هارتس : التضييق على السجناء الأمنيين سيكلّف إسرائيل ثمناً باهظاً

20230609170532.jpg
حجم الخط

بقلم: ايال غوفير


تغيير سياسة السجن جزء من إستراتيجية تصعيد النزاع، التي يتبناها وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير. في الخلفية، ترفرف فوق رؤوس قادة جهاز الأمن سيناريوهات جولة قتال أخرى في الضفة الغربية، وفي قطاع غزة، وحتى وراء ذلك، وأحد الأخطار هو الذي سيأتي من التداعيات المدمرة لتفجر قضية السجناء الأمنيين الفلسطينيين.
في الفترة الأخيرة، عرفنا أن بن غفير أمر بتقليص الزيارات للسجناء الأمنيين بحيث تكون زيارة واحدة مدتها 45 دقيقة كل شهرين، وتقليص عدد قنوات التلفاز، التي يُسمح للسجناء بمشاهدتها.
التقليد المتبع من العام 2014 هو "زيارة واحدة للعائلة" في كل شهر، لكن الواقع الأمني في البلاد يخلق وضعا فيه واقع الزيارات الفعلي أقل بكثير. إضافة إلى ذلك في الفترة الأخيرة تم المس بظروف حياة السجناء الأمنيين. فقد تم إلغاء "الإفراج الإداري" و"تم أخذ الأرغفة منهم" وتم تقليص قدرتهم على الوصول للمياه. كل ذلك يعزز في السجون وفي الشارع الفلسطيني وفي أوساط من يؤيدونهم في العالم الرواية التي تقول، إن السجناء يتعرضون للتنمر والتنكيل بشكل متزايد.
إذا كان الأمر هكذا فإن السؤال الذي يجب طرحه هو ما هي الفائدة التي ستجنيها دولة إسرائيل من تشديد آخر لظروف السجناء الأمنيين؟ هل سيتم تحقيق الردع؟ هل سيتحسن الأمن والانضباط في السجون؟ هل ستعطي هذه الإجراءات دولة إسرائيل نتيجة إيجابية معينة في الساحة الدولية؟ هل ستتحسن الصورة الذاتية للسجناء؟ الإجابة عن كل هذه الأسئلة هي إجابة قاطعة: لا.
إن جوهر دور مصلحة السجون، حسب رؤية هذا الجهاز، هو "الحفاظ على السجناء والمعتقلين المتسللين والماكثين في حماية آمنة ومناسبة، مع الحفاظ على كرامتهم وتحقيق احتياجاتهم الأساسية وتزويد جميع السجناء بالأدوات التصحيحية المناسبة من اجل تحسين قدرتهم على الاندماج في المجتمع عند إطلاق سراحهم".
معاملة السجناء، وضمن ذلك السجناء الأمنيون، تعبر عن دولة إسرائيل وليس عن السجين. السجانون في مصلحة السجون والضباط فيها يريدون تطبيق أوامر المحكمة وحرمان السجين من الحرية، لكنهم يعتبرون انفسهم رسلا لمسألة صورة وطابع الدولة. لدى السجناء الجنائيين إلى جانب إنفاذ القانون فإنه يوجد توق لخلق ظروف تمكن من التصحيح وإعادة التأهيل. ولدى السجناء الأمنيين في الواقع لا يوجد مكان لترف إعادة التأهيل، لكن بالتأكيد هناك مكان للاحترام واللباقة ومستوى معقول للحياة.
مصلحة السجون، بصفتها ممثلة لدولة إسرائيل، لا يتعين عليها أن تتنافس مع السجناء في مستوى الوحشية وفي تقديم حلول سيئة أو خبيثة للصراعات. دولة إسرائيل هي الطرف القوي هنا. قواتها كبيرة. الأدوات لإظهار ذلك لا يتم التعبير عنها من خلال تبني نموذج السجين، بل بإدارة عقلانية ونزيهة وحازمة ومقدرة، تحافظ على صورة السجناء الإنسانية، ما يحافظ أيضا على صورة مصلحة السجون الإنسانية والصورة الإنسانية والعادلة لدولة إسرائيل.
إن المس بالسجناء الأمنيين سيخلق على الفور التعاطف من خارج السجن، في ساحة المواجهة بين إسرائيل والفلسطينيين. فهل عدد القنوات التي يمكن للسجناء الأمنيين مشاهدتها حقا هو مهم بالنسبة لإسرائيل؟ هل ستتطور مواجهة بسبب المس بظروف حياتهم؟ في الواقع تعرف مصلحة السجون كيف يمكنها الخروج من هذه المواجهة منتصرة، لكن هل ثمن المواجهة المحتملة داخل جدران السجن، والأكثر من ذلك في الساحة الخارجية والدولية، يستحق الفائدة الافتراضية؟ من الواضح أن الإجابة سلبية.
من المهم الإشارة إلى أن مفهوم "مخيم صيفي" لوصف ظروف السجناء الأمنيين هو هراء تام. السجناء يعيشون في غرف مكتظة وبدون أدنى قدر من الخصوصية، وجودة الهواء الذي يتنفسونه متدن، وهم غير مسموح لهم الاتصال هاتفيا مع أبناء عائلاتهم، ولا يحصلون على إجازات أو على أي نشاطات للراحة، يوما بعد يوم وسنة تلو أخرى. لا اقصد إثارة الشفقة تجاههم، لكن يجب علينا الفهم بأن القليل الذي تسمح به مصلحة السجون يستهدف تقديم الحد الأدنى من الظروف الإنسانية التي تلتزم بها الدولة لكونها دولة ديمقراطية. دولة إسرائيل تريد اعتبارها من الدول السليمة في العالم، التي يتم قياسها حسب تعاملها مع السجناء، وضمن ذلك السجناء الأمنيون.
من الجدير الأخذ في الحسبان أيضا مسألة التوقيت. فهل في الوضع السياسي – الأمني الذي تعيش فيه دولة إسرائيل الآن من الصحيح إشعال الآن ساحة أخرى؟ بأي درجة ستساعد هذه المواجهة في الدفع قدما بالعلاقات التي تطمح دولة إسرائيل إلى تحسينها مع دول أخرى في المنطقة؟
إن القدرة على إدارة السجون بقواعد واضحة واحترام متبادل تخدم دولة إسرائيل بدرجة لا تقل عن كونها تمكن من وجود إنساني للسجناء. إدارة السجناء والسجون من الضروري أن تتم من خلال التفكير والحكمة العميقة، وحسب عمل طاقم منظم يقوم بفحص جميع الاحتمالات والمزايا والأثمان.
النتيجة هي أن توجيهات الوزير أُعطيت بدون أن يكون فيها التقدير المناسب، وخطوته تنطوي على ضرر وخطر على دولة إسرائيل اكثر مما ستفيدها. وقد كتب عن ذلك "لا بالحول ولا بالقوة، بل بالروح، قال إله الجنود" (سفر زخاريا 64).

عن "هآرتس"