لم يكن يومًا ككل الأيام، بدا حضوره على وجوه الجميع متوحشًا بأكثر مما يُحتمل. هل غدروا به لصالح البرازيل؟ مهارته الطاغية لم تشفع له عند رئيس برشلونة، لذلك فنظرية المؤامرة ضده قائمة، ولكن هذه المرة كانت على مستوى أعلى.
"أنا دييجو" مذكرات كتبها الأسطورة الأرجنتينية دييجو أرماندو مارادونا، ويستعرض كووورة بعضا منها، روى فيها الكثير من الصعوبات التي واجهها خلال رحلته، كان أكثرها قسوة ما تعرض له في برشلونة، واختتمت بنهايته المأساوية على المستوى الدولي.
كل ما سيلي من وقائع، جاء وفقا لمذكرات مارادونا:
خيانة "فيفا" تنهي حلم المونديال
حظيت استعدادات الولايات المتحدة الأمريكية لاحتضان نسخة 1994 من كأس العالم باهتمام واسع من قبل القيادة السياسية للدولة، ما دفع للتفكير في طرق إنجاح البطولة، نظرًا لأن كرة القدم لا تمتلك شعبية كبيرة هناك.
وعد هافيلانج
روى خوليو جراندونا، نائب رئيس "فيفا" ورئيس الاتحاد الأرجنتيني الأسبق، أن هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا حينئذ، طلب من جواو هافيلانج رئيس "فيفا" وقتها، نجمًا يخطف الأنظار، ليرد: "يتواجد يورجن كلينسمان، روماريو، روبيرتو باجيو".
وكان رد كيسنجر: "أريد مارداونا، أريد دييجو بأي طريقة".
والمعضلة أن مارادونا كان قد توقف عن اللعب منذ 15 شهرًا بعدما ترك نابولي، وخاض بعدها موسمين كانت مشاركاته فيهما ضعيفة.
بعدها طلب رئيس "فيفا" نائبه جراندونا، وقال في حسم: "المسؤولون بأمريكا يريدون مارادونا في المونديال"، لذلك، استدعى رئيس الاتحاد الأرجنتيني طبيب المنتخب وحكى له ما دار في وجود دييجو.
وكان جواب الطبيب: "يمكننا فعل ذلك، سنخفض الوزن، ولكن دييجو يحتاج لعقاقير محظورة من أجل المساعدة، ونريد الضوء الأخضر منكم".
تكلم جراندونا مع رئيس "فيفا" الذي منحه الموافقة، واعدًا اللاعب بألا يتم إخضاعه لكشف المنشطات.
المؤامرة تكتمل
خاض منتخب التانجو دور المجموعات وكان دييجو أساسيًا، عبر اليونان أولاً (4-0)، ثم نيجيريا (2-1)، قبل السقوط أمام بلغاريا (2-0)، ليصعد وصيفًا برصيد 6 نقاط، خلف نيجيريا المتصدرة بذات الرصيد.
شهدت آخر مباراة بدور المجموعات المفاجأة الكبرى، اقتربت إحدى الطبيبات من مارادونا أثناء تواجده على أرض الملعب وأمسكت بيده، فعرف أنه قد تمت خيانته، خضع لفحص المنشطات وبعدها تم إعلان شطبه، قبل أن تخرج الأرجنتين من دور الـ16.
ألمحت الصحف الأرجنتينية وقتها إلى جنسية رئيس "فيفا"، كان برازيليًا، مدعية أنه خشي استمرار مارادونا داخل الملعب، فهو الأمر الذي يهدد فوز السامبا بالمونديال - الذي توجت به لاحقا - فأمر بإقصاء دييجو.
بوجه شاحب، ونبرة صوت فيها الكثير من الانكسار، طالع مارادونا على غير عادته الصحف العالمية، ليلقي أصعب خطاب في حياته: "لقد وعدت أولادي بألا أبكي، لكن لا أستطيع، لقد خانوني، غدروا بي، أنا الآن أشعر بأنهم بتروا لي ساقي".
المرض الخطير والطرد من برشلونة
تلك الواقعة، أضاءت لمارادونا ذكرى مشابهة وقعت قبلها بـ10 سنوات في برشلونة، فرغم تألقه وإحداثه للفارق مع البلوجرانا، إلا أنه طرد، بعد صراع مع رئيس النادي خوسيه لويس نونيز.
الطبيب قتلني
وعن أصعب ما مر به دييجو في برشلونة، أوضح: "كنت أشعر بآلام شديدة في الكاحل، ذهبت إلى الطبيب، ولم ينظر إلى كاحلي، بل لعينيّ.. ثم حصل على تحليل دم، وعدت للمنزل".
في اليوم التالي.. زارني أحد أطباء برشلونة"، ودار الحوار التالي:
دييجو: كان الطبيب مترددًا.. شعرت بالخوف وسألت ماذا أصابني؟ ماذا تقول التحاليل؟.
الطبيب: "حسنًا.. هذا أمر يمكنه أن يحدث لأي شخص".
دييجو يصرخ في خوف: "أخبرني بالحقيقة".
رد الطبيب: أنت مصاب بالالتهاب الكبدي الوبائي.
مارادونا: "لقد قتلني. بعد هذا اليوم لم تكن لدي رغبة حتى لمشاهدة كرة القدم في التلفزيون.
فترة مظلمة
"تجربتي هناك كانت كارثية، المدينة كانت سيئة.. في الواقع أميل لمدريد أكثر".. قالها دييجو في مذكراته.
وأوضح مارادونا سبب موقفه من البارسا: "كرهت برشلونة بسبب نونيز، كان السبب في رحيلي، لقد ادعى رئيس النادي بأنه باعني لأنه عرف أنني أتعاطى المخدرات.. كاذب".
وأكد رواية مارادونا حول الرحيل، ما أعلنه المدير التنفيذي للنادي بعد مواجهة أتلتيك بيلباو، يوم 5 مايو/آيار 1984، لحساب نهائي كأس الملك على ملعب سانتياجو برنابيو.
وقال عقب المباراة: "عندما رأيت تلك المشاهد التي تسبب فيها مارادونا، والفوضى التي أعقبت مشاجرته مع لاعبي بيلباو، أدركت أننا لن نستطيع أن نستمر سويًا".
واستطرد: "نعم، بات وجود مارادونا في الدوري الإسباني مستحيلاً. لقد جاءت توصيات بضرورة التخلص منه، وبالفعل قرر نونيز بيع مارادونا بعد هذه المباراة التي كانت الأخيرة له بقميص البلوجرانا".