ربما ستفرح الأقوال التالية أجهزة أمن العدو، لكن ليس هذا هو الهدف: تدهورت مكانة وزارة الدفاع ومن يترأسها في الأشهر الأخيرة إلى حضيض غير مسبوق. توجد لوزير الدفاع، يوآف غالانت، المؤهلات والمعرفة والحكمة، لكن الظروف السياسية التي قيدته تضعف الجيش الإسرائيلي، وتزيد الفوضى في "المناطق"، وتفكك جيش الاحتياط، وتضر بأمن الدولة.
الصور المخجلة في الدقائق التي سبقت إلغاء ذريعة المعقولية تحدثت عن جزء كبير من القصة. يتنقل غالانت في الكنيست بين أعضاء المعارضة، يائير لابيد وبيني غانتس وأورنا باربي باي، ويشرح لهم بيأس أنه لا ينجح في تخفيف القانون. بعد ذلك توجه إلى وزير العدل، ياريف ليفين، وتوسل إليه، وطلب تخفيفاً معيناً، حيث كان يجلس بينهما رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بنظرة غامضة. ربح ليفين وخسر الجيش.
منذ إجازة القانون نفذ رجال الاحتياط تهديدهم بعدم الامتثال، وينوي كثيرون آخرون تنفيذ ذلك لاحقاً، طبقاً لتطورات التشريع لإضعاف جهاز القضاء. يدعي الجيش أن الكفاءة لم تتضرر بعد، لكن قيماً مهمة لا تقل عن ذلك، مثل التماسك والمعنويات، تعرضت لضربة قوية. هذه هي البداية فقط. حتى وزير الزراعة، آفي ديختر، حذر، أول من أمس، من أن الرفض لن يتوقف على رجال الاحتياط، وسيتسرب أيضاً إلى رجال الخدمة الدائمة والنظامية.
التدهور في قوة وزير الدفاع والجيش الخاضع له بدأ بالتوقيع على الاتفاقات الائتلافية، التي نقلت فيها المسؤولية عن الإدارة المدنية إلى رئيس حزب الصهيونية الدينية، وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الذي حصل أيضاً على منصب جديد وهو وزير في وزارة الدفاع. خلافاً للوزراء الذين يبحثون عن الاحترام، فإن سموتريتش جاء للعمل. فقد جند في وزارة الدفاع عشرات الموظفين الخاضعين له بشكل مباشر، ونُقل التحكم بإخلاء البؤر الاستيطانية إليه. وبهذا فقد سحب البساط من تحت أقدام الجيش الإسرائيلي بصفته الجهة المسؤولة الرئيسة في "المناطق".
مفهوم العمل المشترك بين الجيش و"الشاباك" والإدارة المدنية والشرطة تصدع بشكل كبير؛ بسبب نقل صلاحيات الإدارة المدنية وتعيين إيتمار بن غفير في منصب "وزير الأمن القومي". ائتلاف الجيش و"الشاباك"، الذي يقف أمام معارضة سموتريتش وبن غفير والوحدات الخاضعة لهم، يخلق فوضى أمنية. إحدى النتائج هي أعمال الشغب التي حدثت في حوّارة وأم صفا وبرقة.
ليس فقط ليفين وسموتريتش هما اللذان يضعفان وزير الدفاع، بل أيضاً الأحزاب الحريدية التي تتوقع الحصول على قانون تجنيد، سيساوي مكانة طلاب المدارس الدينية مع مكانة جنود الجيش الإسرائيلي، ويعتبرهم يقدمون "خدمة مهمة" للدولة. بضغط من الحريديين، فقد أمرت الحكومة غالانت بألا يقوم بإجراءات لتجنيد طلاب المدارس الدينية. يشرف نتنياهو على قصف المدفعية هذا الذي أطلق على وزير الدفاع وعلى الجيش الإسرائيلي، والذي يعمل حسب مبدأ واحد ووحيد، وهو أنه لا يحسب أي حساب لمن لا توجد له قاعدة قوة سياسية. يوجد لسموتريتش وبن غفير والحريديين قاعدة كهذه، وأيضاً لليفين على اعتبار أنه هو الذي أدار المفاوضات الائتلافية ورتب لنفسه ائتلافاً يمينياً متطرفاً ومتعصباً داخل الحكومة.
مكانة غالانت ليست الأمر الأساسي، بل هي الرسالة التي يحصل عليها قادة الجيش ومن يخدمون فيه. الكثيرون منهم يفقدون الثقة بالقيادة السياسية. عندما تضر الحكومة بــ"القبة الحديدية" القانونية، وتشجع المليشيات اليهودية على أعمال الشغب في القرى الفلسطينية، وتحاول مساواة مكانة طلاب المدارس الدينية مع مكانة الجنود الذين يعرضون حياتهم للخطر، فإن من يخدمون يفقدون الثقة بالقيادة وحكمتها. التهديد الأكبر الذي يواجهه الجيش الإسرائيلي الآن هو التهديد الداخلي. في هذه الظروف فإن وزير الدفاع ملزم بوقف التدهور، وبالمطالبة بأن يتسلم مرة أخرى الصلاحيات على الإدارة المدنية ووقف الانقلاب النظامي. هذا الأمر ربما سيكلفه منصبه، لكنه أقل أهمية من أمن الدولة.
عن "هآرتس"