عبّر الرئيس الامريكي السابق "دونالد ترامب" عن رغبته بتسمية خطته صفقة القرن (أو صفعة القرن كما أسماها الرئيس أبومازن) باسمه، وهي الخطة/المؤامرة التي بدأت تتدحرج من طرحها أمريكيًا في ورشة بالبحرين عام 2018 حتى الاعلان عنها العام 2020 في واشنطن، وبدون استشارة أو حضور أصحاب الشأن أي الفلسطينيين.
أراد الرئيس الأمريكي السابق أن يسميها باسمه أي أن تكون "خطة ترامب" لكن من الواضح أن السياسة الممزوجة بخليط الدين بالفهم الفاسد (الصهيونية المسيحية التي ينتمي إليها) تعدّ ذات فائدة عظيمة وأولوية في المنطقة العربية التي أسموها "الشرق الاوسط".
في البداية الاستعمارية تم تسمية المنطقة ب"الشرق الأوسط" لتسهيل إدماج الكيان الصهيوني بها، ضمن المخطط البريطاني-الغربي-الأمريكي منذ أواخر القرن 19 حيث لا يستقيم أن تكون التسمية بالمنطقة العربية أو المنطقة العربية الاسلامية، أو المنطقة الحضارية المشرقية أو غرب آسيا، أوغير ذلك من تسميات ذات صلة بحضارة المنطقة العريقة. ويصح أن ترتبط باختراع غربي مرتبط بهم، فالاسم الجغرافي هو الشرق الأدنى أوالأوسط بالنسبة لهم، فهم المركز ونحن على هامشه أو في ذيله أدنى أو أوسط.
تجيء تسمية المخطط الترامبي الصهيوني ضد المنطقة برمتها باسم يقابل اسم إبراهيم (ع) في مقاربة استهبال واستغفال واستغباء للشعوب العربية التي بمسلميها ومسيحييها تكنّ الإجلال للنبي إبراهيم عليه السلام، لدفعها أن تتقبل القديم (الأصل التوراتي/التناخي للمسائل) بالجديد (السياسي/الصهيونية المسيحية/العقل التاريخي التوراتي) المستمد منه بغرضهم، أي لتقبل إبرام أو إبراهام المذكورفي التوراة، وبالتالي تمرر الاتفاقية على غالب الجمهور وإن بشكل نفسي في البداية كمنطلق للعقلي، وهما أي إبراهيم وإبرام على طرفي نقيض بالحقيقة، فالسرد التوراتي بحقه فاسد كما الاتفاق فاسد.
إن عملية إدخال البُعد الديني الفاسد ودمجه بالقومي بإشارات أن هؤلاء أبناء اسماعيل (ع) وأولئك أبناء اسحاق (ع) هي أكذوبة تاريخية كبرى، فلا علاقة البتة بين القوميات الحديثة (نشأت القوميات في القرن ال18)، بما كانت قبائل قديمة أو جماعات أو أنساب وما نتج عنها، بمعنى أن النبي إبراهيم عليه السلام ونسله من بعده مهما كانوا، قد توزعوا تاريخيًا الى قبائل مختلفة، وبشرائع أو ملل (جمع ملّة) مختلفة، وفي ظل عشرات الأقوام ومئات القبائل الأخرى.
كان من اللاحق التاريخي قبيلة يعقوب (ع) التي هناك اعتقاد أنها نفسها قبيلة إسرائيل، فيما تشير دراسات أخرى الى أن يعقوب النبي غير إسرائيل المنحدرة منه قبيلة بني إسرائيل.
وبجميع الأحوال فإن قبيلة بني إسرائيل العربية القديمة هي قبيلة مندثرة اليوم لا صلة لها بالمحتلين لبلادنا فلسطين. أن محتلي فلسطين بكل الإشارات التاريخية والعلمية لا صلة لهم بالقدماء من بني إسرائيل المندثرين، بل هم بغالبهم من منطقة الخزر(بحر قزوين) وسط آسيا وباعترافهم هم (كوستلر، زاند...).
الإدخال الديني في الاتفاقيات أو في خطة ترامب هو إشارة خبيثة (لقرابة دم)!؟ مصطنعة أومخترعة، أو لتمازج قوميات! وهو تحليل سخيف لمضامين سردية قديمة سقطت منذ زمن، وفي خلط متعمد بين الديني والقومي، والقَبَلي والسياسي غير مقبول علميًا.
الاستغلال السياسي-الديني الفاسد يريد بالخلط المتعمد إحداث التضليل، والتشويش بالقلوب والعقول، والحصول على تقبل المسلمين والعرب (إبراهيم) بالمنتج الجديد المتسمي حسب القديم المندثر أي (الإسرائيليين) اليوم (ابرام/التوراتي)! لاسيما إن تم ذلك الاختراق، فيصبح الأصل هو الأقدم!
يريد المستعمرون المضلِلون والمحتلون في الإطار نفسه إفهام من لا يفهم أن الملّة اليهودية هي قومية للإسرائيليين المحتلين لفلسطين! في إسقاط خلط القديم مع الجديد، وهذا ما يعدّ تبريرًا لقانون القومية العنصري الصهيوني أيضًا الذي افترض باليهود الملّة من مختلف الجنسيات بالعالم قومية واحدة! وتحتكر هذه (القومية-الملة اليهودية) في فلسطين حق تقرير المصير في فلسطين دون أهل البلد العرب الفلسطينيين منذ الأزل.
إن إبراهيم عليه السلام لا علاقة ولا صلة له بإبرام (ابراهام) التوراة بتاتًا، وإن تقاربت بعض الأحداث والأسماء مع بعضها البعض (أي بين بعض قصص القرآن الكريم، والتوراة التاريخية) وذلك لأن الصفات والقيم وطبيعة التصرف بالمواقف التي وصف بها إبرام -والأنبياء غيره- بصفات فاسدة ومعيبة وساقطة بالتوراة، لا علاقة لها بما هو بالقرآن الكريم من قريب أو بعيد. ما يجعل منهما (ابراهيم مقابل ابرام) وكأنهما متشابهين بالأسماء فقط لاغير. فلهم إبرامهم وهذا شأنهم، ولنا النبي إبراهيم عليه السلام الحنيفي المسلم الموحد كما أوضح القرآن بجلاء.
ليس القديم هو الأصل (أحداث التوراة والتناخ التاريخية)، فالتضليل والكذب والتشويه والسرقة من تاريخ الشعوب الأخرى، والخلط وتعمد الاجتزاء والأسطرة والخرافات والتجارة بمرويات القديم لا تؤهل القديم ليكون سندًا أومرجعًا أو حجة على اللاحق خاصة بالتاريخ وأيضُا بالمعتقد والأخلاق، فاللاحق (القرآن الكريم-وهو ليس كتاب تاريخ وإن تضمن القصص بقصد العبرة والحكمة) هو الأدق والأصح والأنقى ببُعده عن الإدخالات والشوائب والمصالح كلها، فلا صلة.
يذكرالمؤرخ د.علاء أبوعامر، بكتابه فلسطين السورية الفينيقية 700-300 ق.م، الصادر عن مكتبة كل شيء، ص11: "صُدم الباحثون التوراتيون أن التوراة ليست الا مجموعة من النصوص المتناقضة، مصدرها حضارات أقدم منها، وصُدموا أكثر عندما لم يجدوا أثرًا لشعب دُعي بالعبري، ولم يجدوا دولة اسمها اسرائيل، ولم يكن هناك امبراطورية فلسطينية قادها داود أو ابنه سليمان…اليوم لم يعد أحد يؤمن بتاريخية هذه النصوص الا المتدينين من اليهود والنصارى وفريق من المسلمين الذين يعتمدون على كتب الاخباريين العرب التي استنسخت التاريخ التوراتي والتلمودي".
في إطار الخلط بين الديني والسياسي، والقومي بالديني انطلقت مفاهيم تنظّر لدين جديد مخترع أي ما يسمى الدين الإبرامي (ابراهامي) استنادًا للقرابة (العرقية) المختلقة السابقة، مع ما يعنيه ذلك من مسح ومسخ للأديان (أو بالأصح الملل) وتحدي للدين الاسلامي بوضوح، وكأن الأديان الحالية (تجاوزًا) عبارة عن تنوعات مقبولة على وتر واحد! وهو غير صحيح بتاتًا من الزاوية العقدية ولا حتى من زاوية الرواية الصحيحة.
إن ما يصح بالنسبة لنا فقط هو أن أصل الأديان كلها واحد أي التوحيد منذ آدم (ع) حتى ختم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ما تم البدء فيه بيضاء نقية، فيما انحرف الآخرون من قبائل عدة وأقوام عبر التاريخ واخترعوا ديانات (ملل: نقول ملل جمع ملّة لأن دين التوحيد لله سبحانه وتعالى واحد، بينما الملل القائمة سوى الاسلام شيء آخر) مختلفة.
بالعودة للاتفاقيات فهي بالحقيقة اتفاقيات (ابرام/أو ابراهام-ترامب) أو (ترامب-ابرام) حيث انتفاء الصلة بين المفهوم الإسلامي، والمفهوم التناخي التوراتي وكذلك الامر انتفاء الربط التضليلي بين القومية والملة (أو الديانة).
لن يستطيع المحتل لأرض فلسطين أن يجد من الحجج التاريخية ما يؤهله لاغتصاب الأرض أرضنا فلسطين، فلم تعد الروايات الحديثة والدراسات العميقة وعلم الآثار، وعلم اللغة المقارن (الفلولوجيا) وعلم الإناسة (الانثروبولوجيا)، وغيرها، أن تتقبل البتة روايتهم التاريخية التوراتية-التناخية، هم والصهيونية المسيحية أيضًا.
وهم يعلمون ذلك، لكن المصلحة الاستعمارية بغرس الجسد الصهيوني في المنطقة العربية يعتبر أولوية قصوى لذلك يقع الاجتهاد الاستعماري بترسيخ روايتهم بالنفوس بكل الطرق بالسياسة والقوة وبالاستناد الديني-التاريخي المضلل، فتصبح "إسرائيل" في أرض فلسطين هي توراة الغرب بحقيقة الأمر، وإنجيلهم المقدس لا غير.