في أيام ألعاب الوعي سبق أن اعتدنا على ان يُعرض الإنجاز فشلاً، ويلون الأبيض بالأسود. وعليه فليس مفاجئاً ان يكون هذا هو مصير اللقاء التاريخي بين وزير خارجية إسرائيل، ايلي كوهن، وبين نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية الليبية. فقد جرى اللقاء في روما، الأربعاء الماضي، برعاية وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني. تمثل المنقوش الحكومة الليبية، التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، والتي تعترف بها الدول الغربية وتسيطر على الجانب الغربي من ليبيا. ولما كان مندوبو الحكومة الشرقية، التي تستقر في بنغازي، التقوا في الماضي مع مندوبين إسرائيليين بل زاروا البلاد، فان المعنى هو ان الجناحين المسيطرين في ليبيا يعترفان بإسرائيل، يقدرانها ويريدان العلاقة معها.
كوهن ووزارة الخارجية لم يخرقا أي اتفاق مع الليبيين. فقد تقرر معهما مسبقا ان ينشر أمر انعقاد اللقاء. الفجوة الوحيدة هي تبكير بضع ساعات بعد أن تسربت القصة. فضلاً عن ذلك، تم كل شيء حسب الكتاب والقواعد المهنية. وبمراعاة الأبعاد التاريخية للقاء، فان بضع ساعات هي مسألة هامشية.
تحت حكم الطاغية القذافي كانت ليبيا بين الأعداء الألداء لإسرائيل. وحتى بدون تطوير النووي الذي عمل عليه، استضافت بلاده ودربت "مخربي" م.ت.ف، وعمل القذافي نفسه حتى يومه الأخير على منع قبول إسرائيل لدى دول افريقيا. وتجدر الإشارة الى موقع ليبيا الجغرافي عظيم الأهمية وحجمها الهائل. وها هي، دول كبيرة أخرى، كانت رمزا للعداء العربي الخالد لإسرائيل تريد بفصيليها العلاقة مع إسرائيل. كل من يتدفق فيه قليل من الوطنية الإسرائيلية عليه أن ينفعل لهذا التطور. لبنة أخرى في سور النزاع الإسرائيلي -العربي تسقط.
لم يأتِ هذا التطور صدفة. فوزير الخارجية ايلي كون، رجل العمل الصعب، حدد هدفاً واضحاً لكبار مسؤولي وزارة الخارجية لدى تسلمه المنصب. "تطورات خارقة للطريق"، طلب منه. هكذا تحقق اتفاق سلام مع السودان (وان كان في هذه اللحظة غير قابل للتطبيق لأسباب ليست متعلقة بنا). وكذلك رحلات جوية إسرائيلية تجتاز سماء عُمان وتصل بسرعة اكبر الى الشرق. والآن علاقة رسمية وعلنية مع ليبيا. من كان يصدق؟!
غير أنه في مطارحنا الانباء الطيبة ليست أنباء، والحسابات الداخلية – سواء داخل الحكومة أم بينها وبين المعارضة - تجعل الطيب يعرض سيئا. بهذه الروح، حددت العناوين الرئيسة والإحاطات اللقاء ونتائجه كـ "حرج"، واشتكت من فرار المنقوش الى تركيا. اذهبوا وافهموا. لو ان هؤلاء الذين اطلعوا على الحدث فحصوا لاكتشفوا ان في ليبيا المترنحة اضطرابات كل اثنين وخميس، وان الوزيرة الشجاعة اضطرت في الماضي أيضا لأن تهرب في ظروف مشابهة، ودون صلة بنا. لكن حسنا، اذهب وافحص. لقد سيطرت على حياتنا الضحالة والفئوية.
وبالفعل، فلمن لا يزال معنيا بالحقائق، هاكم السطر الأخير: وزارة الخارجية برئاسة الوزير كوهن سجلت إنجازا تاريخيا. كل الخطوات كانت منسقة مع الليبيين، بما في ذلك نشر اللقاء. لن تعود ليبيا الى ما كانت عليه في كل ما يتعلق بإسرائيل. وعليه، فبدلاً من الشتم، تجدر التهنئة.
عن "إسرائيل اليوم"