تحدث قبل يومين مُستشار الأمن القومي الأميركي" سوليفان" عن واقع التطبيع "الاسرائيلي_السعودي" بأنه بعيد المنال نظراً لتعقُد الأمور الفنية، في حين جاء تسريب الإعلام العبري عن قُرب تطبيع العلاقات وهذه الاختلافات تُظهر تباينات حول واقع تطبيع العلاقات بين اسرائيل والسعودية.
لكن إذا تم التدقيق في حسابات كلا الأطراف ذات العلاقة سواء الأمريكية أو الاسرائيلية أو السعودية سنجد أن كل منها لديها حسابات مُختلفة عن الأخرى وتباين في وجهات النظر لا ترتبط بين كل منها نتيجة التحديات والمُعيقات التي ما زالت تُشكل تحد لتطور العلاقات إلى تطبيع مُعلن بين اسرائيل والسعودية.
المملكة العربية السعودية سبقت الاعلام حول التطبيع بخطوة تعيين سفير سعودي لدى فلسطين وقنصل غير مقيم في القدس الشرقية وهذا اشارة الى تاكيد السعودية على حق الشعب الفلسطيني نحو تقرير مصيره حسب قرارات الشرعية الدولية وترسيخ مبادرة السلام العربية لعام 2002 والتعيين تأكيداً على تصميم السعودية على شرط ترسيخ دولة فلسطينية قُبيل التطبيع، والسعودية تعلم تماماً ان الشرط تعجيزي بالنسبة لاسرائيل كون الحكومة اليمنية الحالية لن تقبل بوجود دولة فلسطينية الى جانبها اضافة الى تاكيد نتنياهو لاكثر من تصريح بانه لن يُعطي دولة للفلسطينيين بل حكماً ذاتياً يديرون انفسهم والامن يبقى بايديهم سواء الداخلي او الخارجي وهذا يعني ان التطبيع المُعلن قد يكون بعيداً.
كما ان السعودية طلبت شروطاً اخرى لتحقيق التطبيع وهي ابرام معاهدة دفاع متبادلة على غرار الناتو وان تلتزم اميركا بالدفاع عن السعودية عن اي هجوم طارئ، لكن بايدن لوحده لا يستطيع اقرار ذلك نظراً ان هذا الامر بحاجة لموافقة مجلس الشيوخ والاخير لن يوافق الى ادخال امريكا مرة اخرى في صراعات جديدة في منطقة الشرق الاوسط بل تريد اميركا ترتيب وضع الشرق الاوسط ترتيباً امنياً وسياسياً بقيادة السعودية واسرائيل معاً لمواجهة ايران كوكلاء لامريكا، لكن السعودية علمت هذا الامر فسبقت بتعزيز المصالحة الايرانية_السعودية وهذا يُخفف من رواية البُعبع وان كانت المصالحة حذرة في الوقت الحالي.
وكما طلبت السعودية شرطاً آخر وهو بناء مفاعل نووي مدني والسماح لتخصيب اليورانيوم على ارضها وهذا الامر لن تقبل به اميركا ولا اسرائيل حتى لا تتحول منطقة الشرق الاوسط الى سباق التسلح النووي وكما ان اسرائيل غير راضية على ايران في هذا الامر كيف سترضى بذلك للسعودية، وكما ان الصين قدمت عرضاً سخياً للسعودية في بناء مفاعل نووي على اراضِ سعودية وهذا يُضعف الخطة الامريكية.
السعودية لم تطلب التطبيع مع اسرائيل بل العكس الولايات المتحدة الامريكية طلبت ذلك وبالتحديد بايدن حيث ان التطبيع في تاريخ بايدن بمثابة الهدية الكبرى لاعادته الى سدة ولاية جديدة واعتقد السعودية غير معنية بارجاع بايدن الذي تحدث عن ولي العهد بن سلمان بانه انتهك حقوق الانسان فيما يتعلق بقضية الخاشقجي، وكما ان نتنياهو بشخصه يريد التطبيع المجان فاذا حدث التطبيع بعهده فهو بمثابة الجائزة الكبرى وهذا يُعزز مساره السياسي الحالي وكما ان التطبيع المجان يعني ضياع القضية الفلسطينية واختزالها بنواحي اقتصادية وتحولها كمسألة هامشية.
كما ان هدف اميركا من التطبيع ابعاد السعودية عن تعزيز العلاقات الصينية والروسية في المنطقة واعتقد ان السعودية في الوقت الحالي امام انفتاحها الى الشرق لن تتخلى عن التصالحات الاقتصادية والتنموية المستقبلية بالتحديد بعد يقين السعودية ان اميركا قد تتخلى عنها في اي لحظة كما حدث معها في ملف اليمن والعراق تخلت عنها وعلمت تماماً ان هدفها استنزاف السعودية وتقسيمها بالمقابل تقوية ايران، لذا السعودية بدأت تنظر الى سياسية تصفير المشاكل بين الاطراف المتناقضة لصالح الواقع الاقتصادي وهذا الامر بحاجة الى تعزيز شرق اوسطي جديد بقيادة " تركيا،السعودية،مصر، ايران، الامارات،قطر" الاطراف المتناقضة من اجل تخفيف التدخلات والتي تهدف لارجاع الواقع العثماني او الفارسي حيث باتت المشاريع تلك في خضم الفشل امام التغيرات الدولية، فالسعودية طرحت فكرة شرق اوسطي جديد بواقع اقتصادي بعيد عن التدخلات في الدول وايضا ترسيخ الواقع السياسي والامن والاستقرار للبدء في تعزيز البعد الاقتصادي اضافة الى وقف تدخلات اسرائيل العنصرية تجاه الفلسطينيين للبدء في دمجها ضمن أُسس الشرعية الدولية.
لكن تبقى المعضلة ان الحكومة الاسرائيلية اليمنية الحالية لا تؤمن بواقع السلام والدليل ما تقوم به يومياً من اقتحامات وعلى ما يبدو ان القادم اسوأ وذلك ان قرار الحكومة بات في بوتقة التصعيد وتحقيق الاهداف باهظة الثمن سواء اغتيالات او الضغط على قطاع غزة والاستمرار في اضعاف السلطة من خلال استخدام السياسة الامنية المتعلقة بالاضعاف المزدوج بعكس السياسيات السابقة التي كانت تستخدم تارة تقوية السلطة مقابل اضعاف حماس وتارة تقوي حركة حماس في القطاع مقابل اضعاف السلطة، الان بدأ العد التنازلي لاضعاف كلا الطرفين والفرصة مناسبة لاسرائيل نظراً لضعف الحالة الفلسطينية وعدم قدرتهم على توحيد ذاتهم الجبهوية.
وهذا الامر يُبعد واقع التطبيع "السعودي _الاسرائيلي" على الاقل ما بعد الانتخابات الاميركية لعام 2024 وتغير في تشكيلة الحكومة الائتلافية بانضمام غانيتس لكن معروف بواقع السياسية الاسرائيلية ان تشكيل حكومة وحدة وطنية اسرائيلية هذا يعني الدخول بقوة في اي حرب قد تحدث نظراً لتوحد المعارضة ونتنياهو في ذات الهدف، من هذا المنطلق سواء بوجود الحكومة الحالية او حكومة الوحدة الوطنية لن يعطوا للفلسطينيين اي امل لتحقيق دولة الا في حال تغير الواقع الفلسطيني الهش الذي بات ينخر في القضية قبل حدوث اي حالات تطبيع جديدة فالدول الاخرى لها مصالحها فهل الجانب السياسي الفلسطيني سيبدأ البحث عن مصالحه؟