ثمة ما هو معروف في مكونات الدولة اللبنانية المضطربة والتي تتعدد فيها الأزمات منذ الخمسينات من القرن الماضي، حيث تبرز قضية اللاجئين في محاور السياسة الداخلية اللبنانية المبنية على المحاصصة المذهبية والحزبية والدينية، وكان هناك تداخلات إقليمية متعددة، وعلى ما أذكر لحل بعض شفرات تلك المعادلات كانت الوساطه السعودية واتفاق جدة إن لم تخني الذاكرة، ولكن أزمة اللاجئين الفلسطينيين الذين ينتمون للديانة الإسلامية السنية وتعدادهم البشري يؤرق كثير من الطوائف والأحزاب، وكان لهذا الأرق فرضية التوطين وأطروحاتها التي قد تؤثر على نسب المحاصصة، سواء في البرلمان أو الحكومة، وبالتالي كان القاسم المشترك من جميع القوى اللبنانية أن يحرم الفلسطيني من 54 وظيفة في لبنان والمُعيل بشكل مباشر للاجئين الفلسطينيين الأونروا ... ومازالت وبرغم أن الفلسطينيين كانوا معرضين للتنكيل والمطاردة والظلم من قيادة وعناصر المكتب الثاني اللبناني ما قبل وجود الثورة الفلسطينية والوجود المسلح الفلسطيني، حيث تحسنت أوضاع الفلسطينيين بوجود الكيانات المسلحة الفلسطينية وانخراط كثير أو غالبية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بحركة التحرر الوطني بكل فصائلها ومن ثم اضمحلت قدرات الدولة اللبنانية في السيطرة على المخيمات الفلسطينية، وخاض الوجود الفلسطيني معارك طاحنة مع قوى التطرف المسيحي وأحياننا الشيعي في بعض المراحل لتكييف ممرات الثورة الفلسطينية وهذا ما عجزت عنه، ولكن القشة التي قصمت ظهر البعير الحسابات الخاطئة لخروج قوى منظمة التحرير من الساحة اللبنانية في عام 82 بعد الاجتياح حلما بوعود فيليب حبيب بدولة كانت على سراب بل أصبح الواقع الفلسطيني أسوأ مما كان وخاصة بأطروحات البرنامج السياسي لحملة حقيبة أوسلو.
الواقع الفلسطيني اللاجئ بعد خروج قوات منظمة التحرير مر في حالة التيه والخذلان وسوء المعيشة مما اضطر عشرات الآلاف من اللاجئين للهجرة لدول أوروبا وأمريكا اللاتينية بمساعدات للهجرة أمريكية ماسونية لإضعاف قوة اللاجئين في لبنان وتأثيرهم على الخط السياسي والوطني وكانت مذابح صبرة وشاتيلا بتعاون مشترك بين الكتائب والجيش الإسرائيلي، بالتأكيد أن من يحملوا حقيبة أوسلو لم يتخلوا عن مكان ولو كان ضيق للمراهنة عليهم في تطبيق برنامجهم من قوى أمن في داخل المخيمات وأمن وطني وغيره لضبط المعادلة الداخلية في المخيمات أمام قوى وفراغ تركته حركة فتح في داخل الساحة اللبنانية، من تبقى من اللاجئين في الجنوب والشمال وبيروت ارتبطت معيشتهم برواتب السلطة لحد ما، ولكن توزيع القوى في الساحة اللبنانية كحزب الله وأنشطة مسلحة أخرى لقوى إسلامية قد بدأ يغير بعض ملامح المعادلات الداخلية في المخيمات التي تحمل برامج مغايرة لبرامج السلطة الذي لم يقر في الشرعية الدولية إلا بحل الدولتين "السراب" الذي لم تعترف به حكومات إسرائيل سواء يمينية متطرفة أو معتدلة أو ما يسمى اليسار الإسرائيلي .
لا أريد أن أدخل هنا في حرب المخيمات وتاريخها فهو معروف والقوى التي شاركت فيها ولكن ما يهمني الآن نقاط أساسية في المعادلة اللبنانية وأزماتها الراهنة:-
1 – لبنان من عدة شهور تعاني من أزمة دستورية فهي بلا رئيس.
2- لبنان تعاني من انهيار اقتصادي وضعف في البنك المركزي وانهيار المخزون بالعملة الصعبة.
3- لبنان تعاني من عدم وجود حكومة توافقية دائمة وهناك حكومة مسيرة فقط.
4 – مازالت لبنان تعاني من آثار تفجير الميناء.
العروض المقدمة للبنان للخروج من أزمتها الاقتصادية والدستورية والأحزاب و تقاسم الأحزاب والمذاهب والطوائف
1 – طرحت الإصلاحات ولكن كيف يمكن أن يتم الإصلاح في داخل الساحة اللبنانية وهناك صواعق تفجير في اختلاف الغايات والمذاهب المذهبية والحزبية والتي لها امتدادات تعكس التناقض في الساحة الإقليمية الدولية.
2 – الصراع قائم الآن بالضغط على كل القوى اللبنانية كل منها يريد الحسم رغم أن الدولة الليبنانية ذهبت بواسطة أمريكية لتقاسم آبار الغاز، ولكن هذا لا ينفي أن حزب الله بقوته له شأن في المعادلة السورية والأهم الاستعداد للمتغير الإقليمي وتوزيع القوى والنفوذ المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني والمواجهة مع إسرائيل في حين إن كان الخيار المواجهة والحسم في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط.
- ترابط الأزمة اللبنانية أيضا بهوية اللاجئين وما يطرح:-
بالتأكيد أن هناك طبخة تطبخ إقليميًا ودوليًا لإنهاء حق العودة وأنا أؤكد ماجاء على لسان اللواء منير مقدح "أبوحسن" والأطروحات التي تدار الآن لتفجير المخيمات وإن خمدت آنيًا بل إنني أرشح أن هناك مواجهة كبرى تعد في الساحة اللبنانية والتدخل المباشر في المخيمات لإنهاء حق العودة وظاهرة اللجوء بفتح البرنامج اللبناني على الوجود الفلسطيني كالتوطين ومنح اللاجئين الفلسطينيين هوية المواطنة وما تكفله من عداله وقانون لبناني يتناول بالمساواة الوجود الفلسطيني بالمواطنة اللبنانية ولكن .. هل تقبل الطوائف الأخرى بتغيير التركيبة السكانية وهل يقبل حزب الله بذلك وما هو الثمن لكي يقبل ! المسيحيون بتغيير تلك المعادلة السكانية وهل يقبل الدروز أيضا أما السنة فأعتقد الأقرب للموافقة لتلبية تحسين وضعهم في المؤسسات السيادية في لبنان.
لو ربطنا هذا التحليل بالمكالمة التلفونية بين رئيس السلطة محمود عباس مع قائد حزب الوقات اللبنانية "الكتائب" وزيارة ماجد فرج ودعوتهم للدولة اللبنانية للسيطرة على المخيمات ونزع سلاحها ومراقبة الانشطة الداخلة والخارجة منها سنكون أقرب لهذا التحليل.
في كل الأحوال لبنان الذي يعاني من أزمات اقتصادية طاحنة معرض للضغوط لكي يوافق على تلك الطبخة وإعطاء ثمن لكل طائفة ومذهب ولكن في النهاية أيضا حزب الله يمتلك ثقل كفة الميزان في تلك المعادلات المرتبطة بتوزيع القوى الإقليمية وبرنامجها في المنطقة بين الحرب والسلم وتقاسم المصالح بين إيران وأمريكا والغرب باستثناء الدور التركي.