قرأت على لسان الراحل حديثا الكاتب الاديب زكريا محمد انه مع موجة الحر الأخيرة قد انهى علاقته بالصيف، قلت في عقلي : معه حق ، فقد كان صيفا "لّهابا" ، الوصف الذي اقتصر على شهر آب "آب اللهاب" ، في هذا الصيف الذي تعدت درجات حرارته المألوف ، نهارا وليلا ، في آب وتموز وحزيران وربما أيلول ، الذي قالت عنه العرب : ليله مبلول ، كان لا بد ان يترك أثره المباشر على نفسيات الناس و درجات تحملهم وعصبيتهم وانفجار غضبهم على اقرب مقربيهم ، وهي مسألة مرصودة في الاصياف العادية ، كنت ترى ارتفاعا ملحوظا في عدد الشجارات بين الناس، وكانت تتضمن أحيانا فتح قبور، على خلفية أسباب واهية او حتى تافهة .
وأظن ان ما يجري في جامعة الخليل، ليس كله سياسة ؛ "شبيبة" و "حماس" ، بل ان "الصيف اللّهاب" متورط في الموضوع وله علاقة مباشرة به ، فالخليل التي لا تقل محبة الشعب الفلسطيني لها عن القدس مسرى محمد ومعراجه ، ولا عن بيت لحم مهد اليسوع ، مذوده ومغارة حليبه . كانت – الخليل – قد ابتليت بشجارات عائلية مؤسفة ومؤلمة ، وأزهقت عند شرارتها أرواح شريفة وبريئة حتى نجح رجال الخير والإصلاح من تطويقها لتقدح اليوم شرارة أخرى في الحرم الجامعي الذي نظر اليه الناس نظرة أمل وقّاد ان ينجح في لجم التخلف والتعصب وشعارهم الخالد "معاهم معاهم، عليهم عليهم" .
سألت شيخ عشائري، ان كان للصيف اللّهاب هذا العام علاقة بذلك، نفى ، وقال ان الخلافات العشائرية شائعة في بلادنا ، في الصيف والشتاء ، حتى في شهر رمضان الفضيل الذي حل هذا العام في فصل الربيع ، تجدها قد انفجرت واستشرت . وسرعان ما ذهب ذهني الى جامعة النجاح وبعدها الى الجامعة الامريكية وقبلها الى بيرزيت وبيت لحم.
وسألت نفسي : حتى في ظل اجتماع أمناء الفصائل التصالحي ؟ وأجبت نفسي : لم يكن الاجتماع تصالحيا ، بل استئثاريا وتفرديا وتفوقيا ، وهي نزعات لا تستقيم مع التصالح والوحدة . هو ما ينسحب على الجامعات وساحات المدن والقرى و المخيمات ، تذكرت في غمرة أيام مقتلة نزار بنات، ان امين عام فصيل من فصائل الكسور العشرية هدد ان يوقف المظاهرات والاحتجاجات عبر تميمة "شارع بشارع" ومع ذلك دعي الى لقاء القاهرة التصالحي .
ان الذي يضع حدا لهذا الانفلات ، هو تطبيق القانون تطبيقا صارما ، وهو الامر الذي لم يحدث ابدا ، لا في الخليل ولا في نابلس ولا في جنين ولا في سحل المتظاهرين في الشوارع بمن فيهم المفكر الاديب "زكريا" الذي لم يشفع له قلمه السيّال ولا عمره السبعيني من ان يتعرض للضرب والشتم والحبس. لحسن حظه انه لم يخرج علينا من يقول انه كان جنائيا .