في سياق قراءة الإستراتيجية الإسرائيلية الجديدة حيال الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، والتي يستمر الكاتب هنا في تقديم قراءة لها للأسبوع الثالث على التوالي، في ضوء ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية الحالية الأشدّ تطرّفًّا يمينيًّا، تمّ التوقف إشاريًّا عند كيفية تسويق سياسة الاستيطان الإسرائيلية في هذه الأراضي أمام المحافل الدولية، سيما مقاربة القوى اليمينيّة المسيطرة على مقاليد الحكم التي تدعّي أن سياسة الاستيطان هذه ليس فيها أي نقلٍ للسكان بالقوة أو بكثافة عالية، كما أنها تعتمد على استخدام قانوني للأراضي التي ليست ملكية خاصة. وتترافق مع هذا الادّعاء إشارة إلى أنه اتفق في إطار اتفاقيات أوسلو على أن تكون مسألة الاستيطان إحدى قضايا مفاوضات الوضع الدائم بين الفلسطينيين وإسرائيل، وعلى أنه إلى حين التوصل إلى اتفاق نهائي يُفترض ألا يعيق شيءٌ أيًا من الطرفين عن تنفيذ أعمال التخطيط والبناء في المناطق الخاضعة إلى سيطرة كلٍّ منهما. ولا بُدّ من القول إن ما استخلصته إسرائيل من هذه السيرورة أن الاستيطان ليس أحد مصادر الصراع، القائم قبل إقامة أي مستوطنة في أراضي 1967، وفي قراءتها، فإن مصدره كامن بالأساس في "محاولة العرب منذ عام 1948 منع إقامة دولة إسرائيل، واستمرار محاولاتهم الرامية إلى القضاء عليها وإبادتها".
ثمّة مركب آخر في هذه الاستراتيجية الإسرائيلية مؤدّاه، كما يرد في عديد من أوراق السياسات الصادرة عن معاهد الأبحاث التي تعبّر عن وجهات نظر اليمين الحاكم، أن الواقع القائم الراهن بين إسرائيل والفلسطينيين يمكن أن يكون دائمًا.
وبحسب إحداها، لا يعدّ هذا الوضع القائم، بما فيه من طريق سياسي مسدود، نتيجة رفض أو عناد إسرائيليين، كما يدّعي بعض الزعماء والحكومات والمحللين في الغرب، بل هو نتيجة رفض القيادة الفلسطينية العودة إلى مائدة المفاوضات، واختيارها إشغال المجتمع الدولي بالضحوية الدائمة، وإنتاج وطرح "مبادراتٍ سلبية" ترمي إلى الطعن بشرعية إسرائيل وتقويضها ونفي طابعها دولة يهودية. وتجزم الورقة نفسها بأن الفرض الإكراهي لحلول سياسية من طرف واحد، ومن منظمات عالمية أو مؤتمرات دولية أو دول أجنبية، ليس هو الطريق المقبول والمرغوب لتغيير الوضع الراهن. وفي الوقت عينه، في غياب أي مسارات دبلوماسية قائمة وعملية حاليا، سيبقى الوضع القائم الحالي ثابتًا ودائمًا بكل تأكيد.
وكما يعلم الجميع، لا يبقى الوضع القائم على ما هو عليه، لأن الإجراءات التي تفرضها إسرائيل من جانب واحد، باعتبارها تمتلك السيطرة شبه المطلقة على تلك الأراضي، تساهم في تغييره بوتائر سريعة.
فيما يتعلق بمحاججات هذه الاستراتيجية في أنحاء العالم، لعلّ أكثر ما قد يلفت النظر في الآونة الأخيرة محاولة معادلة مناهضة الصهيونية بمعاداة السامية. وبموازاة ذلك، اعتبار ميل بعض الجهات في المجتمع الدولي نحو الربط بين معاداة السامية والإسلاموفوبيا، بوصفهما ظاهرتيْن متساويتين من حيث الحجم والقوة، ينمّ عن موقفٍ خاطئ ومُخادع. ومثلما ورد في إحدى أوراق السياسات العاكسة مواقف اليمين الإسرائيلي، معاداة السامية ظاهرة مأساوية موجَّهة نحو اليهود فقط منذ آلاف الأعوام، وقد أوقعت المجازر العديدة، وعمليات الطرد، وعمليات التعذيب والإهانات الجماعية، والإعدامات من دون محاكمة. وتسبّبت بتغيير الديانة بالقوة والإكراه، وهدم كُنُس ومقابر، وظواهر استعباد، ومصادرة ممتلكات وغيرها. وبلغت هذه الظاهرة ذروتها في الهولوكوست. وكان هدف معاداة السامية الدفع نحو القضاء على الشعب اليهودي وإبادته الكلية عرقيًا.
أما ظاهرة الإسلاموفوبيا فمنبعها، وفقًا للورقة نفسها، الخوف من الإسلام في ضوء الحركات الأصولية المتعصّبة وما تمارسه من إرهاب. ولكن ليس في هذا أي فلسفة تدعو إلى القضاء على المسلمين وإبادتهم عرقيًا. وفي السياق نفسه، تعمل الحكومات الإسرائيلية اليمينية في الأعوام الأخيرة على اعتبار مناهضة الصهيونية في نظر حكومات غالبية الدول الغربية بمثابة نزع الشرعية عن دولة إسرائيل وصيغة محدثة من معاداة السامية.