عندما دعا الرئيس أبو مازن لعقد اجتماع للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية على خلفية الاجتياح الإسرائيلي لمخيم جنين والممارسات العدوانية للاحتلال الإسرائيلي، لم يتفاءل الناس بحصول شيء من هذا اللقاء. والسبب كان ولا يزال أن الفصائل عقدت اجتماعات كثيرة وتوصلت لاتفاقات عديدة ولم ينفذ منها أي شيء جدي، وكان آخرها لقاء الأمناء العامين في عام 2020، الذي عقد في رام الله وبيروت عبر «الفيديو كونفرنس». وبالتالي لم يعتقد غالبية المحللين وحتى المواطنين العاديين أن هذا الاجتماع سيكون مختلفاً عن سابقيه من حيث الخلوص إلى نتائج عملية للتطبيق.
الاجتماع في مدينة العلمين المصرية الذي غابت عنه ثلاثة تنظيمات وهي «الجهاد الإسلامي» و»الصاعقة» و»الجبهة الشعبية- القيادة العامة « كان مناسبة للفصائل لاستعراض مواقفها، حيث ظهر موقفان مختلفان حول ثلاثة أمور: الاعتراف بشرعية منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا، والاعتراف بالشرعية الدولية، وتبني المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي. وهذه المواقف التي يتبناها الرئيس ابو مازن وحركة «فتح» وغالبية فصائل منظمة التحرير، وتعارضها حركة «حماس» التي لها تفسيرات مختلفة لها، وهناك موقف للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ينسجم مع «حماس» في الموقف من المقاومة.
«حماس» تعتبر منظمة التحرير ممثلاً شرعياً وحيداً للفلسطينيين عندما تنضم إليها الحركة، غير ذلك تعتبر أحد الممثلين. وهذا ما تعارضه كل فصائل منظمة التحرير على اعتبار أن الاعتراف بوحدانية تمثيل المنظمة لا علاقة له بمن بداخلها أو بخارجها، فهي كانت الممثل للفلسطينيين قبل انضمام الفصائل لها. وهي حصلت على الاعتراف العربي والدولي وأصبح الموضوع مفروغاً منه وغير قابل للجدل. وهذا لا يعني عدم وجود حق لـ»حماس» أو أي فصيل فلسطيني بالتمثيل في مؤسسات المنظمة حسب وزنها الفعلي الذي ستقرره الانتخابات. ولكن لا يجوز الربط بين الاعتراف بوحدانية تمثيل المنظمة وبين أي قضية أخرى.
وفيما يتعلق بالشرعية الدولية، ترفض «حماس» الاعتراف بها، وهي تبرر موقفها بأنها لا تريد الاعتراف بإسرائيل، وتقول «فتح» بالمقابل أن الاعتراف بالشرعية الدولية لا علاقة له بالاعتراف بإسرائيل، وحركة «فتح» لم تعترف بإسرائيل أصلاً. وعدم التمسك بالشرعية الدولية يضعف الموقف الفلسطيني ويجعله عارياً وغير مسلح بأي أوراق قوة حقيقية، خصوصاً وأن العالم أجمع يرفض الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بناء على قرارات الشرعية الدولية. وهذا الموقف عموماً تؤيده فصائل المنظمة التي تطالب بشكل دائم بتطبيق قرارات الشرعية الدولية.
أما مسألة المقاومة الشعبية، فيعتقد الرئيس أبو مازن أنها ورقة قوة للموقف الفلسطيني في ظل الخلل الكبير في موازين القوى لصالح إسرائيل، وأن هذا الشكل من المقاومة يعوض النقص في القوة مقابل جبروت الاحتلال. وهو الذي يمكنه أن يحرج إسرائيل دولياً وحتى يقسمها داخلياً. وترى حركة «فتح» أن المقاومة الشعبية تحتمل بعض العنف، ويمكن للجيش الشعبي أن يستخدم بعض الوسائل العنيفة في ظروف معينة. بمعنى أنه لا «فيتو» على أشكال المقاومة الأخرى. ولكن الموقف الرسمي الذي تتبناه المنظمة يجب أن يعتمد «المقاومة الشعبية» كأسلوب لمواجهة الاحتلال متفق عليه ومقبول دولياً.
اجتماع «العلمين» كان يمتاز بالهدوء والعقلانية، ويمكنه أن يقود إلى نتائج لاحقاً إذا ما كانت الفصائل معنية بالتوافق والتوصل إلى موقف موحد، ولكن هذا الموضوع أصبح في علم الغيب ومؤجلاً إلى أجل غير مسمى حتى تتشكل اللجنة التي اتفق على تشكيلها لمتابعة مسالة الاتفاق وتتوصل لاتفاق شامل. وحتى نكون واقعيين لا تزال الأمور على حالها قبل الاجتماع وبعده. ومع ذلك هناك متغيرات لا بد من أخذها بالاعتبار وهي مستوى العنف الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وبرنامج حكومة بنيامين نتنياهو العنصرية المتطرفة القائم على شطب حل الدولتين وضم ما يمكن من الأراضي الفلسطينية المحتلة. والأزمات التي تعنيها السلطة الوطنية وخاصة الأزمة الاقتصادية وعدم قدرتها على تلبية احتياجات المواطنين على مختلف المستويات. ووضح «حماس» في غزة الذي بدأ يتفاقم مع استمرار الحصار وتقليص دعم «الأونروا»، والدعم القطري. وخروج المواطنين للتظاهر بصورة واسعة تشمل كافة مناطق قطاع غزة. وهذا عملياً يهدد استقرار حكم «حماس» في غزة. بمعنى أن الوضع الفلسطيني مأزوم في كل مكان ونحن بحاجة للوحدة أكثر من أي وقت مضى.
وهذا الاجتماع عملياً أعاد ملف المصالحة لمصر مرة أخرى وكرس دور الرئيس أبو مازن باعتباره الرئيس الشرعي الوحيد لكل الفلسطينيين. وعدم خروج بيان مشترك عن الاجتماع والاستعاضة عنه ببيان رئاسي هو في الواقع إنجاز للرئيس أبو مازن. ولكن لا تزال قضيتنا عالقة بين الخلافات والمصالح المتناثرة التي لا يوجد أي مبرر لبقائها وإمكانية الاتفاق واردة جداً إذا خلصت النوايا وكانت هناك إرادة جدية لتغليب المصلحة الوطنية على ما عداها خاصة في هذا الظرف العصيب الذي نمر به.