تفاجئ العديد من مستفيدي برنامج التحويلات النقدية (شيك الشؤون) عندما وصلتهم رسالة من البنك لتبلغهم بأن المبلغ الذي تم إيداعه في حساباتهم من قبل وزارة المالية حوالي 370 شيكل في حين أن مبلغ المساعدة الذي يجب أن يحصل عليه رب الأسرة تتراوح بين 750 إلى 1800 شيكل، ومع ارتفاع الأصوات على مواقع التواصل الاجتماعي حول هذا الموضوع، بدأ الإعلام المحلي والنشطاء في غزة بتداول تصريحات منسوبة لمصادر في وزارة التنمية الاجتماعية حول والإتحاد الأوروبي حول هذه الدفعة، لذا سنناقش في هذا المقال كل ما يتعلق ببرنامج التحويلات النقدية في الأراضي الفلسطينية، وكذلك تأثير الأزمة المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية على انتظام صرف الدفعات المالية من البرنامج.
بداية بدأ برنامج التحويلات النقدية أو ما يعرف في مجتمع الفقراء بـ(شيك الشؤون) في العام 2012، حيث عملت وزارة التنمية الاجتماعية وشركاؤها (الإتحاد الأوروبي والبنك الدولي) على صرف دفعات نقدية ربعية (كل ثلاث شهور) للأسر المستفيدة من البرنامج، ويعتمد المبلغ الذي تحصل عليه الأسرة الفقيرة من البرنامج على معادلة إحصائية لقياس مستوى المعيشة حيث تتراوح قيمة المساعدة بين 750 إلى 1800 شيكل.
ووفق ما ورد في تقرير مكتب منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط لشهر مايو 2023، والمقدم في مؤتمر المانحين في بروكسيل فإن صرف الدفعات المالية للأسر الفقيرة الفلسطينية استمر منذ العام 2012 حتى العام 2017، ولكن نظراً للأزمة المالية التي بدأت تعاني منها السلطة الفلسطينية في العام 2018، تم تقليص وتأخير صرف الدفعات النقدية للأعوام 2018، 2019، 2020 حيث تم صرف ثلاث دفعات ربعية لهذه الأعوام، قد مثلت 75% من الدفعات المخططة لكل عام، كما أدى تأخر دفع الاتحاد الأوروبي مساهمته للبرنامج إلى تخفيض الدفعات في الأعوام 2021 و2022 إلى 20٪ و30٪ على التوالي عما كان مخطط من الدفعات لهذه الأعوام.
في العام 2023 وبعد انتظام دفع الاتحاد الأوروبي مساهمته في البرنامج، تأخرت الدفعة الأولى في هذا العام للأسر المستفيدة لمدة ثلاثة أشهر، حتى استطاعت السلطة الفلسطينية في إبريل 2023 من تأمين مساهمتها التمويلية لهذه الدفعة، وتعتبر دفعة أغسطس 2023 الحالية الدفعة الثانية لهذا العام، أي تم صرف 50% من الدفعات المخططة لهذا العام.
ومن خلال تتبع الدفعات المالية السابقة للبرنامج نجد أن مساهمة الاتحاد الأوروبي للبرنامج تتراوح بين 50 إلى 60%، فيما تتراوح مساهمة وزارة المالية في السلطة الوطنية الفلسطينية بين 37 إلى47%، فيما تبلغ مساهمة البنك الدولي حوالي 3%.
ووفق تصريحات نسبت للاتحاد الأوروبي ولمصادر مسؤولة في وزارة التنمية الاجتماعية استفاد من برنامج التحويلات النقدية لدفعة أغسطس 2023 حوالي 108,936 أسرة فقيرة، بواقع 74,600 أسرة في قطاع غزة، و34,336 أسرة في الضفة الغربية، وقد بلغ إجمالي المبالغ للدفعة الحالية 27.77 مليون دولار، حيث بلغت مساهمة الاتحاد الأوروبي لهذه الدفعة حوالي 24 مليون دولار أي 86.5% من إجمالي الدفعة، فيما بلغت مساهمة السلطة الفلسطينية 3.77 مليون دولار أي نسبة 13.5% من إجمالي الدفعة.
ووفق ما صدر عن الاتحاد الأوروبي فقد بلغ عدد الأسر المستفيدة التي تم صرف مساعدتها المالية كاملة من خلال الاتحاد الأوروبي حوالي 71,162 أسرة تحت خط الفقر المدقع، منها 57,211 أسرة في غزة، و13,951 أسرة في الضفة الغربية، فيما تم صرف المساعدة بشكل جزئي (370 شيكل تقريباً) لحوالي 37,774 أسرة من ميزانية وزارة المالية في السلطة الفلسطينية، منها 17,389 أسرة في قطاع غزة، و 20,385 أسرة في الضفة الغربية.
خلاصة القول بأن الأزمة المالية التي تمر بها السلطة الوطنية الفلسطينية أثرت بشكل كبير على قدرة السلطة على الإيفاء بإلتزامتها بشكل عام وخاصة للأسر الفقيرة، ومن الملاحظ بأن دفعات الأسر الفقيرة لا تحظى بأولوية كبيرة في الصرف لدى وزارة المالية، وعلى الجانب الآخر فإن الأسر الفقيرة في الأراضي الفلسطينية ستزداد معاناتها نتيجة لتأخر صرف الدفعات المالية أو لصرف هذه الدفعات بشكل مجتزئ، كما لابد من التنويه إلى أن المساعدات التي تتلقاها الأسر الفقيرة خاصة في قطاع غزة من مختلف المصادر لا تغطي أكثر من نصف فجوة الفقر للأسر التي تقع في فقر مدقع، حيث يبلغ حد الفقر المدقع لأسرة فلسطينية مكونة من خمس أفراد (2 بالغين- 3 أطفال) في الأراضي الفلسطينية وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني حوالي 1974 شيكل.
وعليه نوصي بأن يكون للأسر الفقيرة شبكة أمان مالية دولية وعربية، أن يتم إبعاد مخصصات هذه الأسر عن الأزمات المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية، إضافة إلى ضرورة الالتزام بصرف المساعدة النقدية للأسر الفقيرة في موعدها دون تأخير، وإعطاء أولوية في صرف مخصصات الفقراء من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية، والعمل بشكل عاجل على استكمال الدفعة المالية الحالية للأسر الفقيرة.