لم يكن مفاجئاً إعادة إحياء مسيرات العودة على الحدود الشرقية لقطاع غزة؛ بعد تصاعد تهديدات الاحتلال الإسرائيلي باغتيال قادة المقاومة، وذلك في رسالة تحدي للاحتلال؛ بتفعيل الأدوات الخشنة؛ تمهيدًا لأيّ عملية غدر قد يُقدم عليها الاحتلال بحق قادة المقاومة.
لكِن مسيرات العودة التي أُعلن عن انطلاقها في 30 مارس 2018، بالتزامن مع يوم الأرض؛ ووضعت من ضمن أهدافها رفع الحصار المفروض على غزّة وكذلك تحقيق حلم العودة، واستمرت حتى ديسمبر 2019، لم تنجح في بلوغ أيّ من أهدافها وكان الثمن باهظاً؛ خاصةً في صفوف الشباب. فقد سقط 305 شهداء وأصيب 17335 فلسطينياً، وكان من بين الشهداء 59 طفلاً و10 إناث ومسن واحد، حسب إحصائيات وزرة الصحة الفلسطينية.
ورُغم أنَّ المسيرات لم ترفع الحصار عن قطاع غزّة؛ لكِنه شكَّل فرصة لحركة حماس التي تحكم القطاع في تخفيف الحصار، بالضغط على الاحتلال، لمدة 21 أسبوعاً بحشد جماهيري، أدى في نهاية المطاف إلى التزام قطر في العام 2018، بدفع مبلغ 15 مليون دولار، ليرتفع بعد عدوان 2021 إلى 30 مليون دولار، بالإضافة إلى تسهيلات اقتصادية إسرائيلية بالسماح لما يقارب من 20 ألف عامل من غزّة بالعمل داخل إسرائيل. وكذلك تعهد مصر بإعادة بناء ما دمره الاحتلال بتخصيص نصف مليار دولار لمشاريع الإعمار بعد عدوان 2021.
وقرار العودة للمسيرات، جاء من خلال بيان للهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار، بالإعلان عن تجهيز وتأهيل مخيمات العودة قرب الحدود الشرقية لقطاع غزة، حسبما نقلت وسائل إعلام محلية من بينها وكالة الرأي التابعة للمكتب الإعلامي الحكومي، الذي تُديره حركة حماس.
ما سبق يطرح تساؤلات حول أسباب تفعيل حماس مسيرات العودة؟ وهل تم الاستفادة من التجربة السابقة للمسيرات؟
إحياء المسيرات.. رسالة بتعدد خيارات الكفاح للشعب الفلسطيني
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى الصواف، أنَّ "عودة مسيرات العودة، رسالة للعالم وللإقليم وللاحتلال الصهيوني، بتعدد خيارات الشعب الفلسطيني، وهذه واحدة من الخيارات- يقصد مسيرات العودة- التي يمكن إرهاق الاحتلال بها".
وأضاف الصواف، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "لذلك الفكرة هي "الخيام" وهي لا تعني عودة المسيرات التي كانت قبل عدة شهور، وإنّما تعني بداية تحرك فلسطيني باتجاه المناطق الحدودية؛ لتقول للعالم إنَّ الشعب الفلسطيني الذي هُجر مُنذ أكثر من 75 عاماً يُريد العودة إلى أرضه".
وتابع: "ورغم ذلك العالم، يصم أذنيه ولا يُولي الأمر اهتماماً؛ لكِن الشعب الفلسطيني يُحاول وهي من ضمن محاولات شعبنا لإثبات حقه والدفاع عنه"، مُعتقداً أنَّ المسيرات السابقة أرهقت الاحتلال بشكلٍ كبير؛ رغم عدد الإصابات التي وقعت والشهداء، لأنَّ هذه المسيرات شكلَّت إرهاقاً كبيراً على الاحتلال.
وأردف: "ربما الحديث عن عودة المسيرات قد يأخذ شكلاً وطابعاً مختلفاً عما كانت عليه المسيرات السابقة؛ لأنّه بكل تأكيد تم تقييم المسيرات التي حدثت في الفترة الماضية، وبالتالي الخروج بنتائج يجري بناءً عليها ترتيب المسيرات الجديدة".
وبالحديث عن الرسائل التي تحملها مسيرات العودة للاحتلال بعد تهديداته باستئناف سياسة الاغتيال بحق قادة المقاومة، قال الصواف: "إنَّ الاحتلال يُهدد باغتيال قادة المقاومة مُنذ فترة طويلة، ولكِن هي رسالة للاحتلال تقول له إنَّ خيارات الشعب الفلسطيني كثيرة". مُردفاً: "صحيح أنَّ خياراته البندقية والصاروخ؛ ولكن لديه الخيار الآخر المُسمى بالخيار المدني أو المقاومة المدنية وهي محاولة أنّ تُظهر للعالم أجمع بأنَّ هذا الاحتلال ظالم ولا يُمكن أنّ يستجيب لا لتظاهرات مدنية أو غيرها ولا يفهم إلا لغة القوة".
عودة المسيرات.. بتوافق الكل الوطني
وحول المعارضة الشعبية وبعض الفصائل الفلسطينية لإحياء مسيرات العودة؛ بالنظر للثمن الباهظ الذي دفعه الشعب الفلسطيني من شهداء وجرحى دون تحقيق أهدافها وأبرزها رفع الحصار عن غزّة وتحقيق حلم حق العودة، أوضح الصواف، أنَّ أيّ مسيرات ستكون بتوافق وطني وليس لفصيل واحد، لأنَّ المسيرات التي حدثت في الفترة الماضية انطلقت بإجماع الكل الفلسطيني، مُشيراً إلى عدم وجود تفرد من قبل فصيل فلسطيني بعينه باتجاه تحريك الشارع الفلسطيني نحو هذه المسيرات؛ لذلك ربما هذه الانتقادات ليست من القوى والفصائل، وإنّما من بعض الأفراد، وفق حديثه.
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي، طلال عوكل، أنَّ "قرار العودة لمسيرات العودة، على ما يبدو اتخذته حركة حماس، وحتى الآن لا يوجد إجماع بين الفصائل"، مُعتقداً أنَّ العودة للمسيرات باتجاه المناطق الحدودية للقطاع، يحتاج إلى دراسة وتقييم للتجربة السابقة، بكل ما فيها من مكاسب وأثمان باهظة.
رسالة مسيرات العودة تكملة لرسالة العارري
وبيّن عوكل، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر"، أنَّ العودة للمسيرات، رسالة قوة، في مواجهة إسرائيل؛ بمعنى أنَّ حزب الله يتحرش بإسرائيل وفي ذات الوقت "إسرائيل" غير قادرة على أنّ تزحزح خيمة واحدة في جنوب لبنان، وكذلك غير قادرة على ممارسة سياسة الاغتيالات بالشكل الذي تم ذكره.
وأردف: "إسرائيل غير قادرة على ضبط الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية -أي تصاعد عمليات المقاومة ضد سياسة حكومة نتنياهو القائمة على "خطة الحسم" لضم مناطق سي والأغوار-، وتُعاني من الفشل وراء الفشل"، لافتاً إلى أنَّ إسرائيل ضعيفة بسبب أزمتها الداخلية المتفاقمة.
وأوضح أنَّ إحياء مسيرات العودة، رسالة مكملة للرسائل التي أطلقها الشيخ صالح العاروي، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بمعنى رسائل تحدي وقوة تقول للاحتلال: "إنَّ هذه المرة ليست ككل مرة"، مضيفاً: "من المهم تقييم الأوضاع في المنطقة من حيث الإمكانات والاحتمالات، وأيضاً لا بد من التحذير وضبط حركة المواطنين تجاه الحدود حتى لا يسقط شهداء جدد أو مصابين.
أما عن كيفية الاستفادة من أخطاء مسيرات العودة السابقة، رأى عوكل، أنَّه "حسب نوع الرسالة، ففي المرات السابقة، كانت الرسالة تتكامل مع مسيرات أو مراهنة على مسيرات من أكثر من مكان من الأردن وسوريا ولبنان ومن الضفة الغربية، مُستدركاً: "لكِن هذه المرة غير مطروح أنّ تتكامل مع مسيرات أخرى؛ لأنَّ طابعها سياسي عسكري أكثر".
وأكمل: "الرسالة، محدودة ومعروف عنوانها؛ وبالتالي الأمر يختلف عن المرات السابقة"، مُوضحاً أنَّ المرات السابقة بحاجة إلى تقييم ومن حق الشعب الفلسطيني، إمّا أنّ يفهم الهدف من العودة إلى المسيرات ويكون هناك إقناع، أو تدارك الأخطاء التي وقعت بالذات فيما يتعلق بعدد المصابين الكبير.
وخلص عوكل، إلى أنَّ المواطنين في غزة، مُحقون في اعتراضهم بشأن عودة المسيرات بشكلها السابق، طالما غير قادرين على فهم السبب أو الرسالة من عودة المسيرات أو غير مقتنعين؛ لأسباب العودة قياساً بالثمن والتجربة السابقة".