قُتل في يومي الأحد والاثنين الماضيين ثلاثة إسرائيليين، اثنان منهم في حوارة والثالثة في الخليل قرب مستوطنة كريات أربع فيما أصيب مستوطن آخر، بينما يتواصل نزيف الدم الفلسطيني حيث يقتل مواطنون فلسطينيون بشكل يومي تقريباً. وبلغ عدد القتلى الإسرائيليين منذ بداية العام 35 شخصاً، بينما عدد الشهداء الفلسطينيين 226 شهيداً، حتى يوم أمس. والأمور ذاهبة نحو المزيد من التصعيد في ظل استمرار الاحتلال وتكثيف البناء الاستيطاني، وازدياد حدة جرائم وعدوان المستوطنين. فالمستوطنون أصبحوا يمارسون العنف والاعتداءات بشكل يومي بغض النظر عن حصول أو عدم حصول عمليات فلسطينية.
المواجهة مع المستوطنين، لا تغطى إعلامياً بشكل كامل ولا تحظى بالتركيز الذي تستحق على المستوى الدولي، وفقط في حالات وقوع قتلى وإصابات إسرائيلية وحدوث أعمال انتقامية من المستوطنين كما حصل خلال الأيام الثلاثة الماضية، وقبل ذلك بعد العمليات في حوارة وعمليات الحرق والتخريب التي تمت في حوارة وترمسعيا واللبن الشرقية ومسافر يطا وغيرها من مناطق الضفة. مع أن الحياة اليومية في الضفة تشهد الكثير من المواجهات مع المستوطنين والاعتداءات التي تتكرر في مختلف أماكن الضفة حيث تتواجد عصابات المستوطنين.
في الواقع، يستمد المستوطنون التشجيع من برنامج الحكومة القائم على توسيع وتعزيز المشروع الاستيطاني تمهيداً للضم الكامل لأجزاء واسعة من الضفة الغربية إن لم يكن كلها. وهذه الأيام يتم نشر خطة حكومة بنيامين نتنياهو لدعم الاستيطان بحوالي 700 مليون شيكل، بالإضافة إلى مبالغ أخرى لم تحدد بدقة بعد. وسيجري تحويل قسم كبير من هذه المبالغ عبر وزارة المستوطنات والبعثات الوطنية التي تقودها الوزيرة المتطرفة أوريت ستروك. حيث لن تظهر جميع الأموال المخصصة للاستيطان لأن قسم الاستيطان الموجود في الوزارة المذكورة يخضع لمسؤولية المنظمة الصهيونية العالمية وهي جهة غير حكومية. أي أن الحكومة تتحايل حتى لا تتم معرفة تفاصيل صرف الأموال التي لا تخضع لرقابة. ولكن بعد كشف حركة «السلام الآن» الإسرائيلية تفاصيل هذه الخطة دُفعت الولايات المتحدة إلى التحذير من أن الاستيطان «يقوض الجدوى الجغرافية لحل الدولتين، وأنه يحرض على التوتر ويزيد من الإضرار بالثقة بين الجانبين»- على حد تعبير نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية فيدانت باتيل، الذي عبر عن معارضة واشنطن لتوسيع المستوطنات وحثها إسرائيل للامتناع عن هذا النشاط.
نحن في الحقيقة نواجه مشروعاً يقوم على شطب الحقوق الفلسطينية بالكامل، وإذا نجح لن يتوقف عند مصادرة الحقوق فقط، بل سيذهب نحو الترانسفير والتطهير العرقي تماماً كما يقول بتسلئيل سموترتش وزير المالية والمسؤول عن المستوطنات والإدارة المدنية في وزارة الدفاع «الأمن». فمشروع المستوطنين يقوم على بسط سيادة إسرائيل على كامل الضفة الغربية وضمها وفرض نظام تمييز عنصري ضد الفلسطينيين وترحيل جزء منهم والقضاء على القسم الذي يقرر مقاومة هذا المشروع.
الانفجار الذي اشتعل فتيله في الضفة الغربية يحرج الحكومة الإسرائيلية ويظهر هشاشتها وفقدانها السيطرة على مجريات الأمور وهو عكس ما كانت ترغب فيه. حيث أنها كانت تلوم الحكومة السابقة على ما تقول إنه تساهُل وضعف مقابل «الإرهاب»، وها هي اليوم لا تستطيع فعل شيء في مواجهة المقاومة الفلسطينية التي لم تعد تنحصر في الأشكال الشعبية السلمية التي تريدها السلطة الوطنية، بل اتسع نطاقها لاستخدام السلاح بصورة مكثفة وفي مختلف أرجاء الضفة من الخليل جنوباً وحتى جنين شمالاً. وكل الإجراءات العقابية الإسرائيلية لا تجدي نفعاً مع الشبان الفلسطينيين الذي قرروا الانضمام للمقاومة المسلحة.
إسرائيل تتهم إيران وحركتي «حماس» و «الجهاد الإسلامي» بالتصعيد من خلال ضخ كميات كبيرة من الأموال الإيرانية في الضفة وشراء كميات كبيرة من السلاح وتمويل الخلايا المسلحة. كما أنها تتهم السلطة الفلسطينية بالعجز وعدم الرغبة في فرض الأمن والنظام العام في المناطق التي تحت سيطرتها. ولكن لا يعترف الإسرائيليون بأن هذا التصعيد هو نتيجة حتمية للعدوان المستمر من عصابات المستوطنين المحميين والمدعومين من قوات جيش الاحتلال. وهو كذلك تحصيل حاصل لغياب الأفق السياسي والأمل في الوصول إلى تسوية سياسية عادلة تنهي الاحتلال الإسرائيلي وتؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة وحل كافة قضايا الصراع الجوهرية. واليوم لا يوجد ما يمكن فعله للسيطرة على اللهيب في الأراضي الفلسطينية في ظل استمرار الاحتلال بشكله العنيف والدموي وتغول عصابات المستوطنين التي على ما يبدو لا تشعر بوجود أي رادع، بل وتهاجم في بعض الأحيان قوات جيش الاحتلال عندما تحاول الأخيرة منعها من تنفيذ أعمال انتقامية. وهذا كله يحدث بسبب غياب المحاسبة الدولية، وسياسة المعايير المزدوجة التي تمارسها القوى الداعمة لإسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة.