عقد أعضاء مجموعة بريكس، الاسبوع الماضي، في يوهانسبورغ، مؤتمراً كان يتوقع أن يكون احتفالاً مناهضاً لأميركا. الاعضاء الخمسة، الهند وروسيا والبرازيل والصين وجنوب افريقيا، تفاخروا بتمثيل بديل للنظام العالمي القائم.
ناب وزير خارجية روسيا، سرجيه لافروف، عن الرئيس الروسي في القمة السياسية؛ لأن المحكمة الدولية اصدرت أمر تسليم ضد بوتين بسبب جرائم الحرب في اوكرانيا. أوضح لافروف جيداً أن "هدف اللقاء هو وزن وبحث مكانة وأهمية الدول المرشحة للانضمام لهذه المنظمة".
"موقفنا المشترك هو أنه يجب علينا تجنيد دول تشاركنا وجهة نظرنا، دول تؤمن بعالم متعدد الاقطاب والحاجة الى الديمقراطية والعدالة في العلاقات الدولية، نحن بحاجة الى هؤلاء الذين يؤيدون إعطاء اهمية أكبر لدول جنوب العالم. المرشحون الستة يلبون هذه المعايير"، قال لافروف. اعضاء البريكس ذكروا الدول الست المرشحة، وهي ايران والامارات والسعودية واثيوبيا ومصر والارجنتين.
طموح روسيا واضح ومفهوم. النضال ضد هيمنة الولايات المتحدة، لا سيما ضد العقوبات التي تم فرضها على روسيا، حوّل توسيع نادي البريكس هدفا استراتيجيا – ليس بالذات اقتصاديا بل سياسي.
الهدف الثاني من حيث الاهمية حدده المتحدث بلسان الكرملن، ديمتري فسكوف، قبل بضعة اسابيع على اللقاء: "عملية التخلص من الدولرة في الاقتصاد العالمي تتقدم دون تأخير. وقد اصبح استخدام العملة المحلية حقيقة على المستوى الدولي".
هاتان العمليتان لا تنفصلان عن بعضهما. فالتخلص من الدولرة وتفكيك هيمنة أميركا هي منظومة متكاملة من شأنها أن تهدد الدولار وتهدد تفوق الولايات المتحدة الاقتصادي.
عملة مشتركة لا تلوح في الأفق
يعيش نحو 40 في المئة من سكان العالم في دول البريكس القائمة والمرشحة. انتاجها الاقتصادي يشكل نحو 31 في المئة من الناتج الخام العالمي. تعتبر هذه الارقام كما يبدو تحديا أمام أميركا.
الاكثر اهمية من ذلك هو أن ربع انتاج النفط العالمي ينتج في روسيا، وهي العضو المؤسس في هذه المجموعة، وفي السعودية. وروسيا وايران لديهما ثاني وثالث اكبر احتياطي للغاز على التوالي.
الآن تتاجر المزيد من الدول فيما بينها بوساطة العملة المحلية، وليس بوساطة الدولار، أو عن طريق المقاصة الدولية. مثلا، الهند والامارات وافقتا على استخدام الروبية كعملة للتجارة. اتفاق مشابه وقع بين الهند وروسيا وبين السعودية وروسيا.
لكن الطموح الى انشاء عملة مشتركة جديدة تستبدل الدولار، هو رصاصة على المدى البعيد. من المشكوك فيه اذا كان هذا التنبؤ سيتحقق في الوقت الذي تتم فيه اكثر من 90 في المئة من الصفقات الدولية بالدولار. وحوالي 60 في المئة من احتياطي العملة الاجنبية في العالم تتم مراكمتها بالدولار.
اكثر من ذلك أن معظم قروض الدول الاعضاء في المنظمة وقروض الدول التي ستنضم اليها هي قروض بالدولار، منحتها اياها مؤسسات دولية أو صناديق دولية مثل صندوق النقد الدولي.
من اجل الانتقال الى عملة اخرى فانه سيتعين على هذه الدول الحصول على موافقة مؤسسات التمويل التي في معظمها مرتبطة بشكل جيد بالادارة الأميركية أو خاضعة لتأثيرها. تصعب رؤية كيف سيوافق صندوق النقد الدولي على تحويل قروض مصر والارجنتين، التي تقف على رأس قائمة الدول المقترضة، من الدولار الى العملة المحلية. في حالة مصر، الجنيه المصري فقد 50 في المئة من قيمته في السنتين الاخيرتين.
نادٍ مليء بالصراعات الداخلية
العلاقات بين الصين والهند، العضوين في النادي، تتراوح بين العداء والتعاون الجزئي. لذلك، يصعب التصديق بأن الهند ستنفصل عن العملة الأميركية، وتخاطر بشرخ سياسي مع حليفتها الأهم، لا سيما في زمن وجود أزمة اقتصادية في الصين.
تمثل العلاقات بين الهند والصين الشرخ الداخلي الذي يميز نادي البريكس، الذي يتوقع أن يتوسع عندما ستنضم اليه الدول الست المرشحة. مصر واثيوبيا مثلا ليستا عضوين مقربين. اعتبر مشروع سد النهضة لاثيوبيا في نظر مصر تهديدا لامنها القومي. وفي القاهرة يتهمون الصين بالمساعدة على بناء السد. ركيزة مصر الاساسية في النضال من اجل تقليص اضرار السد هي بالذات واشنطن. ايضا العلاقات بين السعودية والامارات تدهورت في السنوات الاخيرة الى درجة أن زعماء الدولتين لا يتحدثان مع بعضهما.
البريكس مقابل الـ "جي 7"
تعتبر ايران المصادقة على ترشحها انجازا سياسيا مهما، بعد انضمامها لمنظمة التجارة في شنغهاي. طهران في الحقيقة يوجد لديها احتياطي غاز كبير جدا، لكنها ستجد صعوبة في انتاجه بدون استثمارات ضخمة. في ظل نظام العقوبات يمكن أن تأمل ايران في الحصول على استثمارات وقروض من بنك التطوير الذي سيقيمه الاعضاء في البريكس. ولكن معظم اموال البنك هي الدولار. الصين، مستهلكة النفط الكبرى بالنسبة للجمهورية الاسلامية، وعدت بالاستثمار في ايران بمبلغ 400 مليار دولار خلال 25 سنة، لكن بكين غير متسرعة في تنفيذ الاتفاق.
الاقتصاد المصري بعيد عن النمو
تأمل مصر بأن عضويتها في هذه المجموعة ستجلب لها استثمارات جديدة، لا سيما من دول الخليج. ولكن مشكلة مصر ليست فقط النقص الكبير بالدولار أو التضخم الذي يبلغ 40 في المئة. يحتكر الجيش المصري معظم الاقتصاد ويردع المستثمرين الاجانب، بما في ذلك الدول العربية.
اوضحت السعودية في هذه السنة أنها لن تعطي مساعدات اضافية لمصر إلا بشروط تكون مقبولة على صندوق النقد الدولي مثل الاصلاحات الاقتصادية العميقة، وتقليص كبير في نظام الدعم وتقليص تدخل الجيش في الاقتصاد.
اعضاء البريكس قواعد اللعب السعودية. وافقت مصر وروسيا على استخدام الروبل والجنيه المصري في الصفقات التجارية. ايضا بدأت روسيا في إقامة مفاعل نووي لانتاج الكهرباء في مصر. على الطاولة موضوع ايضا برامج لاستثمارات روسية في البنية التحتية للقطارات المنهارة لمصر.
هذا لا يكفي من اجل وضع اقتصاد مصر على الطريق الصحيحة. القاهرة ربما يمكنها توفير الدولارات اذا وسعت اتفاقات التجارة بالعملة المحلية مع دول البريكس. هذا توفير كبير، لكن يجب عليها تسديد ديونها حتى لو تم حسابها بالجنيه المصري.
ربما ستضطر مصر الى دفع ثمن استراتيجي وسياسي، لا سيما فيما يتعلق بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، اذا اظهرت ميولا مبالغا فيها مؤيدة لروسيا والصين. في حين أن انضمام السعودية والامارات لهذه المنظمة استهدف التلويح باصبع مهددة امام الولايات المتحدة، فان العلاقات مع واشنطن هي ضرورة وجودية بالنسبة لمصر.
من غير الواضح ما هي الفائدة التي يمكن أن تحصل عليها مصر وايران من الانضمام للبريكس. اضافة الى ذلك لم تنشر المجموعة نفسها معايير مفصلة أو شروطا للقبول في صفوفها. تشمل شروط الانضمام للاتحاد الاوروبي مئات الشروط والبروتوكولات. منظمة البريكس في المقابل تدار كنادي مفتوح، متحمس لضم الاعضاء كي يستطيع اظهار منافسة سياسية مع الغرب، لكن بدون الادوات المطلوبة لذلك.
عن "هآرتس"