دون سابق إنذار أصدر الرئيس محمود عباس، في التاسع من أغسطس الجاري، مرسوماً رئاسياً يقضي بإقالة 12 محافظاً، من المحافظات الشمالية والجنوبية، في مرسومٍ وصفه المحافظون بالمفاجئ وغير معلوم الأسباب من جانبهم.
استثناء ثلاثة محافظين من الإقالة
وفي الوقت الذي أدى المرسوم الرئاسي إلى إقالة 12 محافظاً في الضفة وغزة، تم استثناء ثلاثة محافظين، وهم محافظ القدس عدنان غيث، ومحافظ رام الله والبيرة ليلى غنام، ومحافظ سلفيت عبد الله كميل.
وحسب وكالة وفا الرسمية، فقد أصدر الرئيس عبّاس، مرسوماً رئاسياً بتشكيل لجنة رئاسية، تضم عدداً من الشخصيات القيادية ذات الاختصاص لاختيار مرشحين لشغل منصب محافظي المحافظات الشاغرة، وتنسيبها للرئيس لإصدار قرار بشأنها.
وعزل الرئيس عبّاس من المحافظين في الضفة، كلًّا من محافظ جنين أكرم الرجوب، ومحافظ نابلس إبراهيم رمضان، ومحافظ قلقيلية رافع رواجبة، ومحافظ طولكرم عصام أبو بكر، ومحافظ بيت لحم كامل حميد، ومحافظ الخليل اللواء جبرين البكري، ومحافظ طوباس يونس العاصي، ومحافظ أريحا والأغوار جهاد أبو العسل.
كما عزل في المحافظات الجنوبية، كلاً من محافظ شمال غزة صلاح أبو وردة، ومحافظ غزة إبراهيم أبو النجا، ومحافظ خانيونس أحمد الشيبي، ومحافظ رفح أحمد نصر.
اختصاصات المحافظ
وحسب مرسوم رئاسي رقم (22) لسنة 2003م بشأن اختصاصات المحافظين، فإنَّ المحافظ هو ممثل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيس الإدارة العامة وأعلى سلطة في محافظته ويُشرف على تنفيذ السياسة العامة للسلطة وعلى مرافق الخدمات والإنتاج في نطاق محافظته.
ومن اختصاصات المحافظ: "1- الحفاظ على الأمن العام والأخلاق والنظام والآداب العامة والصحة العامة وحماية الحريات العامة وحقوق المواطنين. 2- حماية الأملاك العامة والخاصة وتحقيق الأمن في محافظته يعاونه في ذلك قادة الشرطة والأمن العام في المحافظة وأنّ يكون هناك اجتماعات دورية ودائمة بينهم. 3- العمل على الرقي الاقتصادي والعمراني والاجتماعي في المحافظة وتحقيق المساواة والعدالة وضمان سيادة القانون. 4- اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة لمواجهة الكوارث الطبيعية والحوادث ذات الأهمية".
خطوة الرئيس المفاجئة، أثارت عديد التساؤلات حول أهدافها وتبعاتها، وهل جاءت كخطوة بديلة عن الانتخابات؟!
خطوة دراماتيكية
بدوره، وصف الكاتب والمحل السياسي، أحمد رفيق عوض، خطوة إقالة المحافظين بالدراماتيكية، مُردفاً: "من الواضح أنَّ هناك أسباب ضاغطة وقاهرة دفعت باتجاهها، أبرزها رغبة القيادة الفلسطينية في تغيير صورة السلطة وتقديم وجوه جديدة وربما مقبولة أكثر للشارع الفلسطيني؛ خاصةً أنَّ الوجوه التي تم إقالتها تجاوزت المقرر سواء من ناحية العمر أو فترة الخدمة".
ورأى عوض، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر"، أنَّ هناك رغبة في تغيير الأداء بدماء ورؤى جديدة، مُتوقعاً وجود ضغوط داخل حركة فتح من قبل القيادات الشابة التي ترغب بالمشاركة والمساهمة في العمل المجتمعي؛ خاصةً أنَّ كل المتواجدين تجاوزت أعمارهم الـ70 عاماً.
وأكمل: "ناهيك عن فشل أو قصور أداء المحافظين الذين تم إقالتهم في التعامل مع الجمهور وضبط السياسيات، وربما يكون المرسوم مرتبط بتغيير حكومي".
وبالحديث عن وجود ضغوط خارجية وراء خطوة إقالة المحافظين، رغم أنَّ منصبهم تنفيذي، قال عوض: "إنَّ وضعنا الفلسطيني وصغر مساحة بلدنا مقارنةً بالضغوط والحسابات والتسويات الكبيرة التي تُمارس على القيادة الفلسطينية تجعل كل شيء يؤدي إلى أمر سيء، بمعني أنَّ إقالة المحافظين رغم أنهّا خطوة داخلية؛ لكِن لا يمكن فصلها عن الصورة الكبيرة من ترتيبات سياسية جديدة أو ضغوط إسرائيلية أو حتى ضغوط داخلية لجهة إعطاء فرصة للقيادات الشابة من فتح للمشاركة في ضوء قصور أداء المحافظين المقالين".
وخلص عوض، إلى أنَّ الانتخابات العامة "الرئاسية والتشريعية" استحقاق قانوني ومجتمعي ونضالي مهم، وأنَّ تغيير المحافظين يتعلق بطريقة السلطة في إدارة الوضع، لأنّه يتم تعينه ولا ينُتخب، وبالتالي لا يمكن استبدال خطوة إقالة المحافظين بالانتخابات، وذلك رداً على تساؤل حول الاكتفاء بخطوة إقالة المحافظين لإصلاح وضع حركة فتح والسلطة الفلسطينية.
إصلاح علاقة فتح والسلطة بالشارع
من جهته، أوضح الكاتب والمحلل السياسي، طلال عوكل، أنَّ قرار إقالة المحافظين كان مُفاجئاً، ، مُرجحاً أنّها خطوة مهمة لتغير الوجوه التي تُدير المحافظات، وأدى عملها إلى تراجع شعبية حركة فتح والسلطة الفلسطينية، وبالتالي محاولة تحسين أداء المحافظين في العلاقة مع الجمهور الفلسطيني، ومحاولة استعادة ما يُمكن استعادته من شعبية السلطة في الوسط الفلسطيني.
واستعبد عوكل، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر"، أنّ تكون خلفية قرار الإقالة سياسية أو تنظيمية؛ لأنَّ منصب المحافظ تنفيذي له علاقة بالسلطة وتنظيم حركة فتح كهيكل تنظيمي؛ ولذلك على الأرجح هو الأمر الذي يقف خلف القرار.
أما عن احتمالية أنّ يكون القرار له علاقة بضغوط خارجية على السلطة، استعبد عوكل، أنَّ يكون أمر الإقالة له أيّ علاقة؛ لأنَّ المحافظين الذين تمت إقالتهم في المناطق الفلسطينية المهمة التي لها علاقة بموضوع العقبة وشرم الشيخ، وكانوا يشيدون تماماً بنتائج تلك الاجتماعات والقمم "العقبة وشرم الشيخ" والملاحظات كانت كبيرة على أداء بعضهم في مواجهة المناضلين الفلسطينيين والمعارضة عموماً؛ ولذلك ليس هناك سب لاستبعادهم.
وبشأن ربط إقالة المحافظين بالتحضير لمرحلة خليفة الرئيس عباس، قال عوكل: "إنَّ هذا الأمر مستبعد أيضاً، لأنَّ الرئيس عباس لم يصدر عنه أيّ خطوات تُقدم للفلسطينيين شخصية لخلافته"، مُتابعاً: "مسألة الصراع على خليفة الرئيس عباس مفتوحة، ومن الصعب أنّ نأخذ إقالة المحافظين مؤشراً على ذلك؛ لأنَّ الحديث هنا عن إقالة 8 محافظين في الضفة و4 بغزة، وبالتالي لا رابط في العلاقة بين إقالة 12 محافظ في الضفة وغزّة مع شخصية يجري تأهيلها لخلافة الرئيس عباس".
وختم عوكل حديثه، بالقول: "إنَّ إقالة المحافظين جاءت لإصلاح علاقة السلطة وفتح بالجمهور الفلسطيني، وبالتالي إقالة المحافظين ليست عنوان الإصلاح في حركة فتح؛ ولكن عنوانها الأول هو إعادة توحيد حركة فتح عبر المؤتمر الثامن ودفع قيادات جديدة للمستوى الأول في قيادة الحركة"، وذلك رداً على سؤال بشأن كيفية إصلاح البيت الفتحاوي في ضوء خطوة إقالة المحافظين.