك تايمز، يُنتظر ويُتداول ما يقول فيه بجدية، فهو يعالج الشأن الفلسطيني الإسرائيلي بقدر معقول من الموضوعية، ويعالج الشأن الشرق أوسطي بتمكن مشهود له، غير أن دعوة الرئيس بايدن له، وإطلاعه على حقيقة الموقف السياسي لإدارته، من جملة أمور بالغة الحساسية، وتفرض حذراً رسمياً حتى في اختيار المفردات، أظهرت أن الكاتب الشهير يؤدي مهمة سياسية بامتياز، أولاً في ما يتصل بالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية، خصوصاً في فترة أزمة "الإصلاحات القضائية" حين دعا ومن خلال لقاءه مع الرئيس بايدن إلى احتمال إعادة تقويم السياسة الأميركية تجاه إسرائيل، ما وضع هذا القول في مكانة تفوق مكانة الرأي الصحفي أو الاجتهاد الشخصي، وهذا أكثر ما أخاف الإسرائيليين وأربك ساستهم.

توماس فريدمان، تحدث عن أمر أكثر أهمية وإثارة يتصل بما كان يعتبر أحد المحرمات الأمريكية في الوقت الحاضر، وهو مناقشة تفاصيل صفقة سياسية كبيرة لحل أزمة إسرائيل، وحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

أشار فريدمان إلى مشاورات جرت بين المسؤولين عن صناعة القرار السياسي في إدارة بايدن، جاك سوليفان مستشار الامن القومي، وانطوني بلينكن وزير الخارجية، وبريت ماكفورك المسؤول الكبير في البيت الأبيض، الذي يتعامل مع سياسة الشرق الأوسط.

ولوضع ما يقوله فريدمان في مكانه الصحيح، فالأمر حسب أقواله، ما يزال في طور الدراسة والإستكشاف، وهذا بحد ذاته تطور جديد يسترعي النظر إليه بجدية.

المطالب الموضوعية التي يراها فريدمان ويتعين على إسرائيل قبولها هي أربعة، أولها وعدٌ رسمي بعدم ضم الضفة إطلاقا، وثانيها لا مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، أو توسيع المستوطنات القائمة، وثالثها لا شرعنة للمستوطنات "العشوائية"، ورابعها. نقل بعض الأراضي المأهولة بالفلسطينيين من المنطقة (ج) في الضفة الغربية إلى المنطقتين (أ) و(ب) على النحو المنصوص عليها في إتفاقيات أوسلو.

ولا يستبعد فريدمان مطالبات سعودية وفلسطينية وعربية إضافية، مثل إعادة فتح المؤسسات الفلسطينية التي تم اغلاقها في القدس الشرقية، والإفراج عن معتقلين فلسطينيين وفق معادلة مقبولة للفلسطينيين، بما يمكن اعتباره إعادة وضع المبادرة العربية للسلام قيد التداول.

ويخلص فريدمان إلى إحتمالين.. الأول: أن تستغرق هذه "الصفقة" شهوراً من المفاوضات الصعبة، وسيكون النجاح بعيد المنال.

والثاني: أن يقرر بايدن وضع الصفقة على الطاولة، وإظهار أنها تصب في المصلحة الإستراتيجية الامريكية، وتخدم كذلك مصالح كافة الأطراف المعنية بها، مع إحياء الآمال الفلسطينية في حل الدولتين. إن حدث ذلك فسوف تكون هذه صفقة كبيرة جداً.

الواقع الذي يفرض نفسه الآن على الطرفين الرئيسيين والمباشرين في العملية المقترحة، أي الفلسطينيين والإسرائيليين، يحتم على كل منهما إجراء تغييرات أساسية تكمن في الاستجابة لمتطلبات الصفقة المقترحة.

حكومة إسرائيل وأقطابها سموتريتش وبن غفير، لن تكلف نفسها مجرد النظر إلى هذه الصفقة، إذاً لا بد وأن تتغير بحكومة أخرى، أكثر استعدادا لقبول الفكرة، وللتفاوض حولها. ويبدو أن المرشح المحتمل لذلك هو بيني غانتس، وشركاؤه من ائتلاف المعارضة، ذلك لا يعني أن الحكومة البديلة ستوقع للأمريكيين على بياض.. بل ستدخل اللعبة ومعها شروطها وستعمل بكل إمكاناتها على بلوغ حل تستطيع تسويقه للرأي العام الإسرائيلي.

أمّا على الجانب الفلسطيني، فالأمر.. بهذه الصفقة المحتملة ومن دونها، فإن جديدا نوعياً لابد وأن يحدث على النحو الذي يغلق الأبواب أمام الذرائع الإسرائيلية بعدم وجود شريك فلسطيني، والطريقة الأكثر فاعلية وجدوى لتحقيق ذلك هو الذهاب إلى الانتخابات، تشريعية ورئاسية، وفق ما عُمل به ثم تأجّل في أيّار الماضي، وعلى العالم أن يساعد في ذلك ليولد على الجانب الفلسطيني، برلمان منتخب، وحكومة منتخبة، ورئيس منتخب، وهذا وإن كان ضرورة حتمية لحل سياسي يرضي الفلسطينيين والعرب والعالم، فهو ضرورة ملحة لترتيب البيت الفلسطيني وتأهيله للذهاب بفاعلية إلى أي اتجاه تقرره المؤسسات المنتخبة.

لا تُنكر أهمية الحديث الأمريكي عن صفقة شاملة كالتي طرح عناوينها فريدمان، غير أن ما يفكر به الأمريكيون يحتاج إلى روافع إسرائيلية وفلسطينية لابد من توفرها، وإلا فكل ما يجري الحديث عنه لن يختلف كثيرا عن ما جرت تجربته منذ مدريد وأوسلو وحتى الآن.