سقطنا في شرك أوسلو. هذه كانت مصيدة عسل، تبعث على الأمل. كم هو لطيف أن تعلق بخيوطها بضع سنوات مع كل اللجان واللقاءات. ولكن "أوسلو" لم يدفع قدماً بالسلام، بل أبعده إلى ما وراء الأفق، ورسخ الاحتلال وخلد المستوطنات.
هذا بالطبع يسمى الحكمة بعد فوات الأوان. هذا ليس بسبب قتل رابين. لم يذكر هذا التاريخ الإسرائيليين الذين عقدوا "أوسلو" بالخير. لا يمكن أن نغفر لهم تفويت الفرصة المصيرية التي لا تقل عن تفويت الفرصة عشية "حرب الغفران".
نقش أحد المشاهد في ذاكرتي بشكل خاص من أيام "أوسلو" السعيدة، كم كانت سعيدة.
ذات يوم عندما خرجنا من غزة نظرنا في حاجز إيرز إلى الوراء، وبصورة مسرحية لوحنا بأيدينا مودعين غزة: الوداع، يا غزة، وداعاً لا لقاء بعده.
كان ياسر عرفات في حينه يعيش في غزة، في مكتبه البسيط وتحت مكيف الهواء "تاديران" الذي تركه الإسرائيليون، وكان الأمل عالياً.
جولة صحافية بعد بضعة أشهر بمناسبة تدشين قرية استجمام في شمال القطاع مع كل الشخصيات المشهورة الإسرائيلية، فقط زادت الشعور بالمتعة.
وفد إلى أوروبا من أعضاء الكنيست وأعضاء المجلس التشريعي، من بينهم مروان البرغوثي، زاد الوهم.
اعتقدنا أن الاحتلال في الطريق إلى الانتهاء، بعد لحظة ستكون هنا دولة فلسطينية واستجمام في نادٍ في بيت لاهيا؛ اعتقدنا أن اسحق رابين وشمعون بيريس يريدان السلام؛ فقط حفنة من اليساريين المتطرفين والحامضين اعتقدوا أنه من المحظور الذهاب إلى هناك. كانوا على حق، في حين أننا أخطأنا. مرة أخرى يجب طلب العفو من اليسار الراديكالي الذي رأى كل شيء قبل الجميع.
محضر النقاش الذي جرى في الحكومة قبل ثلاثين سنة وتم نشره، الأسبوع الماضي، يروي كل الحكاية.
التكدر ورؤية السواد والازدراء والاشمئزاز شبه الجسدي من الفلسطينيين وممن يقفون على رأسهم، والشعور بأن إسرائيل "تعطي أكثر مما تأخذ"، وعدم الرغبة في إقامة العدالة المتأخرة، وعدم تحمل المسؤولية عن جرائم 1948 أو جرائم 1967، وتجاهل القانون الدولي، والانشغال القسري بالأمن، بالطبع فقط بأمن الإسرائيليين، والتعامل مع "إرهاب الفلسطينيين" فقط، وليس مع إرهاب إسرائيل، والخوف الخفي من المستوطنين وأعوانهم؛ لأنه حينها كان لا يزال هناك وحوش صغيرة أمام الوحش الضخم الذي هم عليه الآن: كان كل ذلك واضحاً في كل كلمة قالها الحاصلون على جائزة نوبل للسلام، رابين وبيريس.
هذه ليست الطريقة التي يتم فيها صنع السلام. هذه هي الطريقة التي تم نصب المصيدة فيها لكسب المزيد من الوقت.
كانت الذروة في تنفس الصعداء لبيريس في ذاك اللقاء: وافق الفلسطينيون على أن يبقى المستوطنون في أماكنهم. تفاخر أبو المستوطنات بأنه حتى المطالبة بتحويلها منطقة تجارة حرة نجح في إفشالها. هنا بالضبط دفن كلب أوسلو.
الموضوع الأكثر مصيرية لم يتم لمسه. فقد تجاهلوا الجريمة الكبرى. الفلسطينيون بغلطة حياتهم والإسرائيليون بخداعهم وطمعهم. "ما الذي خفنا منه؟ أن يبدؤوا بموضوع المستوطنات؟"، اعترف بيريس. "موضوع المستوطنات"، وكأن الأمر يتعلق بطنين ذبابة مزعجة يجب إبعادها. ولكن هذه الذبابة اختفت من تلقاء نفسها. ما هذا الحظ لأنهم لو بدؤوا بالتلويح بموضوع المستوطنات لكان يجب علينا على الأقل تجميد الاستمرار في البناء، الحد الأدنى لكل حكومة تنوي صنع السلام.
كانت هذه ورقة عباد الشمس لفحص النوايا الحقيقية: إذا كان رابين وبيريس لم يقترحا تجميد البناء في المستوطنات فهذا إشارة إلى أنهما لم ينويا للحظة السماح بإقامة الدولة الفلسطينية. هكذا هو الأمر ببساطة. لا، رابين وبيريس لم يبحثا عن العدالة أو عن السلام أيضاً، بل بحثا عن الهدوء الذي يسمح بمضاعفة عدد المستوطنين بثلاثة أضعاف وضمان تخليد الاحتلال. هذا ما لا يمكن غفرانه.
اشتاق الوف بن لرابين ("هآرتس"، قبل أيام). يصعب علي جداً الانضمام إليه رغم التقدير الكبير لهذا الشخص والاشتياق الكبير لتلك الفترة المختلفة، لأنها وبحق كانت أفضل. ولكنّ سعياً حقيقياً نحو السلام أو العدالة لم يكن فيها.
عن "هآرتس"