يُعد التغيير أمراً ايجابياً لكن في بعض الحالات يُصبح التغيير أمراً سلبياً ومُنتقداً نظراً لغياب بديهيات أساسية تُعزز ايجابية "هندرة التغيير"، ففي الواقع الفلسطيني غير المُنظم قانونياً ومؤسساتياً وادارياً نظرا لغياب أهم سُلطة تشريعية تُعزز العقد الاجتماعي "الانتخابات" والتي هي أساس المشاركة السياسية والشعبية لاختيار نواب عنهم يقع على عاتقهم تعيين حكومة تنفيذية إدارية يتم محاسبتها بالطُرق القانونية حول مدى نجاعتها أو فشلها في تحقيق مهامها.
هذا المشهد الطبيعي مُغيب في الواقع الفلسطيني ما يؤدي إلى إحباط المُجتمع لغياب الأفق الوطني والسياسي والاقتصادي بسبب الاحتلال والسبب الآخر غياب تغيير جذري في قدرات حكومة تعمل على إيجاد سُبل تُحقق الاحتياجات للمواطنين وتجعلهم يعملون في موطنهم بدل الذهاب يومياً الى الحواجز العسكرية الاسرائيلية ويتم اهانتهم من قبل الاحتلال الامر الذي سيؤدي الى تنمية الانتقام لدى الفلسطيني كما حدثت في العملية الاخيرة التي نفذها شاب فلسطيني انتقاماً لاهانته وضربه على حاجز "حشمونائيم" قبل اسبوعين اثناء مروره عبر الحاجز في طريقه الى عمله حيث كان يعمل في مجال البناء في منطقة "جان يفنه" ... هذا الشاب لو تم توفير افق مهنية واقتصادية له، لما حدثت العملية.
الهدف من وجود الحكومات هو توفير الاطار الداعم والمساند لعمليات النمو الاقتصادي والاجتماعي وخلق بيئة يمكن من خلالها تطوير الفرد القادر على مجابهة تحديات المستقبل تتفق مع مطالب واحتياجات المواطنين وهذا بحاجة لمشاركة سياسية وشعبية.
المشاركة في المجتمعات هي حصيلة عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية ونفسية وسياسية واخلاقية، والمشاركة هي الترجمة الفعلية للعقد الاجتماعي الطوعي بين الحكومة والمجتمع، حيث تلعب المشاركة دورا فعالا للتغيير نحو الافضل وتنطوي تحت اطار المشاركة المفاهيم التالية منها، التحول بمعنى التغيير الاجتماعي مستمر نحو التقدم، والمفهوم الاخر هو التطور بمعنى التغيُر نحو النمو، ومن المفاهيم الاخرى هو التقدم بمعنى التحرك نحو الامام وتحقيق اهداف ايجابية لافراد المجتمع، وهذه المفاهيم مرتبطة بالمشاركة الشعبية والسياسية وتعني اشراك السكان في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ضمن عملية انتخابية شاملة بعيداً عن التذرع عن حُجج من ضمنها "القدس، المُصالحة، الوحدة، حكم هنا وحكم هناك".
العملية الديمقراطية هي التي ينبثق منها حكومة ديمقراطية وليست مُعينة مُقيدة الصلاحيات وهي تأتي باشتراك السكان جميعهم او بعضهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في العالم بشكل عام تتجه كثير من سلطات ذات الحكم الذاتي والتي تشبه الواقع الفلسطيني الى تعزيز المشاركة الشعبية كنظام اجتماعي اقتصادي يقوم على مشاركة الموارد والاصول البشرية والمادية بين الافراد والمؤسسات العامة والخاصة.
لكن المشهد الفلسطيني يُعاني من تدني ثقة المواطنين بالحكومة نظراً لعدم قدرتهم نحو اختيار واقع جديد ما يُعرقل تطبيق الحوكمة ومواءمة الانظمة واللوائح لضمان مشاركة المواطنين واعادة هيكلة سياسات العمل والضرائب والتوطين عبر منصات تشاركية ذات طابع محلي وايجاد حلول للمشاكل من خلال اتباع نهج يعطي اولوية للقاعدة الشعبية وهذا الامر له تأثير كبير على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي.
فالمشاركة السياسية شرط مُسبق لاقامة حكومة مسؤولة وشرعية وشرط اساس لتغيير الاتجاهات السياسية الحكومية بهدف تطوير الاوضاع الاقتصادية الى درجة عالية، وكما ان المشاركة السياسية تعتبر مرادفا للديمقراطية فهي حق المواطن في ان يراقب القرارات والسياسات العامة سواء بالتقويم والضبط وتقترن بالتمثيل النيابي، كما ان المشاركة السياسية تُعزز حالات الدعم الجماهيري للسلطة وبالتحديد ان واقع السلطة بدأت تفقد شعبيتها بشكل كبير بين اواسط المجتمع الفلسطيني نظراً لغياب الشرعية لواقعها المهني والعملي واللجوء إلى تنظيمات تُحقق مبتغاهم الاصلي.
تُعد مشاركة المجتمع المحلي الفاعلة ضمانة اساسية لنجاح اي مبادرة سياسية كون ان الافق المستقبلي ليس شيئا يمكن استيراده من الخارج بل هي عملية تنبع من صميم المجتمع وتخضع لظروفه الخاصة وثقافته وموارده وقيمه، ونجاحها رهين باندماج افراده وجماعاته فيها وتتطلب هذه المشاركة وجود منظمات محلية قوية ودعم محلي للسلطة من قبل شعب حدد اختياره بذاته.
المشاركة الشعبية تساعد في تحديد المشكلات التي تواجه السكان وتساهم في تدعيم اتصال المجتمع بالحكومة وتُعزز المشاركة بالشعور بالمسؤولية وزيادة الانتماء للوطن بمؤسساته المختلفة وتخفف من الاخطاء والانحرافات الموجودة في الخطط، وتؤدي المشاركة الشعبية الى التعاون من اجل انجاح الخطة.
العوامل المؤثرة في المشاركة الشعبية:
تتعدد العوامل وتتفاوت حسب الدور الذي تقوم به ومنها مدى ايمان واهتمام السلطات المسؤولة بالمجتمع في عملية التخطيط مهما كان حجمه وهذا العامل مرتبط بالسلطة السياسية، والعامل الاخر هو انتشار الوعي الثقافي والاجتماعي والسياسي بين افراد المجتمع، وحرية التعبير والتفكير والاعلام، وايجاد قنوات اتصال بين افراد المجتمع والسلطة الحاكمة، وتشجيع السكان من قبل الحكومة على المشاركة الشعبية والاهتمام بافكارهم.
اهمية المشاركة الشعبية:
•تحديد الصعوبات والمشكلات التي تواجه حياة السكان.
•تساهم في تدعيم اتصال المجتمع بالحكومة.
•تؤدي الى الشعور بالمسؤولية وزيادة الانتماء للوطن.
•تعمل على تخفيف التكاليف اللازمة لتنفيذ واستكمال الخطط التنموية.
•تعمل على تصحيح الاخطاء والانحرافات الموجودة في الخطط.
تبرز الحاجة الى وضع استراتيجية لتوفير حماية للمشاركة الاجتماعية والسياسية من خلال اعادة ترتيب النظام السياسي بين الضفة والقطاع، وصياغة ميثاق يسمى "ميثاق الوطنية" يتخلله التلاحم والتماسك الاجتماعي يشمل الابعاد السياسية والايدولوجية والمناطقية لتكريس المواطنة وتعزيز الوحدة الوطنية وتمكين المواطنين من الولوج الى الخدمات الاساسية، من هنا نحن بحاجة الى اطر قانونية للتعامل مع قضايا التلاحم الوطني ووضع سياسات تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية وصيانة التلاحم الوطني والتعامل مع القضايا الجوهرية كالبطالة والفقر وتحقيق التواصل التنموي التشاركي.
ان تعزيز انتماء المواطن من خلال ترسيخ العقود الاجتماعية الاكثر استجابة لاحتياجات الناس التي تحترم التنوع مع اجلال الهوية الوطنية، عبر اجراء استفتاء شعبي استباقي لاي طارئ يُشرذم المجتمع الفلسطيني مستقبلاً . وعلى الاقل الاطلاع لمستقبل اكثر تفاؤلاً يُعزز التنمية والسلام والازدهار للمواطن الفلسطيني سواء في غزة او الضفة الغربية .