نشرت جريدة يديعوت موضوعا للمعلق العسكري أليكس فيشمان يقول فيه ستعد إسرائيل لمواجهة الأنفاق التي يهدد عشرات من مقاتلي «حماس» المسلحين بالانقضاض منها. ولكن، على ما يبدو، هي لا تخصص الاهتمام المطلوب لخطر آخر مصدره القطاع، هو السياج الذي سيتسلل منه إلى إسرائيل ليس المئات بل الآلاف من أهالي غزة. وقد سبق أن فعلوا ذلك.
سنة 2015 كانت الذروة، فقد سجلت قيادة المنطقة الجنوبية 140 حادثة تسلل. واعتقلت القوى الأمنية 249 مواطناً من غزة داخل أراضي إسرائيل. ومن المعقول افتراض وجود آخرين لم يلق القبض عليهم. وما يجري هو ارتفاع درجة بمئات النسب المئوية مقارنة مع فترة ما قبل «الجرف الصامد». ففي سنة 2013، مثلاً ألقي القبض على 19 غزيّاً فقط اخترقوا السياج.
إن غالبية المتسللين الذين ألقي القبض عليهم في سنة 2015 هم باحثون عن عمل. أشخاص مستعدون للمخاطرة بحياتهم لمجرد البحث عن رزقهم. وفي تقدير المؤسسة الأمنية أنه إذا لم تشهد هذه السنة تحولاً جوهرياً في اعادة اعمار غزة، فإن عدد المتسللين إلى إسرائيل سيصل إلى الآلاف.
لقد اضطرت إسرائيل إلى مضاعفة عدد تصاريح المرور عبرها بالمقارنة مع الفترة التي سبقت «الجرف الصامد». وبعد اغلاق المصريين لمعبر رفح تحول معبر إيرز إلى المعبر الأكبر للمغادرة قطاع غزة سيراً على الأقدام. صحيح أن إسرائيل لم تغير رسمياً سياسة تصاريح المرور، لكن لم يكن أمامها مفر، فإغلاق معبر رفح أدى إلى لائحة انتظار تضمنت أكثر من 50 ألف شخص حصلوا على إذن بمغادرة القطاع وعلقوا هناك. والمقصود بذلك طلاب وأشخاص يعملون في الخارج ومرضى وغير ذلك. ومن أجل الحؤول دون الانفجار، تقوم إسرائيل في كل مرة بتنفيس الضغط.
يتغذى هذا الضغط من حقيقة أنه بذل جهد ضئيل من أجل إعادة إعمار الدمار في غزة: 53% من الشباب عاطلون عن العمل، والناتج القومي الخام المحلي انخفض إلى 1000 دولار للفرد مقارنة مع 4000 دولار للفرد في الضفة. ويحذّر خبراء في المؤسسة الأمنية من نشوء أزمة في مياه الشرب هذه السنة. نحو 70% من القطاع المنزلي في غزة يحصل على مياه جارية لمدة 6-8 ساعات متواصلة كل يومين فقط أو كل 4 أيام. والجميع يتمسك بالتزامات اقامة مشاريع لبناء وترميم بنية تحتية للمياه تنقذ غزة من الجفاف. لكن من مجموع 5.4 مليارات دولار جرى التعهد بتخصيصها لغزة بعد عملية «الجرف الصامد»، وصل 15% فقط.
في غزة يعلقون الآمال على اقامة مشروع لتحلية مياه البحر. الرخص موجودة، لكن من أجل بناء مثل هذه المنشأة يجب توسيع البنية التحتية للطاقة بصورة جوهرية. في هذه الأثناء تتضاءل كمية الكهرباء التي توفرها مصر، واعتاد سكان غزة العيش من دون حصول متواصل على الكهرباء لعدة أيام. من دون مياه، ومن دون كهرباء ومن دون عمل- الأشخاص الذين سيقتحمون السياج في اتجاه إسرائيل ليس لديهم ما يخسرونه.
تعترف وكالات المساعدة والاغاثة الدولية العاملة في قطاع غزة اليوم، ليس علناً ولكن في الغرف المغلقة، بأن من يعرقل اعادة اعمار غزة ليس إسرائيل. فالجزء الأكبر من التهمة يقع على عاتق السلطة الفلسطينية التي تعرقل اعمال اعادة البناء من أجل اضعاف «حماس». وهناك شعور قوي في المؤسسة الأمنية [الإسرائيلية] بأن السلطة ترغب في وقوع مواجهة عسكرية [بين إسرائيل و»حماس»] في غزة.
إن المبادرة التركية - القطرية للتخفيف من التوتر بين إسرائيل و»حماس» على خلفية حفر الأنفاق عمل غير مجد. فهذا المحور مرتبط بالذراع السياسية في «حماس» بزعامة خالد مشعل، لكن الذراع العسكرية للحركة تستخف بها، وهي سبق أن اختارت إيران.
الانفجار الأمني في 2016 يمكن أن يحدث بسبب فقدان السيطرة على خلفية ضائقة سياسية- اقتصادية– اجتماعية في غزة. فإما أن يقتحم الآلاف من سكان غزة السياج- الأمر الذي سيرفع الحرارة على الحدود- أو أن الخوف من انهيار داخلي سيدفع «حماس» إلى جولة عسكرية، أو الأمرين معاً.