قفزة عريضة أخرى تقفزها السعودية نحو مستقبل عربي مشرق وواعد إعلانها الانضمام لمجموعة "بريكس"، وهو تحالف فتي لا يتجاوز عمره اكثر من خمس عشرة سنة ، يضمر اضعاف اضعاف ما يعلن ، وتسميته "بريكس" تسمية متواضعة، تعني الاحرف الأولى من دوله الخمس باللغة الإنجليزية : برازيليا ، رشا ، إنديا ، تشاينا و ساوث افريكا ، تسمية تمويهية ليس لها أي دلالات او اهداف سياسية او عسكرية او أمنية او اقتصادية او اجتماعية او تاريخانية حضارية ، وفي حقيقة الامر، هي كل هذا وأكثر ، فهي تضم الصين والهند بحوالي ثلاثة مليار انسان في شرقي قارة اسيا، وروسيا سليلة الاتحاد السوفياتي المتوزعة بين قارتي أوروبا وآسيا ، قوة عسكرية نووية هي الأولى في العالم ، والبرازيل الواعدة بالاشتراكية في كل القارة اللاتينية ، ثم جنوب افريقيا المتحررة من نظامها العنصري البغيض على يد رمزها نيلسون مانديلا من السجن الى الحكم ، ومن الحكم الى "البريك" ، حيث انضمت لاحقا واضيف اليه الحرف الأول من اسمها وبه اصبح بريكس بدلا من بريك .
في الاجتماع الدوري الأخير رقم 15 المنعقد في جنوب افريقيا ، ظهر زعماء الدول الخمسة ، كما لم يظهروا من قبل ، كأنهم بدأوا يجاهرون ببعض من خفاياهم ، لقد اعلنوا بوضوح انهم ليسوا مجموعة تجارية ، كان ينفع ايفاد وزراء التجارة او الاقتصاد لحضور الاجتماع ، اعلنوا بوضوح استهدافهم للدولار ، بأن يتعاملوا فيما بينهم بعملاتهم المحلية ، مقدمة لاصدار عملة موحدة باسمهم يستبدلون بها عملاتهم الخمس . ان هذا الاستهداف للدولار ، انما يستهدف أمه التي تصدره ، أميركا ، بل الدول التي تتعامل به . اعلنوا بوضوح استهداف تفردها بحكم العالم ، بالحديد و النار وصندوق النقد والبنك الدولي ، وانهم هنا لكي يكسروا هذا التابو الرأسمالي الاجرامي ويتصدوا للإجراءات والعقوبات التي تفرضها أميركا ضد الدول الأخرى ، كما اعلنوا بطريقة او بأخرى انتقاداتهم لمجلس الامن والعضوية الدائمة "الأبدية" و طرائق استخدام حق النقض "الفيتو" الذي كان نصيبنا منه نحن الفلسطينيين 44 مرة من اصل 86 فيتو اميركيا، وبعبارة أخرى ، فإنهم بمثابة اعلان الثورة على هذا الوضع الراهن .
ويجيء انضمام ست دول جديدة وازنة ، من ضمنها ايران والارجنتين ومصر، وفي المقدمة السعودية، لكي تتضح اكثر فأكثر صورة المجموعة على انها حلف حقيقي يتمتع بما لا تتمتع به أميركا ولا أوروبا، سكانيا وجغرافيا وعسكريا واقتصاديا ، و الأهم، أخلاقيا ، بحيث يعاد لشعوب العالم الفقيرة بعضا مما سرقه هذا الغرب المتوحش-و ما يزال - بالاستعمار العسكرتاري حينا ، والاقتصادي أحيانا . حتى نحن العرب ، "اصبح لنا في الجمل ذان" ، كما يقول المثل الشعبي ، اصبح لنا من يمثلنا تمثيلا يليق بأمتنا في محفل جدير بتحقيق بعض من تطلعاتنا، مصر، السعودية والامارات، مع بعض التخوف المشروع ان لا تنضم إسرائيل الى المحفل .