مجموعة بايدن: أزمة في قواعد إدارة الصراع!

LYLMQAYJRK.jpg
حجم الخط

بقلم عماد الدين اديب

إذا دخلنا حرباً كونية مدمّرة للبشرية فإنّ سياسات الرئيس الأميركي جو بايدن سوف تكون بلا شكّ المسؤول الأوّل عن هذه الكارثة!
تصعيد يتلوه تصعيد.. هذه هي سياسة إدارة بايدن منذ أن بدأت إدارة شؤون السياسة الخارجية للبلاد منذ 4 سنوات، وهي سياسة تتأرجح بين وعود انتخابية ثبت بالتجربة الواقعية أنّها ستؤدّي حتماً إلى إحداث فراغات استراتيجية في مناطق عدّة في العالم.
هذه السياسة هي استمرار لإدارة باراك أوباما الديمقراطية التي بدأت بنظريّة استراتيجية فحواها أنّ مركز الأولوية في التموضع الأميركي ليس في الشرق الأوسط بل في شرق وجنوب بحر الصين، وأنّ الجائزة الكبرى ليست مواجهة الإرهاب بل في إبطاء الصعود الصاروخي للمكانة الاقتصادية والتجارية للصين وحلفائها في عالم جديد يتشكّل وفق قواعد جديدة وتحالفات جديدة.
من هنا يمكن فهم العقبات والعقوبات الاقتصادية على الصين من قبل الإدارة الأميركية.
ويمكن فهم منع الصين من استيراد الكثير من مستلزمات التكنولوجيا المتطوّرة، وأهمّها رقائق الموصلات.
ويمكن فهم محاربة الشركات الكبرى الصينية، وأهمّها شركة "هواوي" العالمية، وصناعة السيارات الصينية الأقلّ كلفة من السيارات الأميركية.
ويمكن فهم النشاط الأميركي المحموم لمحاربة العلاقات الذكية التي تمارسها كلّ من بكين وموسكو تجاه دول العالم الثالث وعلى رأسها إفريقيا ودول جنوب آسيا.

ويمكن فهم التصعيد الأميركي منذ اللحظة الأولى لإشعال الحرب الروسية - الأوكرانية والسعي إلى استنزاف روسيا وتكبيدها أكبر قدر من الخسائر الشاملة في كلّ المجالات.
من هنا يمكن فهم سعي هذه الإدارة منذ أكثر من 30 شهراً إلى التنسيق والتشاور مع اليابان وكوريا الجنوبية حتى وصلنا إلى ما يُعرف باسم "إعلان قمّة كامب ديفيد"، بين زعماء الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية.
هذا الاجتماع الذي انتهى منذ ساعات هو خطوة مستفزّة نحو التصعيد ضدّ الصين سبقتها خطوة استفزازية كبرى حينما قامت السيدة نانسي بيلوسي الرئيسة السابقة لمجلس الشيوخ بزيارة تايوان مخالفةً بذلك اتفاق واشنطن وبكين الذي يعترف بصين واحدة one china وأنّ تايوان هي منطقة من الصين سوف تعود إلى الوطن الأمّ.

مناورات ضدّ الصين
أُعلن في هذه القمّة صراحةً إقامة مناورات عسكرية سنوية بين الدول الثلاث تضمن المقدرة على حسن استخدام الشبكة الصاروخية الدفاعية ومواجهة أيّ صواريخ باليستية ورفع درجة الكفاءة والاستعداد. وجاء في مخرجات هذه القمّة ضرورة التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث وإنشاء ما يسمّى بـ"شبكة إنذار مبكرة" في مجال مستلزمات الإنتاج وسلاسل الإمداد، بحيث لا تتأثّر هذه الدول بأيّ ضغط خارجي (يُقصد بذلك مواجهة النفوذ الصيني في هذه المجالات).
بالتأكيد التنسيق العسكري هدفه الإضعاف الاقتصادي للعملاق الصيني!
نظرة متأنّية إلى جدول ترتيب اقتصادات العالم منذ عامين والبالغ إجمالي ناتجها الكلّي 91 تريليون دولار سوف تكشف الآتي:
يأتي في الترتيب الأوّل الاقتصاد الأميركي، ثمّ الاقتصاد الصيني، ثمّ يأتي الياباني، فالاقتصاد الكوري الجنوبي في المرتبة الـ22.
باختصار هناك محاولة تنسيق بين الاقتصاد الأميركي (رقم واحد) والاقتصاد الياباني (رقم 3) والكوري الجنوبي (رقم 22) من أجل إضعاف وإبطاء الاقتصاد الصيني عبر الحرب التجارية وإضعاف الاقتصاد الروسي عبر الحرب الروسية- الأوكرانية والعقوبات المصاحبة لها.
بالطبع خرج علينا مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان فور انتهاء قمّة كامب ديفيد ليعلن أنّ هذه القمّة ليست موجّهة ضدّ أيّ دولة بعينها. لكن لا يمكن التغافل عن أنّ هذه القمّة تأتي عقب القمّة الروسية الإفريقية وتسبق بأيام اجتماعات دول البريكس (الصين، الهند، روسيا، البرازيل، جنوب إفريقيا) التي تسعى أكثر من 15 دولة إلى الانضمام إليها من أجل إقرار تقنيّة إصدار عملة جديدة للمعاملات تكون بديلة من الدولار الأميركي.
هنا لا أحد يمكن أن يلوم دولاً عظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية على سعيها إلى الحفاظ على مصالحها الحيوية وتأمين مكانتها الاستراتيجية. لكنّ هذا الأمر يجب ألّا يدفع إلى مواجهة كونية لا نعرف متى وإلى أين يمكن أن تنتهي.
يقول المفكّر الاستراتيجي "ليول هارت": "حينما تحاصر عدوّك يجب أن لا تُحكِم الحصار بشكل خانق تماماً وإلّا حوّلته إلى عدوّ انتحاري بائس فيفجّر نفسه ويفجّر كلّ من حوله".

ما نحذّر منه أنّ الولايات المتحدة حينما تمارس إدارة أيّ صراع يجب أن تحسب ألّا يؤدي إلى دفع الخصم إلى عمل انتحاري عدائيّ.
إدارة الصراع، أيّ صراع، لها شروط وقواعد منضبطة، أهمّها عدم وصوله إلى حالة من الفوضى أو الانفلات المدمّر للجميع.