الصراع الأكبر تحويل المصاعب والألم الى تحدٍ

تنزيل (2).jpg
حجم الخط

بقلم د  بكر أبو بكر

 

 

 لأكرر الفكرة الأساس وأعيدها لأن في الإعادة إفادة، وفي التكرار تثبيت واقتران ومثابرة بالقول أن المراحل الخمسة للتغيير في شخصيتي كانت بظني كالتالي
1-الانتقال من إطار العمل بالهندسة الى الإطار النضالي كتفرغ كامل
2-تغيير داخل الإطار النضالي، باتجاه الفكري والثقافي والأدبي
3- الفهم والنظرة والسلوك سيرًا باتجاه المدرسة الانسانية
4- في فلسطين-رفض هيمنة الاحتلال، ورفض هيمنة العقل الوظيفي السلطوي
5-تحويل الألم والصراع العقلي والنفسي الى فرصة ونافذة للعطاء والتغيير
وفي هذه الحلقة الخامسة والأخيرة يمكنني القول أنني كنت وما زلت أعايش بهذه بالمرحلة الخامسة الحالية من التغيير الكثير، حيث التناقضات الكبيرة والصغيرة في العمل السياسي من جهة بين العمل الوطني والتناقض الرئيس أي الصهيوني. وبين الحضاري العربي-الاسلامي في عمق فكرته ورسالته التي أحملها بمحبة وثقة وإيمان، وفي الإطار الوطني-الوطني أي بين التنظيمات وحركة فتح، وفي داخل أُطُر فتح ذات المساحة الأوسع من التباينات والاختلافات والشخصيات المتصارعة التي أعيشها يوميًا بحكم تواجدي في أطرها ومساحة حراكها ونفوذها، ثم بصراع علاقاتي الانسانية المختلفة باتجاهات عدة، وأنا ونفسي التي أكلمها وأحاورها ولا تمل الحوار أبدًا، وكلها صراعات أعايشها يوميًا وتعكس نفسها عليّ في عقلي ونفسي وروحي وسلوكي، وفي عملي الكتابي المتواصل، وفي عملي التثقيفي والتدريبي للكوادر، وفي طريقة تفكيرى وفي أدائي العام.
دوائر الصراع والألم
دعني أقول بشكل آخر أنه مع النضوج العقلي المرتبط بالتجربة، وعميق القراءات ومرور الزمن والوعي مقابل (اللاوعي) تجد أنك تخوض صراعًا، بل صراعات، واحيانًا حربًا في مساحة الأفكار، وفي مساحة العلاقات الانسانية ودوائرها القريبة والبعيدة، وحديثًا في مساحة الجسد المادي المنهك الذي يحتاج لاهتمام تم إهماله بقسوة في مراحل سابقة حتى ضج بالشكوى.
في هذه المرحلة الخامسة حيث تعاظم ما أسميته الصراع (الصراعات) الداخلية في نفسي اشتدت التناقضات والمصاعب التي سببت لي الألم والضيق الشديد، وأحيانًا ما أسميه الوجع المقيم
سواء بالدائرة الانسانية القريبة الأولى حولي حيث الأصدقاء والمقربين والزملاء.
أو الثانية التنظيمية العامة في الحركة.
أو الثالثة الوطنية (المغموسة بعمقها الحضاري الواسع)
أو الرابعة الجماهيرية
أو الخامسة تجاه الصهيوني.
وهي كلها التي دفعتني للمزيد من التفكّر والتأمل، والكتابة وبالطبع القراءة الموسعة في كل الاتجاهات وبتكثيف الفكري والنفسي والروحي.
في صراع أو حرب الأفكار المندلعة بشدة، قرأت بهذه المرحلة كثيرًا وكتبت كثيرًا، وطوّرت ونقدت ذاتي ومازلت.
في هذا الصراع اخترت أن اكون ما أنا عليه باعتقادي من انفتاح نسبي -لم يكن سابقًا- على الآخرين حيث وقع مني التجاور بخفة وهدوء، وبقلق غير مُقعد وخوف لكن محفّز لكل من الأفكار ذات الطبيعة التاريخية حيث تتوسطها دومًا فلسطين، وفي النظرة للاحتلال والصهيونية ذات الطبيعة العدوانية الإقصائية القاطعة، وفي مساحة الواقعية السياسية وتفهم الاختلافات في المجتمع وبين الفصائل...
وكل هذا سياق يقابله سياق التنمية الفردية، أو البناء الذاتي الشخصي من حيث محاولة الفهم والتفكر الدائم والتبحر بالنفس الانسانية والعقل وفي نفسي وروحي التي واجهت المشكلات والآلام (والوجع المقيم) بعد تعب شديد بتحويلها الى تحدٍ وليست الى أمر مُقعد وعقبة كأداء.
لقد كان هنا للبُعد الروحاني الديني أن شكل رافعة عظيمة، بل بالحقيقة في كل المراحل أوالمنعطفات. إضافة للطبيعة واحتضان الأرض والأشجار والازهار والسهول والجبال التي أعطتني الكثير الكثير مما أثّر في قابليتي للتحمل والاستمرار.
ببساطة عندما تقع المشكلة أو الأزمة (سواء العقلية بالشك والاستفسار ونشدان الحقيقة، أوالانسانية بالعلاقات والمواقف والمشاهد هنا) كان التفكيرلديّ يتصل بالرد على الفكرة المعاكسة أوعلى الشخص الآخر (هجوم أو دفاع)، وتنفيس حالة الاحتقان.
ثم تطوّر الرد ليتحول لتوجيه السؤال لذاتي أنا وليس الآخر كالتالي: ماذا أخطأت أنا؟ وكيف أطور ذاتي لاستيعاب الآخر(أو الفكرة الاخرى) واحتضانه، أصبحت المشكلة تحدي لي أنا، فأنطلقت للقراءة أكثر، لأجد مساحات جديدة كل مرة تحتاج لإغناء.
وهذا لعمري من أصعب ما يكون وأحيانًا هو أمر لايحتمل -أي أن تترك الآخر(فكرة أوموقف أوشخص...) خاطئًا أو جاهلًا أومسيئًا بوعي أو بغباء- حيث من الأسهل الهجوم والتصدي والبتر ولكن رحابة التفهم والاحتواء والاحتضان التي مازلت أتدرب عليها جاءت من عمق التجربة مع الروّاد، ومن الفهم للاختلافات فيما اطلعت عليه من آلاف الأوراق والدراسات في بناء الشخصية والتنظيم وعلوم الاجتماع والنفس والإدارة والقيادة....الخ، والتي أضافت الى العقل العلمي-الهندسي، والسياسي-التنظيمي- التحليلي بُعدًا هامًا.
لا أنسى أن أعيد التأكيد على الأخلاق والقيم والضمير المرتبط بالسياق الروحاني الذي مازلت أحتضن به القرآن الكريم لأكثر من 6 سنوات من حيث الاطلاع على مختلف التفاسير، وعقلي معها فاكتشف بهذا الكتاب العظيم الدنيا كلها والآخرة.
هذه المرحلة تحتاج لتفاصيل عميقة، ولربما تظهر أجزاء منها حيث التذبذب أو التنقل بين الحالات في كتاب قادم تحت عنوان قلم مختلف...لا أدري.
غيّر حياتك في 5 خطوات
لكن بجميع الأحوال يمكنني القول أن التغيير في الحياة من السرد السابق، إن كان للشخص أن يمسكه ويحتضنه ويطبقه بوعي، فهو مرتبط بخمس خطوات أساسية، عليك الانتباه لها هي كالتالي:
1-قيّم وضعك الحالي بصدق مع الذات (سواء بدائرة العلاقات، أو الفكرة، أو الجسد)
2-قرر تغيير ما تجده سيئا أو محزنا أو سلبيا ويحتاج لتغيير(محولًا الأزمة والالم الى مفاتيح تحدي، وإقدام)
3-انقل القرار من الدماغ (مرحلة التفكير والتخطيط) الى الواقع بأن تبدأ بخطوة أولى.
4-ثابر على تكرار الخطوة ذاتها أو الخطوات يوميا
5-التزم بما تفعل بتناسق وتناغم والتزام.
يقول "ويليام آرثر وارد" الكاتب والمفكر الأمريكي: "المتشائم يشتكي من الريح العاصفـة، والمتفائل يأمل في توقفها، أما الواقعي فيعدّل الأشـرعة".
ويقول ابن الفارض فيما رأيته صراع النفس والواجب، والمامول والواقع، والحب الإلهي ما استحسنته هنا:
ما لي سِوَى روحي وباذِلُ نفسِهِ*في حُبّ مَن يَهْواهُ ليسَ بِمُسرِف
فلَئِنْ رَضِيتَ بها فقد أسعَفْتَني*يا خَيبَة المَسْعَى إذا لم تُسْعِفِ
وهو القائل بذات القصيدة أيضًا:
ولقد أَقولُ لِمَنْ تحَرّشَ بالهوى* عرّضْتَ نفسَكَ للبَلا فاستهدف

كان المقرر أن يكون هذا المقال قصيرًا حول أدوات التغيير الخمس وهو ما أجملته هنا بالمقال الخامس الأخير فانهمرت الأفكار لأتخذ من نفسي نموذجًا لخوض الصراعات والتأثير والتأثر والتغيير ولعلني أوصلت الفكرة، وإن لم أفعل فما زلت أتعلم، وفي الجعبة الكثير.