هارتس : رغم الدلائل.. “الفلسطيني الكندي” يجند ملايين الشواكل.. ومحكمة إسرائيل: مستوطنون أبرياء

4sLjR.png
حجم الخط

بقلم هاجر شيزاف

عندما اشترى مقاول العقارات، الكندي – الفلسطيني، خالد السبعاوي، أراضي قرب القرية الفلسطينية تُرْمسعَيّا، لم يتخيل أن الأمور ستكون على هذا النحو. كان يحلم بمشروع بناء للطبقة الوسطى الفلسطينية – بيوت تبنى في منطقة واسعة وجميلة. “شاهدنا قطعة أرض جميلة على تلة هادئة في مناطق ب”، وأضاف: “على أراضي القرية، ولكن غير قريبة جداً، كي تكون قابلة للامتلاك، وثمة مشهد جميل يمكن للناس الاستمتاع به والوصول إلى خدمات البنى التحتية”.

لكن بعد أربع سنوات على بداية المشروع، تم تجميده نهائياً. السبب؛ أن مستوطني المنطقة عملوا جاهدين على إفشاله. الآن قدمت شركة السبعاوي، “شركة الاتحاد للبناء والاستثمار”، دعوى بمبلغ 18 مليون شيكل ضد ستة مستوطنين شخصتهم كقادة للحملة ضد البناء – وهي دعوى غير مألوفة في حدود الضفة الغربية. أشخاص آخرون مدعى عليهم هم الشرطة والجيش، قالت الشركة إنهم لم يحموا المشروع من اعتداءات المستوطنين العنيفة.

بعد فترة قصيرة من بدء الشركة في أعمال تمهيد الأرض، بدأ مستوطنون بالتظاهر فيها لوقف المشروع. ويحرصون على تسميته بـ “مدينة عربية جديدة”، رغم أنه فعلياً حي تابع لترمسعيا. نشرت وسائل الإعلام المؤيدة لليمين عن مظاهرات للمستوطنين هناك عدة مرات. وفي كانون الأول 2021 صور عضو الكنيست إيتمار بن غفير نفسه وهو يزور المكان. ولكن نشاطات المستوطنين لم تنته بالمظاهرات.

“المشكلات التي واجهناها في ترمسعيا لا تشبه أي شيء آخر”، قال السبعاوي. “مستوى كراهية الأجانب والعنصرية والعنف الذي شاهدناه من الإرهابيين المستوطنين الإسرائيليين كانت صادمة، لا سيما أنه يحدث بإشراف الجيش الإسرائيلي”. حسب تسجيلات الشركة، فمنذ حزيران 2019 وحتى آب 2022 كان هناك 74 اقتحاماً للإسرائيليين ضد مشروع الشركة؛ وفي 26 حالة منها تم توثيقها، ألحق المستوطنون الأضرار بالموقع نفسه، وفي 19 منها اعتدوا جسدياً على عمال الشركة أو زبائنها.

المشروع المخطط له يحاذي “شيلا”، ضمن بؤر استيطانية هي “عيدي عاد”، و”عميحاي” التي تضم المخلين من “عمونة”. جمعت الشركة خلال سنوات مواد توثيق تجسد حملة تهديدات المستوطنين لكل من لهم علاقة به. في الفيلم الذي وثق في كانون الثاني 2020 ظهر مستوطن واقفاً على أرض المشروع، ويقطع الطريق أمام الزبائن. “هذه ليست أرضك”، “لا يمكنك المكوث هنا”، “يلا، اذهب من هنا”، “إذا كنت تحب أولادك فلا تأت بهم هنا” – ليست هذه سوى عدد من الأقوال التي وجهها المستوطن للزبائن. بعد سنتين، تم تعيين هذا المستوطن، اليشع ييرد، في منصب المتحدث بلسان عضوة الكنيست ليمور سون هار ميلخ (قوة يهودية). وهو الآن متهم بالتورط في قتل قصي معطان أثناء المواجهة التي حدثت في قرية برقة في بداية هذا الشهر.

ييرد، وهو أحد المدعى عليهم في دعوى الإضرار، ليس هو المستوطن الوحيد المعروف في القائمة، فمثله مئير اتنغر الذي يعتبر الأب الروحي لـ “شبيبة التلال” اليوم، والزوجان عميشاف وشيري ميلت. المحامون الذين يمثلون الشركة في هذه القضية هم ميخائيل سفارد وحسين أبو حسين. الدعوى تتهم ميلت بسرقة معدات قياس من موقع البناء. وقد ادعي ضده وضد ييرد بأنهما حرضا على إفشال أعمال البناء في المشروع بعدة وسائل، منها في تويتر والتلغرام والفيسبوك. تجاه المدعى عليهم، ومنهم أيضاً المستوطنان ايتان افيتال ويعقوب سعدون، ادعي أنهم شوشوا الأعمال أو أزعجوا زبائن المشروع.

في آذار 2020 تم توثيق اتنغر وييرد وميلت وسعدون وهم يغلقون الطريق المؤدية إلى المشروع. “من يشتري من الشركة ستفقد أمواله ويصبح فقيراً”، سمع اتنغر وهو يحذر أحد الزبائن المحتملين. “لا يوجد هنا شيء. عليك البحث عن مكان آخر ستسكن فيه”. حسب لائحة الدعوى، دفع سعدون أحد عمال الشركة وأصابه، بل واستل سكيناً هدده بها. محامو سعدون ينفون هذه الأمور، ويقولون إن الأمر يتعلق بخطأ في التشخيص. في فيلم قصير آخر وثق الحادثة، سُمع مستوطن آخر يقول لأحد الفلسطينيين: “وجودك هنا إشكالي. هذا مكاني. عليك الخروج وعدم الاقتراب من هنا طوال حياتك. إذا رأيتك ثانية تعرض نفسك للخطر”.

في توثيق آخر من كانون الثاني 2021 سمعت مستوطنة وهي تشتم أحد عمال الشركة، وتقول له: “اغرب من هنا! يا كلب، أبعد الكاميرا، ليتك تموت ويمحى اسمك”. وحسب تسجيلات الشركة، ففي أيلول من السنة نفسها، وثق نحو 30 مستوطناً وهم يأتون المكان ويحرقون الأشجار. وأكثر الحالات بروزاً، حالة حدثت في حزيران من العام الماضي. عرفات الطحان، وهو من سكان شرقي القدس، أراد زيارة قطعة الأرض التي اشتراها من شركة السبعاوي، ولكن كان للمستوطنين خطط أخرى. أغلقوا الطريق أمامهم ورشقوا عليهم الحجارة وأشعلوا النار في سيارة أحد عمال الشركة. عقب الاعتداء، تم علاج الطحان في مستشفى “شعاري تصيدق” حيث عانى من كسور في الوجه.

مبلغ الدعوى المرتفع يبرره السبعاوي بالأضرار التي لحقت بالشركة عقب أعمال المستوطنين. يقول الآن إن تسويق الأراضي توقف. وحسب أقواله، طلب عدد من الزبائن تعويضات عن الأراضي التي اشتروها، وأحدهم الطحان الذي اشترى قسيمتين. حسب أقوال السبعاوي، فإنه منذ الاعتداء عليه لم يتم بيع أي قطعة أرض في إطار المشروع. “لا أرسل أحداً من الزبائن لرؤية المشروع الآن. وإرسال عمالي إلى المكان لم يعد آمناً لوجود مستوطنين مسلحين يعتدون عليهم”، قال.

لكن المستوطنين ليسوا الوحيدين الذين ادعي عليهم. فالسبعاوي يقول إن للشرطة والجيش دوراً في إفشال المشروع. وحسب قوله، لم يمنعوا هجمات المستوطنين. مثلاً، لم يصادق الجيش للشركة على تركيب كاميرات حماية هناك بذريعة أن هذا سيشكل خطراً أمنياً. في 2019 قدمت الشركة التماساً للمحكمة العليا ضد الجيش طالبت فيه بحماية المشروع. “يجب عدم نفي أن الصورة التي تظهر من الالتماس مقلقة ومثيرة للغضب”، كتب في قرار الحكم الصادر في آذار 2021. “الواقع الذي يزرع فيه أشخاص زعران دماراً في الممتلكات الخاصة ويفشلون بالقوة مشروع بناء لا يروق لهم، هو واقع لا يمكن التسليم به، والذي يقتضي اتباع الحزم ضدهم”. ولكن رغم الأقوال القاسية، قررت المحكمة استنفاد الالتماس؛ لأن الجيش تعهد بحماية المشروع. عشرات الأحداث العنيفة التي وثقت منذ ذلك الحين تدل على أن هذا لم يحدث.

رداً على دعوى الإضرار، ادعت الدولة بأنها “فعلت جهدها” للحفاظ على النظام العام وعلى عمال الشركة. أشارت الدولة إلى أنه تم القيام بأعمال إنفاذ للقانون، وتم إصدار أوامر تعلن عن منطقة عسكرية مغلقة، وحتى إنه تم اعتقال عدد من الأشخاص، الذين حسب الاشتباه، كانوا متورطين في أعمال الشغب. مع ذلك، اعترفت الدولة بأنه تم إغلاق الملفات التي فتحت بسبب بنود متعلقة بأنه من غير المناسب تقديم مجرم مجهول للمحاكمة، أو بسبب غياب الأدلة.

في الأسبوع الماضي، قدم المستوطنون لائحة دفاع للدعوى عن طريق المحامي العادي فيزل، من جمعية “حنونو”. قال الستة بأن أفعالهم تعتبر “احتجاج مشروع”، ينطبق عليها التقادم، وأنه لا يمكن أن تُنسب إليهم الأضرار التي ذكرت في الدعوى. وقالوا لأن أن المشروع موجود في مناطق “ب”، ولأن الشركة فلسطينية، فليس للمحكمة أي صلاحية للنظر فيها.

لائحة الدفاع شملت أيضاً ادعاءات تتعلق بالشركة نفسها. فحسب ادعاءات المستوطنين، لا يدور الحديث عن شركة عقارات عادية، بل عن شركة تقوم بالدفع قدماً بمصالح وطنية فلسطينية. هذا حسب ادعاءهم بأن المشروع الكبير للشركة، الذي سمي “مشروع طابو”، يحاول تنظيم الأراضي التي تشتريها الشركة في سجل الأراضي الفلسطيني. حسب رأيهم، المشروع جزء من “مخطط فياض”، الذي وضعه رئيس الحكومة الفلسطينية السابق سلام فياض، للمضي بخطة بناء في الضفة كي تؤدي إلى استقلال فلسطيني. “هكذا، فإن المدعية (الشركة) تعمل كذراع تنفيذي بواسطة القطاع الخاص على تحقيق مصالح وطنية فلسطينية”، كتب في لائحة الدفاع.

حسب ادعائهم، إن اختيار إقامة المشروع قرب “عميحاي” تم حسب نمط “ربط البناء العربي الجديد بهدف خنق المستوطنات اليهودية”. وزعموا بأن المشروع يتسبب بخطر أمني حقيقي وفوري لسكان المستوطنة اليهودية. لذا، أعمال المستوطنين هي احتجاج يعبر عن محنة وجودية حقيقية.

بخصوص نشاطات المستوطنين، تنفي لائحة الدفاع أن ميلت كان مشاركاً في سرقة معدات، وأنه هدد أشخاصاً لهم علاقة بالشركة أو أنه اقتحم فضاءها الخاص. وبخصوص فيلم ييرد، كتب أنه لم يردع من دخلوا إلى الموقع، وأنهم “خرجوا من المكان” بدون أن يظهر عليهم الخوف. وبخصوص افيتال، ادعى أنه جاء المكان عقب تقرير عن أشخاص مشبوهين، لكن لم تكن له علاقة برشق الحجارة أو اجتياز حدود. أما سعدون، فقال المحامون إن الأمر يتعلق بخطأ في التشخيص، وأن الشخص الذي ظهر في الفيلم ليس هو.

بقلم هاجر شيزاف

هآرتس