هارتس : ماذا وراء تأجيج النيران في الضفة؟

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل


تقف إسرائيل في مواجهة مشكلة تصاعُد "الإرهاب" الفلسطيني في الضفة الغربية، الذي ينزلق جزء منه إلى داخل الخط الأخضر. وإذا كان 80% من منفّذي العمليات "الإرهابية" يأتون من شمال الضفة، خاصة من منطقة نابلس وجنين، تزداد اليوم المؤشرات الدالة على امتداد "الإرهاب" إلى مناطق أُخرى، مثل الخليل وطولكرم. وما يساهم في تصاعُد التوتر أيضاً الهجمات الانتقامية التي يقوم بها إرهابيون يهود، كما يساهم في تأجيج النيران وجود وزراء وأعضاء كنيست من الائتلاف يشجعون مثل هذه الأعمال علناً.
وقع هجوم، الإثنين الماضي، على تقاطُع الطرق على المداخل الجنوبية للخليل. لاحقت خلية مسلحة من الفلسطينيين سيارة إسرائيلية وفتحت عليها النيران، فأصابتها بعشرين طلقة، الأمر الذي أدى إلى مقتل بات شيفع نيغري، من سكان مستوطنة "بيت حغاي"، وإصابة سائق السيارة بجروح بليغة، لكن ابنة نيغري خرجت سالمة. نجح المهاجمون في الفرار. كان جنود في برج للمراقبة بالقرب من مكان الهجوم، سمعوا أصوات إطلاق النار بالقرب منهم، لكنهم لم يستنتجوا أن المقصود هجوم، ولم يردوا على إطلاق النار.
عموماً، ينجح الجيش و"الشاباك" في حل معظم الهجمات في الضفة. لكن حتى الآن، تستمر مطاردة الفلسطيني الذي قتل إسرائيلياً وابنه من سكان أسدود في قرية حوارة جنوب نابلس، السبت الماضي. لكن يمكن التقدير في الحادثتين، وبمعقولية كبيرة، أن هوية المهاجمين ستُعرف، وفي نهاية الأمر، سيُلقى القبض عليهم، أو يُقتلون. لكن هذه النجاحات، مثل أغلبية النجاحات في مساعي الإحباط، تحدث بعد فوات الأوان، وهي لا تحل المشكلة العامة. في الضفة الغربية، وخصوصاً في الأشهر الأخيرة، يتضافر جهد خارجي مركّز مع حافز داخلي متزايد، والنتيجة ارتفاع هائل في الهجمات.
في تشرين الأول الماضي، وعشية الانتخابات الأخيرة للكنيست، ثارت عاصفة عندما نُشرت أرقام تشير إلى أن سنة 2022 التي لم تكن انتهت، كانت السنة الأكثر فتكاً فيما يتعلق بـ"الإرهاب" الفلسطيني منذ نشوب "انتفاضة الأفراد" في سنة 2015. اليوم، تخطى عدد القتلى هذه السنة الذروة التي وصل إليها في العام الماضي، ولا يزال يفصلنا عن نهاية العام أكثر من 4 أشهر.
ما فهمته "حماس" منذ وقت طويل، فهمه اليوم لاعبون إقليميون، بينهم إيران و"الجهاد الإسلامي" والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. هذه القيادات الموجودة خارج الضفة تحوّل الأموال والتوجيهات وأحياناً السلاح إلى الداخل. ويعتمد هؤلاء على الافتراض بأن هذه الأموال ستصل إلى يد "مخرب" فرد، أو إلى تنظيمات محلية. أصبحت الضفة الملعب المفضل للاعبين الخارجيين، وكل حدث يقع ينطوي على ربح إضافي، وتقويض حُكم السلطة الفلسطينية. إحباط أغلبية الهجمات ليس مهماً، يكفي نجاح واحدة كل بضعة أيام؛ هذه المرة، مرّ أقل من 48 ساعة بين الهجوم في نابلس والخليل، كي تبقى النيران مشتعلة على الأرض، وإسرائيل منزعجة.
يصادف هذا التصعيد مع ولاية أكثر الحكومات تطرفاً ووحشيةً في تاريخ إسرائيل. الوزراء أنفسهم وأعضاء الكنيست، الذين هاجموا الحكومة السابقة بسبب ازدياد العمليات "الإرهابية" في عهدها، يبحثون اليوم عن عنوان لتحميله المسؤولية. من حسن حظهم أنهم حضّروا مسبقاً لائحة عناوين، من خلال اتهامات مسبقة وُجّهت إلى وزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس "الشاباك" وقائد المنطقة الوسطى. وهكذا سمعنا بعد ساعات من آخر هجوم لوزيرة في الحكومة تتهم وزير الدفاع غالانت بأنه هو الذي أصرّ على إبقاء طرقات رئيسة في الضفة مفتوحة أمام حركة الفلسطينيين، وطالب عضو كنيست من الائتلاف بعملية انتقامية.
هذا الخطاب المتفلت هو الذي أدى إلى المذبحة في قرية حوارة، بعد مقتل الأخوين الإسرائيليَّين هناك في أواخر شباط. السبت الماضي أيضاً، وبعد الحادثة الدموية في حوارة، أقدم مستوطنون على رشق سيارات الفلسطينيين بالحجارة. وفي إحدى المرات، أطلق جندي إسرائيلي النار، فجرح أحد الإسرائيليين، وكان يرتدي قناعاً.
بمرور الوقت، ينمو تهديد ملموس من الضفة يشكل خطراً على استقرار الحكومة، له علاقة وثيقة بمبادرات التشريعات والانقلاب القضائي. لحزبَي اليمين المتطرف في الحكومة، الصهيونية الدينية وقوة يهودية، أجندة واضحة تربط بين توسيع المستوطنات وتقويض مكانة السلطة الفلسطينية وبين استمرار التشريعات. لكن بمرور الوقت، من الصعب على هذين الحزبين، خصوصاً حزب قوة يهودية برئاسة إيتمار بن غفير، التوفيق بين الخطاب الحاد (والاتهامات التي وجّهاها إلى الحكومة السابقة) وبين حقيقة أنه حتى الآن، الحكومة الحالية لا تتصرف بصورة مختلفة عن تصرّف خصومها السياسيين في مواجهة الارتفاع بوتيرة "الإرهاب" في "المناطق".
كثيرون من ناخبي اليمين صدقوا أكاذيب وألاعيب هذه الحكومة. لكن استمرار التدهور الأمني في الضفة، الذي يعانيه المستوطنون شخصياً، وازدياد الهجمات بإطلاق النار ورشق الحجارة على الطرقات يمكن أن يعقّدا وضع الائتلاف.
من جهة أُخرى، يواجه رئيس الحكومة ورطة أُخرى. إذا استجاب للدعوات الانتقامية الصادرة عن الجناح المتشدد في حكومته، فيمكن أن يخاطر نتنياهو بما يعتبره حبلاً محتملاً لإنقاذه من أزمة سياسية عميقة، أي إمكانية توقيع اتفاق تطبيع للعلاقات مع السعودية. منذ الآن، ترسل الرياض، عبر وسطاء من الإدارة الأميركية، أنها تنتظر تقديم مبادرات إسرائيلية للفلسطينيين. النظام في السعودية لن يكون متحمساً لاشتعال الوضع في "المناطق"، والذي ينطوي على أعمال عنف من اليمين المتطرف في إسرائيل ضد الفلسطينيين.

عن "هآرتس"