لم أتردد في الاستمرار بالكتابة وابداء الرأي المكفول لي شخصيا في القوانين الوطنية والدولية، على أساس أن لكل انسان الحق في التعبير عنه بأية وسيلة مشروعة مادام أنه يتفق والقوانين النافذة والمرعية على الصعيدين المحلي والدولي، وما دام أنه لا يتسم بأية صفة تفيد التحريض أو التشهير بأي شخص.
ولما كانت الاحداث متسارعة ومتدحرجة وما تزال في جميع مناطق الضفة الغربية دون استثناء، منذ سنوات طويلة وعلى وجه التحديد خلال بداية هذه السنة، فهذه الاحداث القائمة ستسمر ضمن دوامة الصراع بين الفلسطينيين كشعب واقع تحت الاحتلال بصورة مخالفة للقانون الدولي، وبين الاحتلال العسكري الإسرائيلي كأداة احتلال واتباعه من المستوطنين المتطرفين، ومادامت قوات الامن الإسرائيلية تتراخى في كبح جماح المستوطنين ومنعهم من أن يعيثوا في الأرض فسادا، وكنتيجة في بعض الأحيان لتوفير بعض عناصر تلك القوات حماية لعنف المستوطنين الخارجين على القانون، مما سيشكل هذا التصرف دافعا لزمرة المتطرفين من المستوطنين ومنهاجا أساسيا في الاستمرار بالتنكيل بأرواح الفلسطينيين وممتلكاتهم.
الأمر الذي ستشكل تلك الاعتداءات محورا جديدا في الصراع، وسيتخذ طابع الانتقام وستتفاقم نتائجها بصورة لا تحمد عقباها، مما سيزيد من دافع العنف المضاد.
لا يقبل العقل والمنطق قبول فكرة سلطات الاحتلال وفق سياساتها المعلنة، بأنها في صدد دراسة تقديم برامج اقتصادية ضمن مسمى التسهيلات على حياة الفلسطينيين، وهي ذاتها لا تحاسب جماعة فاسدة من المستوطنين ملطخة أيديها بدماء الأبرياء من الفلسطينيين، وتتركهم دون عقاب رادع يمنع من تكرار أفعالهم الإرهابية، ودون وضع حد من فعل سيقابله ردة فعل، بل لا يقبل أي عاقل أن تكون حكومة في العالم ضمن تشكيلة هذه الحكومة الإسرائيلية، التي تميل إلى التطرف يوما بعد يوم، وتزيد من إجراءات التصعيد والتنكيل بالشعب الفلسطيني ميلا كبيرا، وللأسف المجتمع الدولي صامت.
لست من دعاة العنف المضاد، ولكن أضع الصورة وأنقلها كما هي، كما ولا يمكن إلزام المتضرر والمعتدى عليه بتطبيق مبادئ المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، ونطلب من الفلسطيني الذي يذبح وتنتهك كرامته وتسلب وتحرق أمواله أمام عينيه وامام أعين المجتمع الدولي صاحب المعايير المزدوجة، ونقول له:" من لطمك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر"، محال ذلك واستحالة تطبيقه، لأن العفو فقط عند المقدرة، والمقدرة لا تتحقق قانونا ونفسيا إلا عند تطبيق العقوبة على المعتدي، ليشعر الضحية أن هناك قانون سينفذ بحق الجاني.
لاحظنا في الآونة الأخيرة الوزير بن غفير، كيف يطالب أتباعه بعدم التحريض على الموت للعرب، وانما طالب مؤيدوه التحريض بالموت للمخربين! ومن المؤكد أنه يقصد كل فلسطيني سواء يقطن أراضي الضفة الغربية أو الفلسطيني ضمن أراضي فلسطين التاريخية.
أنا شخصيا لا استغرب تصريح وزير من اشكال بن غفير، لكن لو اطلعنا على تلك العبارة فهي تشمل كل من يتخذ من التطرف والإرهاب سبيلا وفق مفهومهم، مما تنطبق حُكما على المستوطنين الذين يعيثون في مناطق الضفة الغربية التخريب والتدمير من حرق وقلع الأشجار وجرائم على الأشخاص من الفلسطينيين والمتضامنين معهم من الأجانب، الامر الذي يفيد حكما أنه يدعو إلى قتل مستوطنيه، فلا يلومن بن خفير إلا نفسه، لأن المجتمع الإسرائيلي سيثور عليه، لاسيما وأن هذه العبارة مطلقة فضفاضة استخدمها وزير لا يتقن فن السياسة وحُسن الكلام.
كما لاحظنا في الآونة الأخيرة، تلاعب القضاء الإسرائيلي في المصطلحات القانونية والتشديد على استخدام مصطلح عنف المستوطنين دون استخدام مصطلح إرهاب المستوطنين، مما سيزيد من تعقيد المشهد، لأن التهاون في تطبيق صحيح أحكام القانون على المستوطنين اللذين قتلا قبل ايام الشاب قصي معطان"، بإطلاق سراحهما والاكتفاء بالحبس المنزلي على أساس عدم توفر أدلة كافية بشأن القتل العمد تبرر احتجازهما في المعتقل!
فهذه الاحكام ستعزز من العنف، كيف لا والقضاء ذاته يبرئ الشرطي الذي قتل الشاب المقدسي اياد الحلاق من ذوي الاحتياجات الخاصة من تهمة القتل كذلك، والكميرات وثقت عملية اطلاق النار بصورة جنونية من الشرطي الذي أعدم الشاب اياد ميدانيا في القدس دون وجه رحمة أو شفقة، في الوقت الذي كانت تصرخ معلمته في وجه الشرطي القاتل وتقول: بأن اياد ذو احتياجات خاصة....، والحالات عديدة لا يسمح المقام سردها، فلم يخجل الشرطي من نفسه ولم يعبر عن ندمه ولم يطلب العفو من ذويه، لكن سنرى قريبا تقارير طبية تفيد الحالة النفسية التي ستكون عليها شخصية ذلك الشرطي، لأن عذاب الضمير لا يشفيه إلا العقوبة الرادعة، مما ستكون حياته جحيما ونومه مليئا بالكوابيس، فلن تفيده العقاقير النفسية ولن ينقذه أحد من سوء فعلته.
كما جدير ببيانه أن حالة التمييز الظاهرة في احكام القضاء الإسرائيلي ظاهرة بصورة لافتة، فتكاد احكامه بين كل سطر وكلمة تعج بمصطلح "الإرهاب الفلسطيني"، دون الإشارة لذات المصطلح للمستوطنين الذي قتلوا عددا كبيرا من الفلسطينيين خلال مدة الصراع الطويل الأمد، بل لم نجد حكما واحدا صدر ضدهم يفيد بهدم بيوتهم، رغم ثبوت قتلهم للفلسطيني بدافع قومي وعرقي، فأي قضاء يمتاز بالعنصرية والتمييز في احكامه بين عرق الجاني والضحية، حتما مصير هذا القضاء هو الانهيار وقبله دولته، لأن عبارة "العدل أساس الملك" عبارة لا يتقنها إلا كل حريص على استدامة ملكه.
بناء على ما تقدم، وعندما تصدر تقارير أمنية إسرائيلية تفيد استخدام مصطلحي إرهاب وعنف المستوطنين، يخرج علينا بن غفير وامثاله من الوزراء في حكومة الاحتلال مثل سموتريتش ليقولا: أنه لا وجه للمقارنة بين المستوطن الاسرائيلي والفلسطيني، أليس في قولهما هذا ما يتنافى مع مصطلحهما بأن الإرهاب والعنف وجهان لصفة كل مخرب وفق تعبريهما؟
أخيرا آثرت الاقتباس من أقوال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عندما صرح:" بأن الإرهاب في الأساس هو إنكار لحقوق الإنسان وتدمير لها، والحرب ضد الإرهاب لن تنجح أبدا بإدامة ذات هذا الإنكار والتدمير، يجب أن نحارب الإرهاب بلا هوادة لحماية حقوق الإنسان، وفي ذات الوقت عندما نحمي حقوق الإنسان، فإننا نعالج الأسباب الجذرية للإرهاب.
أليس من اساسيات حقوق الانسان الفلسطيني الثابت على أرضه حمايته من إرهاب المستوطنين، وألم يأن الوقت لمحاسبة زمرة المستوطنين المخربين ومنعهم من سلوك نهج البلطجة والقتل؟ وأليس الارهاب والعنف وجهان للتطرف ولمزيد من سفك الدماء؟
ألا يجدر بالمجتمع الدولي الكف عن سياسة الازدواجية في توصيف الحالة بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ ألا يجدر بالمجتمع الدولي الالتزام بمعيار واحد ضمن ما وضعه على منصة الأمم المتحدة من خلال تعريفه للإرهاب:" بأنه كل عمل يشمل تخويف السكان أو إكراههم من خلال التهديد أو ارتكاب العنف، ما يؤدي إلى الوفاة أو الإصابة في الجسد أو الممتلكات".
متى سيطبق المجتمع الدولي أقوال أمين العام للأمم المتحدة سابق الإشارة إليها، ومتى سيخرج من حالة ازدواجية المعايير ويعلن بصراحة أن احكام القضاء الإسرائيلي أصبحت مخالفة لقواعد القانون الدولي ومبادئه، لأن الإرهاب والعنف الصادرين عن المستوطنين لا يمكن قبوله أو تبريره.
متى يجب منع الأعمال التخريبية الصادرة عن المستوطنين، ومتى ستوقف تمويل شبكاتهم واعمالهم اللا إنسانية والمخالفة لمعايير حقوق الانسان، ومتى سيتم التصدي لحركاتهم ونشاطهم الدموي والتخريبي، ومتى سنرى محاسبتهم قانونا، ومتى سنرى عقوبات رادعة بهدم بيوتهم كمخربين، ومتى نرى أحكاما تصل إلى 3 أو 4 مؤبدات ضد مجازرهم وقتلهم المستشري في مناطق الضفة الغربية، ومتى ستتوقف انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني، ومتى سينتفض المجتمع الدولي على الظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني، ومتى سيقف حازما قاطعا جازما بأن حق تقرير مصيره من أولويات السلم والأمن الدوليين، ليتمتع هذا الشعب بالحياة الكريمة دأبه كدأب باقي شعوب الأرض وللانتفاع بموارده الطبيعية، متى ستتوقف أعمال ودوامة العنف؟