هارتس : سياسة إسرائيل تجاه الضفة الغربية: فصول من التضليل (2 من 2)

حجم الخط

بقلم: شاؤول أريئيلي



أشارت ساسون إلى إخفاقات شديدة في مجال إنفاذ القانون، حتى أنها أشارت إلى أن لواء الاستيطان تجاوز صلاحياته، وهو المسؤول عن إقامة بؤر استيطانية كثيرة.
وأكدت ساسون على أن وزارة الإسكان دفعت مقابل تطوير البؤر الاستيطانية 72 مليون شيكل في الأعوام 2000 – 2004.
ولخصت أقوالها كما يأتي: "بكلمات أخرى، أصبح خرق القانون أمراً ممأسساً ومؤسسياً. ليست لنا أي مصلحة مع مخالف للقانون أو مجموعة مخالفين يعملون ضد القانون.
الصورة التي تظهر لعين الفاحص هي خرق واضح للقانون من قبل وزارات الحكومة والسلطات العامة والمجالس الإقليمية في يهودا والسامرة والمستوطنين، كل ذلك مع إظهار صورة شكلية وكأنه توجد هنا منظومة ممأسسة تعمل بشكل قانوني".
واصلت ساسون وأكدت: "أود أن أعرض عليك موقف الأغلبية الساحقة في أوساط ضباط الجيش والشرطة، الذين أوضحوا... أن الصعوبة الأساسية في كل ما يتعلق بتطبيق القانون في المناطق بخصوص البؤر الاستيطانية غير القانونية هي الرسالة المزدوجة التي تمر طوال السنين من حكومات إسرائيل إلى كل المستويات التنفيذية، الأمنية والمدنية".
تمت مناقشة التقرير وتبنته الحكومة، وتم اتخاذ قرارات لتطبيق استنتاجاته، لكن هذه القرارات لم يتم تطبيقها في أي يوم، ولم تتغير سياسة التضليل في "المناطق".
نتنياهو، بعد عودته إلى منصب رئيس الحكومة في 2009، بدأ في عملية "التبييض" للبؤر الاستيطانية غير القانونية.
في البداية حاول تجنيد القاضي إدموند ليفي من أجل خلق قاعدة قانونية، لكن إدموند نشر في 2012 تقريراً وجه فيه انتقاداً شديداً للانحراف عن حدود القانون. "لقد ظهرت أمامنا ظاهرة في موضوع الاستيطان الإسرائيلي في يهودا والسامرة، لا تناسب دولة تؤيد سلطة القانون.
من الآن فصاعداً يجب أن يكون من الواضح لمؤيدي الاستيطان والمستوى السياسي أنهم مجبرون على العمل في إطار القانون فقط، وأنه على مؤسسات الدولة يجب العمل في المستقبل بحزم لإنفاذ القانون". هذا التقرير تم حفظه ولم يتم طرحه للنقاش في الحكومة.
منذ ذلك الحين وحتى الآن فإنه في كل حكومات إسرائيل، بما في ذلك حكومة نفتالي بينيت – يائير لابيد، تم تبييض 44 بؤرة استيطانية.
كيف يقومون بشرعنة بؤر استيطانية غير قانونية؟. وبالتالي فإن برنامج التضليل يتضمن أدوات مؤسسية. الأداة الأكثر شيوعاً هي تحويل البؤر الاستيطانية إلى أحياء في مستوطنات قائمة (حتى لو كان الأمر يتعلق بحي بعيد جداً).
أداة أخرى هي تحويلها إلى مستوطنات مستقلة، وعندما لا يتم التمكن من فعل ذلك فإنه يمكن شرعنتها من خلال تحويلها إلى مؤسسات تعليم أو مزارع للرعاة.
بصورة استكمالية فإن حكومة نتنياهو، بضغط من "البيت اليهودي" برئاسة بينيت، تجنبت تقريبا أي عملية إخلاء للبؤر الاستيطانية، بما في ذلك التي لم يكن أي شك في عدم قانونيتها، لأنها سيطرت على أراضٍ فلسطينية خاصة، مثلما اعترفت الدولة نفسها بذلك في المحكمة العليا.
على سبيل المثال، حصل سكان البؤرة الاستيطانية ميغرون على بناء مستوطنة جديدة في أرض تابعة لأراضي الدولة، قرب البؤرة الاستيطانية.
أيضاً سكان البؤرة الاستيطانية عمونة قرب عوفرا حصلوا على مقابل سخي جداً.
كلف الإخلاء المتفق عليه الجمهور إقامة مستوطنة عميحاي في 2016، الأولى والوحيدة منذ 1992، بتكلفة كبيرة، جزء منها غير حيوي مثل توزيع 40 مليون شيكل على العائلات من أجل تحسين ظروف حياتها، أو 5.5 مليون شيكل لإقامة غرف استضافة لعائلات إلى حين استكمال إقامة المستوطنة.
بالإجمال، كانت تكلفة ذلك 137.5 مليون شيكل. كان بينيت السنونو الأول في تمزيق قناع السذاجة وغض نظر الحكومة.
في أيلول 2016 أعلن أنه "في موضوع أرض إسرائيل يجب الانتقال من الكبح إلى الحسم. يجب علينا أن نحدد الحلم، والحلم هو أن يهودا والسامرة ستكون جزءا من أرض إسرائيل السيادية".
في الوقت الحالي توجد 121 بؤرة استيطانية غير قانونية في أرجاء الضفة الغربية، يشير مكانها إلى كونها جزءا من خطة منظمة، استهدفت تحقيق هدفين. الأول، تكثيف "الكتل" الكبيرة والصغيرة. الثاني، زيادة سيطرة إسرائيل على طول محور 60 – المحور الرئيس في الضفة الغربية، الذي يحافظ على التواصل وعلى نسيج حياة الفلسطينيين.
في حين أن 77 في المئة من المستوطنين يعيشون على بعد 10 كم عن الخط الأخضر فإن ثلثي البؤر الاستيطانية يوجد على بعد 10 – 25 كم عن الخط الأخضر. هدفها هو ملء المناطق شبه الخالية من اليهود، وعلى رأسها جنوب جبل الخليل وشرق "السامرة".
توجد جميع البؤر الاستيطانية قرب مستوطنات قائمة من أجل التمكين من ربطها غير القانوني بشبكة المياه والكهرباء وشق شارع للوصول إليها. كيف يتم تمويلها؟ قالت وزيرة الداخلية السابقة، اييلت شكيد، إن سكان البؤر الاستيطانية يعتبرون سكان "المستوطنات الأم" لغرض احتساب منح التوازن للمجالس المحلية (على حساب المجالس التي توجد داخل حدود الخط الأخضر).
جميع المستوطنات الأم للبؤر الاستيطانية تنتمي للتيار القومي المتطرف – المسيحاني برئاسة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وشركائهم.
كلما كان المستوطنون متطرفين أكثر سنجد المزيد من البؤر الاستيطانية قربها.
على سبيل المثال، مستوطنات إيتمار وبراخا وألون موريه ويتسهار في منطقة نابلس أقامت 18 بؤرة استيطانية غير قانونية.
الرقم القياسي يوجد لمستوطنة كوخاف هشاحر، 8 بؤر استيطانية غير قانونية.
الدرس الذي يحسبه سحق القانون برعاية المؤسسة هو أمر مفيد، تم استيعابه. وقرب مستوطنة عميحاي (الذين تم إخلاؤهم من بؤرة عمونة) توجد الآن بؤرتان.
يجب الإشارة إلى أن المستوطنات الرائدة في عدد متزايد من أحداث العنف ضد الفلسطينيين في محيطها، لا سيما أحداث إطلاق النار والاعتداء، هي يتسهار وبراخا وعيلي وشيلو، الاستيطان اليهودي في الخليل، معون، وسوسيا.
أكدت الاتفاقات الائتلافية على سيطرة سموتريتش على الإدارة المدنية، وشجعت خطط لشرعنة معظم البؤر الاستيطانية التي أقيمت على أراضي الدولة.
البؤر الاستيطانية التي أقيمت على أراضٍ فلسطينية خاصة تستبعد المحكمة العليا أي إمكانية لشرعنتها وتلزم بإخلائها. ومثلما كتبت ساسون فإن "إقامة بؤرة على أراضٍ خاصة فلسطينية لا يمكن شرعنتها حتى ولا بأثر رجعي. حكم هذه البؤر الاستيطانية هو الأخلاء. وكلما كان ذلك أسرع كان أفضل".
رداً على هذا الدفاع الذي وضعته المحكمة العليا ولدت فكرة "قانون التسوية" الذي تمت المصادقة عليه في الكنيست في شباط 2017 والذي هدف إلى مصادرة حقوق استخدام الأراضي من قبل أصحابها الفلسطينيين، التي توجد عليها الآن آلاف الوحدات السكنية للمستوطنين في حوالى 30 مستوطنة و29 بؤرة استيطانية.
القانون تمت المصادقة عليه رغم حقيقة أنه أثناء مناقشته قال المستشار القانوني للحكومة، آفي مندلبليت، إنه يجب عدم الموافقة على مشاريع قوانين غير مشمولة في القانون الدولي وهي تضر بمكانة المحكمة العليا. وحتى أنه أعلن أنه لن يدافع عن القانون إذا تمت المصادقة عليه في الكنيست لأنه غير دستوري وهو يمكن أن يؤدي إلى تقديم دعوى ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
هنا أيضاً كانت المحكمة العليا هي حارس العتبة الأخير الذي أوقف استبداد النظام عبر إلغاء القانون. وهذا ما أدى بدوره إلى مشروع قانون فقرة الاستقواء، إضافة إلى الخطوات الشخصية بتعيين قضاة في المحكمة العليا والمزيد من مشاريع القوانين.
إذا تم سنها فسيصبح سموتريتش "ملك" الضفة الغربية في نظام استبدادي على شكل "الأبرتهايد".
استمرت عملية السيطرة والاستيطان سنوات كثيرة في الضفة الغربية قبل واقع الدولة الواحدة، حيث تمر من تحت رادار المجتمع الإسرائيلي وفي تناقض كامل مع مواقف معظم الجمهور.
الاستطلاعات التي أجريت في نيسان 2022 وأيار 2023 أظهرت أنه فقط 21 في المئة من الجمهور اليهودي واعون لواقع الدولة الواحدة الآخذة في التشكل على تلال "السامرة"، رغم أن معظمهم لا يؤيدون إمكانية قيام دولة واحدة، سواء كانت دولة ديمقراطية (12 في المئة يؤيدون) أو غير ديمقراطية (30 في المئة لا يؤيدون).
مثلما أن الجمهور الليبرالي في إسرائيل استيقظ على واقع الانقلاب النظامي بغطاء الإصلاح القضائي، فإنه من المحظور أن يبقى المجتمع في إسرائيل لامبالياً إزاء هذا التطور من الخداع والكذب والتضليل وتحطيم سلطة القانون في "المناطق" المحتلة.
الوحيدون الذين عملوا خلال السنين هي منظمات المجتمع المدني مثل "السلام الآن" و"يوجد حكم" و"بتسيلم" و"مجلس السلام والأمن" وغيرها، بالأساس برعاية من المحكمة العليا. نشاطاتها في إطار القانون أعاقت بل منعت أحيانا العملية الاستبدادية وكشفت للجمهور المهتم مظالم الاحتلال الإسرائيلي.
أيضا الآن عندما بقي الفيل في كابلان، أي النزاع مع الفلسطينيين، خارج الخطاب والحلم، فإن هذه المنظمات وغيرها تناضل يومياً ضد الظواهر الإجرامية للحكومة والمستوطنين في المنطقة نفسها.
من المهم ذاك اليوم الذي سيقف فيه 1000 شخص من بين الـ 150 ألفاً المحتجين في كابلان أمام كل بؤرة غير قانونية إلى أن يتم إخلاؤها.
عندها سنعرف أن حلمنا يشمل سيادة القانون وحقوقاً عالمية من المساواة والحرية لكل الذين يعيشون بين البحر والنهر.

عن "هآرتس"