يلفت النظر الاشادات الإسرائيلية التي اسمعت مؤخرا بحق وزير خارجية ايران حسين امير عبد اللهيان ، وهي اشادات منبعها درجة الغيظ الشديد من النجاحات التي حققها مؤخرا والتي تصل حد الاختراقات ، و الحديث هنا يدور عن اجتماعه في جدة مع و لي العهد السعودي محمد بن سلمان ، اجتماع نوعي ، ما كنا لنصدق حدوثه خلال السنوات الثمانية الماضية من عمر الأمير في الحكم . طال الاجتماع ساعة و نصف ، و تتوج بحمل اللهيان دعوة من الأمير الى الرئيس الإيراني بزيارة الرياض .
كانت تسوية الخلافات مع السعودية ، او طي صفحتها ، هي آخر دول الخليج ، الذي نجح اللهيان في تسويتها في اقل من عامين ، رغم عدم انكار الدور الذي تلعبه بلاده عسكريا في دعم الحوثيين في اليمن ، ورغم العداء المستفحل مع أمريكا وإسرائيل والذي يصل بمجاهرة ان الأولى هي "الشيطان الأكبر" ، و الثانية "لا بد من ازالتها عن الخارطة" ، ما عرضها الى عقوبات شاملة منذ انتصار ثورتها قبل ٤٤ سنة ، وتحويلها الى عدو شيعي يستهدف السنة في العالمين العربي والإسلامي .
يحرص الوزير اللهيان على هدوء ملفت للنظر ، و مستمع لضيوفه او مضيفه اكثر منه متحدثا ، حتى لو كانوا اقل منه شأنا او منصبا ، لكنك تشعر انه يعرف ما يريده بدون لف او دوران ، و بلغة الشارع تعرف انه لا يكذب ، و بلغة السياسة تعرف انه لا يداهن ، لكنه لا يلجأ الى لغة التهديد و الوعيد التي عرف بها نظراؤه السابقون .
يحمل الوزير الذي لم يصل الستين بعد (ولد عام 1964) شهادة الدكتوراة في العلاقات الدولية ، و هو بالمناسبة علم جديد ، ليس له علاقة بمطاحنات السياسة و مداهناتها واكاذيبها ، و "فن الممكن" ، و هو ما عرفناه عن وزراء خارجياتنا العربية الذين بالكاد نعرف أسماءهم ، حاليين و راحلين ، دون ان يحققوا أي إنجازات تذكر . سيقول البعض ان وزراءنا هم مجرد موظفين في قصر السلطان ، و هذا كلام صحيح ، و سيقول آخر ان قوة او ضعف الوزير انما هو انعكاس لقوة او ضعف بلده ، و هذا صحيح أيضا ، لكن القوة لا تقتصر على ما تملكه الدولة من أسلحة ، بل ما تملكه من اخلاق إنسانية بحق شعبها و شعوب العالم عموما ، و هناك دول منزوعة السلاح اقوى من دول عاتية تمتلك أسلحة نووية ، و لكنها آيلة للسقوط قبل غيرها ، انظر الى دولة الكيان ، وبعيدا عن انها تحتل شعبا آخر ، ها هي تنفجر داخليا لاسباب ليس لها علاقة بالشعب الذي تحتل . وزير الخارجية الأردني ايمن الصفدي الذي دخل لتوه الستين من عمره ، و يحمل شهادة في الادب الإنجليزي ، له من ملامح اللهيان ، حتى ان بعض المسؤولين الإسرائيليين يطلقون عليه غيظا من مواقفه المتشددة ضدهم لقب بن غافير الأردني .
قال لي احد المفاوضين الفلسطينيين ، ان ما كان يثير غيظه ، عند التقائنا اعضاء الطاقم الإسرائيلي المفاوض الاقبال عليهم بالاحضان و القبل ، ظنا منا ان هذا قد يغير من مواقفهم .