أشــبــاح «حــرب يــوم الــغــفــران»

اوري-بار-يوسف.jpg
حجم الخط

بقلم: أوري بار يوسف

 



رياح حرب يوم الغفران تعود لتهب في منطقتنا، ليس فقط أننا سنحيي بعد حوالى شهر  الذكرى السنوية الخمسين لاندلاعها.
في الأيام الأخيرة استهلت قناة الأخبار الرئيسة نشرة نهاية الأسبوع بصورة لزعماء 1973 خلف زعماء 2022، وياسمين ليفي قدرت أن بنيامين نتنياهو يجرّنا نحو فشل يوم غفران 2 ("هآرتس" 13/8) وادعاءات مشابهة ظهرت في وسائل إعلام أخرى آخذين كل هذا بعين الاعتبار، فليس هنالك مناص من المقارنة بين ما حدث حينئذ وما من شأنه أن يحدث في المستقبل القريب: التآكل في قوة الجيش الإسرائيلي، وتضاؤل قوة الردع الإسرائيلية والتصريحات المستفزة لسياسيين من الائتلاف، وفوق كل هذا انعدام المسؤولية المتواصلة لرئيس الحكومة، تقربنا من حرب متعددة الجبهات.
إذا اندلعت، فتكون هذه هي الحرب الأكبر منذ 1973، هي ستكون أصعب بكثير منها، لعدة أسباب أساسية. أولاً: طبيعة التهديد وقوته. حرب يوم الغفران كانت في جبهتين – هضبة الجولان وقناة السويس – لكن ليس في الجبهة الداخلية.
في بداية الحرب كان هنالك بعض الأضرار في شمال الدولة والضرر التي سببته كان محدوداً جداً.
طوال حرب واصلت الجبهة الدخلية حياتها المعتادة، قدر الإمكان، والقلق الأساسي كان على الجنود في الجبهة.
في الحرب القادمة الضرر في الجبهة الداخلية سيكون قاسياً. السيناريوهات التي تتحدث عن آلاف الصواريخ التي ستطلق على إسرائيل في أيام الحرب الأولى هي واقعية، وهي ستمس ليس فقط المستوطنات الموجودة في غلاف غزة أو في الجليل بل أيضاً وبالأساس بالمنطقة الوسطى في البلاد وخاصة تل أبيب.
الدمار الحضري سيكون ضخماً وعدد الخسائر سيصل إلى الآلاف.
كذلك ستلحق أضرار بالبنى التحتية للكهرباء والماء والاتصالات والغاز. ويمكننا التعلم من المدن الأوكرانية عما تنتظره إسرائيل. الضرر لدينا سيكون أكثر كثافة بكثير.
ثانياً: استعداد الجبهة الداخلية والمناعة الوطنية. في العام 1973 كان الجمهور الإسرائيلي قد شهد حرب الأيام الستة، وحرب الاستنزاف، عمليات عسكرية كبيرة على طول الحدود وعمليات إرهاب وتخريب.
كل هذه حصنته تمهيداً للحرب القادمة. لهذا ورغم المفاجأة والثمن الباهظ الذي دفعته الدولة لم يكن في الجبهة الداخلية ردود هستيرية، والجيش الإسرائيلي ومتخذو القرارات كانوا متفرغين لإدارة القتال على الجبهات.
الجبهة الداخلية اليوم ليست مستعدة للحرب، لا فعلياً ولا عقلياً. نحن تعلمنا هذا عن طريق المقارنة بين المناعة الوطنية لتلك الأيام والمناعة اليوم، بكل المعايير. نظراً لأن الحرب القادمة ستكون حرب الجبهة الداخلية، ونظراً لأن الجبهة الداخلية غير مستعدة لها فإن المتوقع حدوث أزمة ثقة وهستيريا عامة بأبعاد ضخمة.
باستثناء الصدمة التي سيولدونها فإنهم سيصعبون الأمر على الجيش الإسرائيلي والجبهة الداخلية ومتخذي القرارات لإدارة الحرب.
ثالثاً: الجيش الإسرائيلي. الجيش الإسرائيلي في سنة 1973 كان الجيش الأفضل في تاريخها الذي وضعته إسرائيل في ساحة القتال.
كان مدرباً ومسلحاً بصورة جيدة ولديه طاقم قيادي مجرب تم تحصينه في حروب كنا فيها قليلين أمام كثيرين. وكدليل على ذلك النهوض المثير للانتباه من الهزائم التي تكبدها الجيش الإسرائيلي في اليومين الأولين للحرب.
الجيش الإسرائيلي اليوم لا يستطيع الدفاع عن الجبهة الداخلية بنجاعة كافية.
بدرجة ما المشكلة هي رغم كل الاستثمارات، فإن منظومات الدفاع ضد الصواريخ لا توفر رداً جيداً بما فيه الكفاية، نظراً لأن إنتاج صواريخ هجومية أسهل بكثير من إنتاج منظومة دفاع ضدها.
علاوة على ذلك، الجيش (النظامي والاحتياطي) لا يتدرب بما فيه الكفاية. طوال الوقت الوحدات بشتى أنواعها منشغلة بمهام شرطية في المناطق، ولا توجد لقادتها في كل المستويات التجربة والخبرة في حروب حقيقية.
يمكن أن نأمل في أن أداء قوات المدرعات قد تحسن منذ 2006، ولكن حتى في أفضل السناريوهات سيحتاجون لعدة أيام من أجل أن يحتلوا في لبنان المناطق التي ستطلق منها الصواريخ.
وإلى أن يستكمل الجيش الإسرائيلي هذه المهمة سيكون هنالك دمار شديد وكبير في الجبهة الداخلية.
سلاح الجو والذي يذكر المرة تلو الأخرى بكونه المخلص الكبير، يستطيع حقاً أن يعيد لبنان إلى العصر الحجري ولكنه لا يستطيع أن يمنع الأضرار التي ستلحق أيضاً بإسرائيل وترجعها عدة عصور إلى الوراء.
مشكلة قدرات الجيش الإسرائيلي، والتي كانت موجودة قبل بداية الانقلاب القانوني، انحدت منذ ذلك الحين جداً.
رابعاً طبيعة القيادة. في الذاكرة الجماعية من حرب يوم الغران حفر اسم جولدا مائير وديان للأبد. فعلياً لا شك في أن المستوى المدني الذي أدار الحرب – جولدا وديان ويغال الون وإسرائيل جليلي - عمل بصورة جيدة، بالتأكيد إذا أخذنا بالحسبان الأزمة في بدايتها.
إضافة إلى ذلك، وطوال الحرب لم يظهر في الجمهور علامات تشير إلى عدم ثقة في القيادة وعلى قدرتها على قيادة الدولة في تلك الأيام الصعبة. النقد وعدم الثقة تم التعبير عنهما فقط عندما انتهت المعارك.
إذا اندلعت الحرب القادمة عندما تكون الحكومة الحالية لا تزال في السلطة، تصعب رؤية إسرائيل تنجح في الأداء.
منذ الآن الحكومة تعاني من أزمة ثقة لم نشهد مثلها. معظم الجمهور لا يثق بكلمة يقولها رئيس الحكومة، ويعتقد أن كل سياسته (وحتى الحرب) تستهدف إنقاذه من محاكمته.
وليس هنالك جدوى من إطالة الحديث عن ثقة الجمهور بحكمة أعضاء الكابينت الأمني بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير ويريف لفين وميري ريغف.
في وجع متأزم كهذا فكل واحد يعمل ما يراه مناسباً. والكارثة ستبدأ مع سقوط الصاروخ الأول في وسط تل أبيب.
احتمالية اندلاع حرب تزداد في كل يوم تمسك فيه هذه الحكومة بمقاليد الحكم. مع ذلك ليس هنالك يقين من اندلاع حرب. يوجد لإيران وحلفاؤها أسباب جيدة للخوف منها. ولكن انعدام الحوكمة لدى حكومة نتنياهو يخلق فضاء رمادياً يزداد اتساعاً وقواعد اللعب فيه آخذة في التغيير.
هذه العملية تزيد احتمالية اندلاع حرب في الخطأ - مثلما كان الأمر في 2006. فإن حرب كهذه تغير بضربة سيف مصير الدولة أكثر من تغيير جهاز القضاء، ومن أزمة اقتصادية ومن هرب الهايتك ومن مغادرة الأطباء. لهذا يجب أن تكون هذه هي أكبر ما يقلقنا.

عن "هآرتس"