في تتمّة مباشرة لمقالة كاتب هذه السطور الأسبوع الماضي (23/4/2023)، بشأن الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة حيال الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، والتي كشفت عنها مصادر إسرائيلية مطلعة، أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تعمل بهديها، وتعبّر من خلالها عن العقيدة المستحكمة في رؤوس القوى اليمينية الأكثر تطرّفًّا إزاء القضية الفلسطينية عمومًا، ينبغي القول إن جذور تلك الاستراتيجية بدأ إشهارها منذ نحو عقد ونصف العقد، وتحديدًا بعد الحرب العدوانية على قطاع غزة عام 2009، التي أعادت الاحتلال إلى مقدّمة الأجندة العالمية.
وتسعف العودة إلى أوراق السياسات التي تكتبتها معاهد الأبحاث العاملة في خدمة هذا اليمين في تبيان عقيدته التي ينافح عنها في الحلبة الدولية. ويكفي كي نمثّل على ما نقصد أن نتوقّف عند الأوراق التي تصدر تباعًا عن "المركز المقدسي لقضايا الدولة والشؤون العامة"، الذي يديره أحد المقرّبين من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ويكتب معظمها الدبلوماسي الإسرائيلي السابق ألين بيكر.
ولعلّ ما يعطي هذه الأوراق أهمية أن قراءتها تأتي بعد فترة يمكن اعتبارها فيها طريقة للتحليل أو مقاربة يمكن استثمارها لتبيان المنظور الحقيقي لما تهجس به إسرائيل في الوقت الحالي بشأن مظاهر عامة ومحدّدة، فمنذ نحو عقد تشدّد هذه الأوراق على أن المقولة الذاهبة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي في أراضي 67 غير قانوني، ويشكل انتهاكًا للقانون الدولي، فرضية كاذبة وخاطئة، وعلى نفي قيام نظام أبارتهايد، وعلى رفض الانسحاب إلى حدود 1967 وتأكيد قانونية المستوطنات.
بحسب ما جاء فيها، دخلت إسرائيل إلى أراضي 1967 بعد "أن تعرّضت للهجوم من كل جاراتها، وتصرّفت بموجب مبدأ الدفاع عن النفس في وجه هجوم عدواني"! ولذا، احتلال أراضٍ في خضم نزاع مسلح هو، برأيها، حالة قضائية معروفة ومقبولة في القانون الدولي. وتزعم أن إسرائيل ملتزمة بتطبيق المبادئ والقواعد الإنسانية والقضائية الدولية التي تسري في حالات "إدارة مناطق"، وجميع الإجراءات الإسرائيلية في إطار إدارة المناطق تخضع لرقابة وثيقة من المحكمة العليا الإسرائيلية.
فضلًا عن ذلك، تعدّ الضفة الغربية، في قراءة تلك الأوراق، في الأصل "يهودا والسامرة" التوراتية. ولم تكن، في أي يوم، تحت سيطرة أو سيادة فلسطينية. وحتى الأردن لم يكن ينوي جعلَ هذه المناطق دولة فلسطينية. وليس هناك أي مفعول أو أساس قانوني لمصطلح "مناطق فلسطينية محتلة" الذي يتكرّر تباعًا، سواء في قرارات الأمم المتحدة أو في بيانات بعض الزعماء الأوروبيين، فهذا المصطلح يفتقر إلى أي أساس قانوني، وليست هناك أي وثائق أو مستندات قانونية أو تاريخية مُلزمة بشأنه.
كما أن استخدام هذا المصطلح يشكّل، في المقابل، انتهاكًا وحُكمًا مسبقيْن لمسألةٍ مدرجة على جدول أعمال المفاوضات، طبقًا لاتفاقيات أوسلو التي اتـُفق فيها على أن الوضعية النهائية، الدائمة، لهذه المناطق سوف تتحدّد في المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، فقط لا غير.
وإلى حين انتهاء المفاوضات والتوصّل إلى اتفاق نهائي بين إسرائيل والفلسطينيين يضع حلًا للصراع بينهما حول الأراضي، ليس ثمّة أي مفعول أو شرعية لأي من القرارات السياسية الخارجية أو القرارات الدولية التي تقول إن المناطق مُلك للفلسطينيين.
إذا ما انتقلنا إلى كيفية تسويق سياسة الاستيطان الإسرائيلية في أراضي 1967 ضمن المحافل الدولية، فإن هذه المقاربة اليمينية تدعّي أنه ليس هناك في سياسة الاستيطان الإسرائيلية أي نقل للسكان بالقوّة أو بكثافة عالية. كما أن هذه السياسة تعتمد على استخدام قانوني للأراضي التي ليست بملكية خاصة، طالما لم يجر التوصّل إلى تسوية نهائية للصراع. وتجزم أن استغلال الأراضي التي ليست بملكية فردية خاصة أو استخدامها لأغراض السكن أو الزراعة يتماشى تمامًا مع القواعد والمعايير الدولية المقبولة والمعتمَدة، شريطة ألا يتم تغيير مكانة الأرض القانونية، إلى حين تسوية الصراع بصورة نهائية ودائمة.
بالتأكيد، ثمّة ما يستلزم لاحقًا التطرّق إليه بمزيدٍ من التفصيل في هذه المقاربة.