مرة أخرى صالح العاروري في العناوين. بعد أن تحمل الجناح العسكري لـ"حماس" المسؤولية عن العملية في حوارة وبعد أن تم تخويل بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت بالمس بالمخربين ومرسليهم"، هدد العاروري بأن إعادة عمليات التصفية ستستدعي حربا متعددة الساحات (رئيس الحكومة قال، إن العاروري "يعرف لماذا هو يختبئ").
لا يعتبر صالح العاروري وجهاً جديداً في الساحة الفلسطينية، وهو لا يخفي نيته في إشعال "المناطق". كان بالإمكان سماع ذلك قبل سنة، في خطابه الذي ألقاه في الذكرى الـ 35 لتأسيس حركة حماس. كان أحد الزعماء الأربعة للحركة، الذين قاموا بإلقاء الخطابات، التي عكست الفروقات في مقارباتهم رغم محاولة بث الوحدة.
خطاب إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، وخطاب يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي في القطاع، تم بثها في غزة. الخطاب الثالث، وهو خطاب العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي، تم بثه خلال مهرجان في جامعة بيرزيت، والخطاب الرابع لخالد مشعل، الزعيم الموجود في الخارج، تم بثه في تجمع جرى في صيدا. عكس المكان الجغرافي توزيع مراكز قوة الحركة. هنية والسنوار يسيطران في غزة، العاروري في الضفة الغربية، ومشعل في الشتات.
يبدو أن مشعل، الذي يطمح إلى تولي منصب رئيس "م.ت.ف" أو منصب الرئيس الفلسطيني القادم، تعلم أمراً أو اثنين من ياسر عرفات. فأثناء وجوده بعيداً عن أبناء شعبه في الضفة الغربية وفي القطاع عمل على تجنيد المؤيدين في أوساط الشعوب العربية وفي أوساط الشتات الفلسطيني. إشراك الشتات الفلسطيني، الذي يشكل أغلبية الشعب الفلسطيني، في اتخاذ القرارات، وإشراك الشعوب العربية في قرارات زعمائهم في كل ما يتعلق بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، كانت بالتالي قضية رئيسة في خطابه.
السنوار والعاروري، قطط الشارع المتوحشة لدى "حماس"، يتوجهان لجمهور مختلف: السجناء وعائلاتهم. ولكن توجد بينهما أيضا فوارق. ففي حين أن السنوار يفضل الاكتفاء بالتهديد الضمني وبالإشارة إلى أنه سيبحث عن طريق أخرى لتحرير السجناء إذا لم تتم صفقة تبادل، فإن العاروري يعد بتحرير السجناء عن طريق اختطاف جنود ومستوطنين. السنوار، الذي يتولى المسؤولية الحكومية عن رفاه سكان غزة، غير معني بتعريض التسهيلات الاقتصادية من قبل إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية للخطر. العاروري، المتحرر من المسؤولية، يريد إشعال الضفة كي يؤدي ذلك إلى انهيار السلطة وسيطرة "حماس".
منذ تم إطلاق سراحه من السجن الإسرائيلي في العام 2010 يتحدى العاروري مشعل وهنية والسنوار، وأيضا إسرائيل والسلطة الفلسطينية. هو من مواليد 1966 من قرية عارورة في محافظة رام الله، ويحمل اللقب الأول في الشريعة الإسلامية من جامعة الخليل، وكان قائد كتائب الشهيد عبد الله عزام. في منصبه الحالي يعمل في ثلاث قنوات. القناة الأولى هي محور المقاومة ايران – سورية – "حزب الله". يعمل العاروري على ضمان استمرار تحويل الأموال والسلاح والتكنولوجيا لـ"حماس". وهو يحاول تخريب اتفاقات التطبيع التي وقعت بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، وأن يثبت لهذه الدول العربية بأن العدو الرئيسي للأمة العربية – الإسلامية هو إسرائيل وليس ايران. وهو يحذر السعودية من أن تطبيع العلاقات يمكن أن يؤدي إلى منح إسرائيل السيطرة على الأماكن المقدسة. وهو يذكر الأردن بالمشهد الذي وقف فيه وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، على منصة كان خلفها خارطة لإسرائيل التي كانت تضم ضفتي نهر الأردن.
القناة الثانية هي السلطة الفلسطينية. يعترف العاروري بأنه يؤيد المصالحة الوطنية مع شخصيات رفيعة في السلطة، ليس لأنه يؤمن بأن هذه المصالحة ستؤدي إلى حكومة وحدة وطنية، بل لتخفيف عداء السلطة لفصائل المقاومة ومنع التدهور إلى حرب أهلية تخدم إسرائيل. بكلمات أخرى، هو يقوم بتخدير السلطة من اجل إقامة بنية تحتية عسكرية سيستخدمها ذات يوم لتنفيذ انقلاب والسيطرة على الضفة الغربية.
القناة الثالثة هي كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح. يتوسل العاروري لحركة فتح، وهو يذكر بتاريخ النضال المجيد للحركة، ويحرص على تمييزها عن المجموعة الصغيرة التي توجد في أجهزة الأمن الفلسطينية التي تنسق مع إسرائيل. هكذا، هو يأمل في إقناع النشطاء الميدانيين في حركة فتح ليعلقوا الآمال على "حماس"، وليس على "الجهاد الإسلامي"، الذي انضموا إليه، مؤخراً.
القناة الرابعة هي الشباب في مخيمات الضفة الغربية ومخيمات لبنان. لاحظ العاروري مشاعر الغضب والعار التي يشعر بها الشباب تجاه سنوات الذل الطويلة، ويسعى إلى ترجمتها إلى عنف ثوري وبناء ساحة بديلة أو مكملة لقطاع غزة يمكن منها إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار ضد إسرائيل. في الواقع هذا أمر صعب في المناخ الذي تمر فيه "البوصلة العالمية" في عملية تكيف على مشاهدة ملايين اللاجئين، وفي عصر فيه الشباب يخافون من اليأس من زعمائهم الفاسدين، وغير مستعدين للتضحية. ولكن العاروري يحاول إيقاظ حب الوطن والاستعداد للموت من اجله من جديد. وهو يعبر عن استعداد شخصي للتضحية بالنفس، مثل محمد ضيف، رئيس أركان "حماس"، الذي تعرض لعدد لا يحصى من محاولات الاغتيال وفقد كل أفراد عائلته.
العاروري أيضا يقوم بتخويف الشباب ويحذرهم من أنهم يواجهون خطرا وجوديا. وأنه إذا لم يسلحوا انفسهم ولم يلحقوا الضرر بالأمن الشخصي للمستوطنين ولم يحتكوا مع الجيش في كل مناطق الضفة ولم يستغلوا الانقسام الداخلي في إسرائيل والسياسة المتطرفة لحكومتها من اجل إقناع العالم بعدالة طريقهم، فإنهم سيقفون أمام مليوني مستوطن وخطر الطرد وسيخسرون المسجد الأقصى لصالح اليهود.
يكرر التاريخ نفسه، يقول العاروري للشباب، ويذكرهم باسحق رابين الذي دعا إلى تحطيم العظام في الانتفاضة الأولى ولكنه تراجع ووقع على اتفاق أوسلو. ويذكرهم بارئيل شارون الذي قام بتصفية قيادة "حماس" المؤسسة في الانتفاضة الثانية، ولكنه اعترف بأنه لا يمكن الاستمرار في السيطرة على شعب آخر وقرر الانفصال أُحادي الجانب في القطاع. الآن، هو يتحدث عن سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين لم يأتيا من الجيش، ويرفضان الامتثال لتوصياته، ما يمكن أن يقود إلى حرب إقليمية والى الانسحاب من الضفة.
هذا هو الملخص: العاروري هو شخص خطير، معني بحرب إقليمية شاملة تضر بشكل كبير بإسرائيل وتسرع نهايتها.
عن "هآرتس"
صحيفة إسرائيلية: نهاية حرب غزة تقترب لكن بعد وصول ترامب
15 ديسمبر 2024