بعد حوالي شهر من انقلاب النيجر، يأتي انقلاب الغابون، وهما دولتان وازنتان من حيث ثرواتهما الطبيعية ، شأنهما شأن معظم أراضي القارة السمراء ، التي قيل فيها انها أغنى قارة وأفقر شعوب ، لكن ما ميز الانقلابين الاخيرين انهما يحصلان في ظل نظام انتخابي ديمقراطي ، ومع ذلك رأينا ان شعبي البلدين يؤيدان المنقلبين ، فكيف ذلك ، كيف يفوز هذا الزعيم او ذاك ثم ينقلب عليه عسكره ومن ثم شعبه .
أولا : يستمر الفقر بين أبناء الطبقات العاملة والمسحوقة، البطالة ، تردي الأوضاع الصحية، ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة ، قمع الحريات ، شراء الولاءات ، الموت جوعا ، او شبعا "من التخمة" ، ثم الاستحواذ على السلطة حتى الموت ليأتي "الشبل من ذاك الأسد" ليكمل المسيرة الديمقراطية .
ثانيا : اكتشاف ان الاستعمار "الفرنسي في الدولتين" قد خرج من الباب قبل اكثر من ستين سنة ، وسرعان ما قفز من الشباك ، ما زال هذا الاستعمار "النظيف" بالبدلة وربطة العنق ، يتعاطى مع البلد انها ملكا فرنسيا خالصا يستحوذ عليها كما لو انها مزرعته ، خيراتها ومقدراتها وايدي عمالها الرخيصة ، وكلما حفر أكثر في جوفها ، يكتشف المزيد من كنوزها ، فتزداد أطماعه وشراهته ، ولا ينسى بالطبع ان يرمي لحراس المزرعة بعض الفضلات .
ثالثا : يحرص صاحب المزرعة ان تظل البلد مربوطة بحبله الحديدي عبر عدم السماح بالتطوير والتنمية ، واحيانا عبر خلق الصراعات الاثنية والطائفية والعشائرية ، ولهذا فإن اللغة الأساسية في البلدين هي الفرنسية ، والعملة الرسمية هي الفرانك .
رابعا : اكتشفت الجماهير الشعبية ، وربما عبر طلائعها ، ان "الديمقراطية" الانتخابية كل اربع سنوات مرة ، او حتى كل عشر سنوات ، ما هي الا وصفة علاجية مضادة ، تزيد الفقير فقرا ، والغني غنى ، وان ستين سنة من "الاستقلال" و "الديمقراطية" كافية لنفض هذه الوصفة عن كاهل الناس ، عبر طرد الاستعمار الجديد / القديم ، الذي قام بتغيير واحد فقط ، استبدل بدلته العسكرية بأخرى مدنية . لكن هذا لن يتحقق قبل ان يتخلص من الشراذم الوطنية الداخلية التي لا تجيد الا التآمر مع الاستعمار ضد البلد ومقدراته وخيراته وثرواته .
البعض يتساءل عمن تكون الدولة الافريقية الثالثة ، هل ممكن ان تكون عربية ، خاصة بعد فضيحة لقاء وزيرة خارجية ليبيا مع ما يسمى نظيرها الإسرائيلي ، و التخريجات الكاذبة التي اسمعت عن حقيقة اللقاء والذي تبين ان الرئيس ليس خارج دائرة التورط لطالما ان سيدة العالم الحر والديمقراطية هي التي أشرفت على اللقاء . ففرت الوزيرة الى تركيا زعيمة الاخوان المسلمين ومن ثم الى لندن عاصمة الاستعمارات التي لا تغيب عنها الشمس .
إن الوطن العربي، منذ انبعاث استقلال بلدانه أواسط القرن الماضي ، مبتلى بما ابتليت به النيجر والغابون ، بل بما هو أسوأ ، من ان الديمقراطية ، حتى في حدودها الدنيا ، ديمقراطية الصناديق والانتخابات ، مجرد ترف لا لزوم له ، وحين يحدث مرة او مرتين في العمر ، تكون نسبة النجاح 99.99% .