يوجد تفسير بسيط لموقف رئيس الحكومة إزاء الأزمة في سلاح الجو: بنيامين نتنياهو يفضل الولاء على الكفاءة. هو يفضل أن يفقد الطيارون، الذين أعلنوا عن وقف تطوعهم، كفاءتهم وأن يخرجوا من سلاح الطيران حتى بثمن المسّ بالقدرة العملية للجيش. ومثل حكام دكتاتوريين آخرين أيضاً نتنياهو مسرور بتطهير الجيش من ضباط لا يتماهون معه شخصياً وسياسياً، وإذا اقترحوا الاستقالة بأنفسهم، سيكون ذلك أفضل.
من بداية الانقلاب النظامي، صرح نتنياهو تصريحات شديدة تجاه قيادة الجيش الإسرائيلي، وتحفظ مما عرضه كموقف لين ومتساهل تجاه مظاهر رفض الخدمة في قوات الاحتياط، وتجاهل نداءات الضائقة بسبب المسّ بالقوة العسكرية. لقد أهان رئيس الأركان هرتسي هليفي، وسد آذانه أمام قائد سلاح الجو تومير بار. من ناحية نتنياهو التحذيرات المتزايدة لهما من مس بالكفاءة التنفيذية تعادل تحريضاً للتمرد ضد الحكومة.
موقف نتنياهو ليس جديداً. من بداية حياته السياسية رأى في قادة الجيش معارضين سياسيين وشخصيين. قائمة أعدائه في الثلاثين سنة الأخيرة تبدو مثل الكتاب السنوي لمنتدى رؤساء الأركان: من إسحق رابين مروراً بإيهود باراك، أمنون شاحاك، إسحق مردخاي، أريئيل شارون، موشيه يعالون، غابي أشكنازي، شاؤول موفاز، عامي أيالون، بيني غانتس، مائير داغان، غادي آيزنكوت، وحتى خصمه البارز في الحكومة الحالية، وزير الدفاع يوآف غالانت. عدد منهم تعاونوا معه إلى أن تم طردهم وتحولوا إلى أعدائه الألداء. أعداء نتنياهو المدنيون، إيهود أولمرت ويائير لابيد خريجا صحيفة "بمحانيه" استندوا كثيراً على من يلبسون الزي العسكري.
الخلاف لم يكن فقط على أمور شخصية، بل أيضاً على السياسات. في سنوات التسعينيات، عارض نتنياهو تدخل كبار الضباط في بلورة وصياغة اتفاق السلام مع الفلسطينيين وفي المفاوضات مع سورية، ورأى فيها تعبيراً عن ميل القيادة العليا الأمنية نحو اليسار. عندما عاد إلى الحكم في العقد الماضي، ووجه بمعارضة شديدة من قبل القيادة الأمنية لفكرة قيام إسرائيل بمهاجمة المنشآت النووية في إيران، ولم ينجح في التغلب عليها. كبار قادة الجيش الإسرائيلي وجهاز المخابرات يميلون إلى الإصغاء للرياح التي تهب من واشنطن. أغلبهم درس في كليات عسكرية وفي جامعات بالولايات المتحدة وهم يدركون جيداً الدعم من واشنطن، وأهميته لكل مكونات الردع والقوة التي تمتلكها إسرائيل.
حتى نتنياهو يدرك أهمية دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، بدرجة لا تقل عن غالانت وباراك، ولكنه يفضل أن يتشاجر علناً مع إدارات ديمقراطية (كلينتون، أوباما، بايدن) وتعزيز دعم "القاعدة" الدينية واليمينية من الداخل. في أوضاع كهذه من السهل عليه أن يعرض رؤساء جهاز الأمن كأشخاص انهزاميين أيدوا تسليم مناطق من أيام أوسلو وحتى الاتفاق الذي سيكون مع لبنان، وعارضوا الهجوم على إيران، وأيدوا الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى، ويؤيدون تعزيز السلطة الفلسطينية ويخافون من المحكمة في لاهاي.
ولكن الآن الخلاف ليس على السياسة الخارجية والأمن، بل على السيطرة السياسية على الجيش وجهاز المخابرات. نتنياهو الذي سأل في الماضي مرشحاً لرئاسة جهاز الموساد: "هل ستكون مخلصاً لي"، واختار خصمه – ورفع حجم المراهنة. حكومته الحالية تعارض مجرد فكره جهاز خدمة عامة مهني يعمل طبقاً للمصالح الوطنية أو لسلطة القانون. من ناحيتها، الأغلبية الائتلافية تقرر وحدها، وكل الباقين يجب أن يمتثلوا أو يذهبوا.
وهذا هو السبب في أنه حتى إذا أعطوه، فإن نتنياهو لم يكتف بطرد طياري الاحتياط، بل سيواصل التطهير العميق في صفوف جهاز الأمن. وسيواصل إلى أن يتصرف حتى منتدى هيئة الأركان والأجهزة الموازية له حسب ما تريده قاعدته، وطبقاً لعبادة شخصية رئيس الحكومة – مثلما فعل الوزير بن غفير بقيادة الشرطة. وإذا تضررت في الطريق الكفاءة التنفيذية للجيش، فإن نتنياهو مستعد للمخاطرة بذلك.
عن "هآرتس"