في وقتٍ تعاني فيه عديد من العملات، لا سيما في البلدان النامية، من تراجعات حادة تحت وطأة الأوضاع الاقتصادية الضاغطة تبعاً لمجموعة التطورات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، دائماً ما يبحث الكثيرون ممن لديهم فوائض مالية عن السبل الأنسب للحفاظ على قيمة أموالهم ومدخراتهم كي لا يخسرونها في ظل ارتفاع الأسعار على نحو واسع.
وعادة ما يكون قرار استثمار المدخرات واختيار الآلية أو القناة المناسبة، صعباً بالنسبة لأولئك الذين لا يمتلكون قدراً كافياً من المعلومات عن سبل الاستثمار ومبادئه، وبالتالي يحصرون أنفسهم في القنوات الآمنة للحفاظ على مدخراتهم مثل البنوك، والاعتماد على عوائدها لتنمية تلك المدخرات، بعيداً عن الأصول المالية التي تحمل نسبة مخاطرة وغموضاً بالنسبة للبعض.
واستثمار المال هو عملية وضع الأموال في أصول مالية مختلفة؛ بهدف تحقيق عائد مالي على المدى المتوسط أو الطويل. ويمكن أن يكون الاستثمار تجريبياً للمبتدئين لأنه يتطلب فهماً أساسياً لتلك الأصول المالية المختلفة وكيفية عملها.. وفيما يلي بعض الأصول المالية التي يتعين على المبتدئين معرفتها عند البدء في الاستثمار:
الأسهم (الأسهم العادية): حصص من رأس المال المملوكة للشركة، وعند شراء سهم، يمكن أن يكون لديك حقوق ملكية جزئية في الشركة. قيمة الأسهم قابلة للتغيير بناءً على أداء الشركة والعوامل الاقتصادية والسياسية.
السندات: أدوات دين تصدرها الحكومات أو الشركات لجمع الأموال. عند شراء سند، تقوم بإقراض المبلغ للجهة المصدرة بمقابل "فائدة ثابتة"، وفي نهاية المدة، يُعاد إليك المبلغ الأصلي.
صناديق المؤشرات: هذه الصناديق تتبع مؤشر معين مثل مؤشر الأسهم العامة، وهي تهدف إلى تحقيق نفس أداء هذا المؤشر. تعتبر صناديق المؤشرات خياراً شائعاً للمبتدئين لأنها توفر تنوعاً وتقلل من المخاطر المرتبطة بتحديد أسهم فردية.
العقارات: الاستثمار في العقارات يعني شراء العقارات السكنية أو التجارية بغرض تأجيرها أو بيعها لاحقاً. تعتبر العقارات استثماراً شائعاً للحفاظ على القيمة على المدى الطويل.
الذهب وسلع أخرى: تشمل السلع الذهب والفضة والنفط والحبوب وغيرها. يمكن شراؤها كاستثمار للاستفادة من التغيرات في الأسعار على مدى الوقت (طويل الأجل).
العملات الأجنبية: يمكن شراء وبيع العملات الأجنبية بهدف تحقيق ربح من تغير أسعار الصرف بين العملات، وهو نمط شائع من الاستثمار يلجأ إليه البعض، وسط مخاطر متباينة.. أو الاستثمار في الأسهم الدولارية بالبورصات.
الصناديق المشتركة: تسمح لمجموعة من المستثمرين بدمج أموالهم لشراء مجموعة متنوعة من الأصول المالية، مما يقلل من المخاطر ويحقق تنوعاً.
ويشار هنا إلى اختلاف الأصول الأنسب لكل فرد طبقاً لاستراتيجية الاستثمار، ما بين الاستثمار النشط والاستثمار السلبي، إذ يمكنك اختيار إما الاستثمار النشط حيث تقوم بتحليل السوق واختيار الأصول بناءً على توقعاتك الشخصية، أو الاستثمار السلبي حيث تستثمر في صناديق مؤشرات أو صناديق استثمارية تتبع سلوك السوق.
عوامل أساسية
تقول خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، إن ثمة عديداً من العوامل التي يتحدد بناءً عليها الأصول الملائمة للاستثمار بالنسبة لكل فرد، بدءاً من تحديد القدرات المالية، وكذلك الموقف من تحمل المخاطرة، والهدف من الاستثمار لجهة العائد المرغوب فيه بين العوائد قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل.
وتضيف: "على سبيل المثال، إن كنت من الشخصيات التي تُفضل عدم المخاطر، يمكنك اللجوء إلى الاستثمار في سندات وأذون الخزانة، وكذلك إن كنت تريد الحصول على عائد قريب بحيث يُمكنك الاستثمار في تلك العطاءات". أما إن كنت من الأشخاص الذين يتحملون المخاطرة، فيمكنك الاستثمار في أدوات الاستثمار والخيارات الأخرى.
وتشير في الوقت نفسه إلى عددٍ من الأصول التي يُنظر إليها كـ "مخزن قيمة" أي يمكن للفرد حفظ قيمة أمواله بها، دون انتظار عائد شهري أو سنوي، مثل الذهب، وتقول: "الذهب من جوانب الاستثمار المهمة، ويعد ملاذاً آمناً (..) يُمكن أيضاً الاستثمار في وثائق الذهب (على غرار تلك التي أتاحتها مصر أخيراً)".
وتلفت في السياق نفسه إلى "العقارات" بجانب الذهب، ضمن الخيارات الأكثر تفضيلاً للمستثمر طويل الأجل، الذي لديه قدرة مالية مرتفعة، مشددة على أن "العقارات والذهب من الأصول التي لا تدر عائداً سريعاً، لكنها استثمار طويل الأجل، أي تدر ربحاً أوسع عند التسييل".
كما تتحدث في السياق نفسه ضمن الخيارات، عن "الاستثمار في العملات"، موضحة أنه يمكن الاستثمار من خلال الأسهم الدولارية في البورصات، والتي تعد مخزن قيمة للمدخرات، على أساس أنه عندما تنتعش سوق الصرف تجد تلك الأسهم مجالاً واسعاً لدى المتعاملين وتسجل ارتفاعات رأسمالية وبالتالي تحقيق مكاسب أكبر.
وتتابع خبير أسواق المال، قائلة: "يُمكن للمتعاملين الراغبين في الاستثمار متوسط وطويل الأجل أيضاً الاتجاه للأسهم المنوعة، والتي نسميها أشباه لنقود، أي يمكن للفرد إدارة استثماراته بنفسه.. وإن لم يكن على معرفة كافية بإدارة استثماراته يُمكن اللجوء على صناديق الاستثمار المتوافر منها أكثر من إصدار، إلا أن واحدة من سلبياتها -لا سيما بالنسبة لأصحاب الملاءات المالية الأقل- المصاريف الإدارية المرتفعة، نظراً لحصولها على عمولة مقابل الإدارة".
وفي غضون ذلك، يتعين على المبتدئين تعلم مخاطر كل نوع من الأصول المالية والقواعد والاستراتيجيات الأساسية للإدارة الناجحة للمحفظة الاستثمارية. وقبل الاستثمار، ينصح بالتحدث إلى مستشار مالي محترف للحصول على نصيحة وتوجيه شخصي لتحديد أفضل الخطط استناداً إلى أهداف الاستثمار ومستوى التحمل للمخاطر، كما يُنصح كذلك بما يلي:
التعلم والبحث: قبل الشروع في أي استثمار، من الضروري أن تستثمر الوقت في التعلم والبحث. قراءة الكتب والمقالات المتعلقة بالاستثمار والتحليل المالي، والاطلاع على مصادر موثوقة عبر الإنترنت، وتحسين معرفتك المالية سيمكنك من اتخاذ قرارات استثمارية أكثر ذكاءً.
تحديد أهداف الاستثمار: حدد أهدافك الاستثمارية بوضوح. هل ترغب في تحقيق عائد مرتفع على المدى القصير أم تخطط للاستثمار على المدى الطويل؟ تحديد الأهداف سيساعدك في اختيار الأصول المناسبة والاستراتيجيات الملائمة.
إدارة المخاطر: يتعين أن تكون على علم بالمخاطر المرتبطة بكل نوع من الاستثمارات، وكيفية إدارتها. استخدم مبدأ "لا تستثمر ما لا تستطيع تحمل خسارته". قم بتحديد نسبة معقولة من رأس المال التي يمكنك المخاطرة بها في الاستثمار.
ولا تنصح رمسيس باتباع استراتيجية "لا تضع البيض في سلة واحدة" عند البدء لأول مرة في الاستثمار بالأصول المتاحة، مشيرة إلى أنه في البداية (بالنسبة لأصحاب المعرفة الضعيفة بأسواق المال أو المبتدئين) اتخاذ قراراتهم الاستثمارية بما يلائم شخصياتهم وقدرتهم على المتابعة والفهم والمعرفة، وعندما يكتسب الخبرة في الاستثمار والمعرفة يتم الدخول في قنوات أخرى وأوعية استثمارية جديدة".
كما تنصح في السياق نفسه بعدم استثمار كامل الفوائض المالية، إذ يُنصح دائماً بالبدء بجزء صغير، وما إن نجحت في تحقيق مكسب يُمكن الاتجاه بموازاة ذلك إلى استثمار آخر، وإذا لم تحقق مكاسب يمكن إغلاق الخسائر والتوجه لوعاء استثماري آخر.
وعادة ما ينطوي الاستثمار على مخاطر، ولا توجد طريقة آمنة تماماً للاستثمار. فإذا كنت غير متأكد أو تشعر بأنك غير قادر على إدارة استثماراتك بنفسك، فكر في التحدث إلى مستشار مالي محترف الذي يمكنه مساعدتك في تحقيق أهدافك المالية وتحديد أفضل خطط الاستثمار بناءً على وضعك المالي وأهدافك.
المصدر: سكاي نيوز عربية